العلاقة بين التعليم وسوق العمل تشغل الكثير من المعنيين في دول العالم كافة. والقضية الهامة هي مدى الاتساق والتناغم بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل. آخذين في الاعتبار التغيرات المتسارعة في التكنولوجيا وما يتبعها من تغيرات في سوق العمل.اضافة اعلان
وهناك وجهات نظر متناقضة حول هذه العلاقة، في حين يرى أناس ان الاختلاف بينهما طبيعي وان التعليم له اهداف اوسع من مجرد العمل والتشغيل، يرى آخرون عكس ذلك. وفي الاردن يوجد تحد حقيقي للعلاقة بين التعليم وسوق العمل. فيلاحظ ارتفاع البطالة بين المتعلمين، وشكوى اصحاب العمل من خلل في اتساق مهارات ومعارف الطلبة وسوق العمل. وعلى اي حال الشكوى مستمرة من هذه الفجوة بينهما، مع طرح الكثير من التشخيصات ومحدودية الحلول والتطبيقات. وحين ينظر الى المشكلات على انها معقدة وان حلها يتطلب امكانيات كبيرة غير متوفرة، تصبح الشكوى هي الانجاز الأكبر!. وفي جسر الهوة بين سوق العمل والتعليم كما غيرها من التحديات توجد حلول ممكنة وضرورية ولا تتطلب امكانيات او موارد كبيرة، فيمكن حلها بالموارد المتوفرة، شريطة وجود الرغبة الحقيقية في التغيير وربما الابداع ومخالفة الاعراف والتقاليد خاصة في المجال الأكاديمي.
من الانصاف القول انه قد جرى (ويجري) الكثير من المحاولات والاجتهادات لإصلاح النظام التعليمي وتطويره في الاردن. ومن ذلك ما تقوم به الجامعات وخاصة الأردنية، من تطوير برامجها الاكاديمية، وزيادة نصيب المواد ذات الصبغة العملية، ودخول عمليات تطوير التعليم الجامعي الى الغرف الصفية، والتي كانت تقف خارج أبوابها لفترات طويلة (وهذا ما أثلج الصدر حين رؤية ما يجري من عمل داخل الصفوف). وكان الاهتمام يتركز غالبا على قضايا كبرى، ذات أهمية، وبقيت مضامين التعليم في وضعها التقليدي الى حد ما في بعض الكليات والاقسام خاصة غير المهنية منها.
في مستوى التعليم الجامعي يوجد العديد من الاستراتيجيات والمبادرات التي يمكن ان تساعد في جسر الهوة بين التعليم وسوق العمل. آخذين في الاعتبار إشكاليات الإتساق والتغيرات المستمرة في متطلبات سوق العمل المحلي والعاملي، وأن لكل من التعليم وسوق العلم لهما اعتبارات خاصة بهما، وليس بالضرورة أن تتقاطع كليا. وإن الموائمة بين التعليم وسوق العمل، بل أيضا والحياة الشخصية والاجتماعية، ينبغي ان يبدأ مبكرا من سني التنشئة المبكرة وفي التعليم ما قبل المدرسة وفي مراحلها المختلفة. وفي الخواطر التالية تركيز على بعض ما يمكن ان تقوم به الجامعات، واما المراحل ما قبل الجامعة فلها حديث آخر، استكمالا لطروحات سابقة.
التعليم الجامعي من المعرفة الى المهننة: تغيير مسار
يتعلق المقترح هنا بإعادة صياغة غايات واهداف البرامج الاكاديمية التي طبيعتها غير مهنية، بحيث يتم تحويلها من برامج معرفية نظرية الى برامج علمية مهنية تطبيقية، تتحدد فيها شخصيات مهنية واضحة للخريجين. ولنجاح هذا الامر ولإصلاح الادارة العامة في البلد ينبغي ان يتحول النظر الى العاملين من موظفين الى مهنيين، ومن المسار الوظيفي الذي يرتقي فيه الشخص بالتقادم الى مسار مهني يكون الارتقاء فيه بالإنجاز العلمي والمهني الذي يمكن تطويره وقياسه. وإضافة الى ذلك ينبغي اصدار نظم مزاولة للمهن المختلفة المرتبطة بعملية التحول المهني بحيث ان يواكب الاصلاح التعليمي اصلاحا تشريعيا مناسبا وداعما.
