يناير 2, 2025 5:25 م
كاتب المقال : محمد محيسن
لا أعلم لماذا، كلما قرأت وتمعنت في تقارير ديوان المحاسبة، وفي المناقشات التي تحيط بهذا الحدث السنوي، أتذكر مسرحيات غوار الطوشة ذات السقف العالي، لكنها، بكل تأكيد، تبقى محصورة داخل المسرح!
فالواقع يشير إلى أن الحكومة لا تتابع مخرجات التقرير. لم نسمع أو نقرأ عن معاقبة مسؤول ثبت تورطه في قضية لها علاقة بالفساد. كل ما هنالك مجرد نقاشات حامية الوطيس تجري داخل أروقة مجلس النواب لدرجة الملل، دون نتائج حقيقية. فهل تحول المجلس إلى واجهة لشعارات لا تسمن ولا تغني من جوع؟
و ما يقال عن “قطع دابر الفساد” في كل تصريح وكل خطاب رنان نسمعه من المسؤولين، بات عديم المعنى، لأنه كما يبدو بلا دابر، ولا أية ملامح يمكن رصدها. فقد تحول الفساد إلى نظام مضاد على مستوى الكوكب بأسره، وعين شبكاته ومافياته العابرة للدول والقارات بل إن هذا الفساد أصبح يعبر الزمن أيضًا.
أذكر قبل سنوات حديثا لأحد الوزراء أمام حشد من الصحفيين، نقلًا عن أحد الموظفين العاملين معه: “إن أكثر من 190 طالبًا حصلوا على معدلات تتجاوز 90% في امتحان الثانوية العامة خلال إحدى السنوات، كانوا من أبناء العاملين في الوزارة”. ولكن الوزير لم يذكر مصير هؤلاء الطلاب، ولا أين ذهبوا بعد أن تبين أنهم نجحوا بطريقة غير عادلة، عبر الواسطة والمحسوبية والغش. هل استمر آباؤهم في تولي المناصب ذاتها، أم تم معاقبتهم؟ ربما بعضهم ما زال في منصبه، وربما أحد هؤلاء الطلاب يعمل في الوزارة الآن بنفس الطرق السابقة: الواسطة والمحسوبية. قد يكون معلّمًا، أو موظفًا، أو حتى مديرًا.
هناك العديد من التجارب الحية التي يحدث فيها مسؤولون عن الفساد، ولكنهم لم يعطونا نموذجًا لعلاج هذه الظاهرة. لم نسمع عن عقوبة رادعة حقيقية طالت أحد الفاسدين، إلا في حالات نادرة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن العقاب الرادع لكل من يخالف ويتعدى على المال العام هو السبيل الأكيد لمنع وقوع مخالفات أخرى. في دولة تعاني من أزمات اقتصادية متراكمة، يجب أن يكون هذا العقاب حاسمًا.
تقرير هذا العام كان الأقل حدة في التفاعل الشعبي، رغم الكم الهائل من المخالفات التي شهدها، والتي انخفضت عن العام السابق. إلا أن الأردنيين استقبلوا التقرير هذا العام بحماسة أقل من المعتاد. بدت الصورة واضحة: كثرة الحديث عن الفساد وكشف القضايا لم تعد تقنع المواطنين بجدية مكافحة الفساد بالشكل المطلوب.
يبدو أن ثقافة التمييع وخلط المفاهيم والأوراق قد أعطت الفرصة لأفعال الفساد أن تقيد ضد مجهول، مما منح الفاسدين فرصة للمراوغة، كما ان من يتحدثون عن الفساد يقتصر حديثهم على الفسادين الاقتصادي والسياسي، متناسين، أو ربما غير مدركين، أن هناك أشكالًا وأنواعًا أخرى من الفساد تتعلق بالبيئة الحاضنة له.
إن القضاء على الفساد ومحاربته هو الخطوة الأولى نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة بشكل سليم.
0 تعليق