ولتوضيح الامر يوجد في الجامعات العديد من التخصصات والتي تعتبر فروعا (معرفية) علمية نظرية في الغالب مثل اللغات، والآداب، علم الاجتماع، علم النفس، التاريخ، ... وغيرها. التخصصات المعرفية تشتمل في الغالب على (الموضوع والمنهج). أما التخصصات التي تعتبر مهنية فهي تتضمن المعرفة، والمنهج، والمهارات، والممارسة والتطبيق، والتنظيم القانوني والضبط الاخلاقي ،والمهني. إن التغيير المقترح كبير وجوهري، ولكنه ممكن وهام، يتطلب إعادة تصميم مكونات الخطط الدراسية لتلك التخصصات التي يمكن مهننتها. وذلك بتصميم فيه توازن بين المكون المعرفي، والمكون المهاري، والتطبيقي، والتنظيمي، والأخلاقي.
والتخصصات النظرية التي لا يمكن او لا توجد رغبة او إمكانية في تغيير طبيعتها، يمكن ان تبقى كما هي، ولكن يتم تطويرها بحيث تكون اقرب للواقع ومتطلباته، وأيضا يمكن الدمج بين التخصصات النظرية، في تخصص عام مشترك فيه مجالات تركيز خاصة. وهذا يفتح المجال للخريجين للعمل في الوظائف التي تتطلب مهارات معرفية وتواصلية عامة، ولا تتطلب مهنا فنية محددة.
بناء شخصيات الطلبة والمهارات العابرة للتخصصات: استثمار متطلبات الجامعات
كما جاء في أكثر من تقرير من التي تم الاطلاع عليها والمذكورة ادناه ما معناه "ولكي يزدهر الناس في عالم الغد، سيحتاجون إلى مجموعة أقوى وأكثر شمولا من المهارات، بما في ذلك المهارات الأساسية؛ المعرفية وما وراء المعرفية. الاجتماعية والعاطفية. والمعرفة، والمهارات المهنية ،والتقنية، والمتخصصة." لذلك فإن المهارات هي عنوان التوجهات نحو الاعداد لمهن الحاضر والمستقبل القريب وربما الابعد. وهذا ما يمكن ملاحظته من مراجعة العديد من المؤتمرات والندوات وكذلك التقارير التي صدرت وتصدر عن جهات ومنظمات عالمية وإقليمية. وتحديدا تقرير مستقبل الوظائف (2023)، للمنتدى الاقتصادي العالمي WEF وتقرير "التعليم والتدريب من أجل سوق عمل سريع التغيير" لمنظمة العمل الدولية، وتقرير "تنوع المهارات في المنطقة العربية: سبيل إلى الازدهار الاقتصادي، 2023-2024)، للإسكوا ، وتقرير معهد المستقبل في أمريكا/كاليفورنيا (2011 لعالم،2020،)، وكذلك استراتيجية بولندا للمهارات (2019). وتكاد تجمع هذه التقارير على أهمية اكساب الشباب والعاملين والاجيال الجديدة العديد من المهارات الفكرية والفنية والاجتماعية والإنسانية لأنها هي من تمكنهم من العمل والتعامل في هذا العالم متسارع التغييرات والطفرات التقانية وما يتبعها من نظم اجتماعية وتغيرات بيئية.
ويمكن تلخيص هذه المهارات في أربع مجالات: أولاها: حل المشكلات: وهذه تتطلب الكثير من المهارات والقدرات الشخصية والاجتماعية. ومن أهم المهارات التي تحتويها: التفكير التحليلي والابتكار حل المشكلات المعقدة التفكير النقدي والتحليل الإبداع والأصالة والمبادرة والاستدلال وحل المشكلات والتفكير الإبداعي ويضاف إلى ذلك القدرات الفكرية والاحصائية والتعامل مع البيانات بمختلف مستوياتها وانواعها. وهذه مهارات يمكن تعلمها وتطويرها. ومن المهارات والقدرات التي يتم التركيز عليها هو تعزيز الابتكار وفتح المجال للتعامل مع المشكلات والتحديات برؤى جديدة وعقل متفتح. وخارج الإطار التقليدي للتفكير والعمل والذي تفرضه البيروقراطية والنظم الإدارية الجامدة. وكما ينسب لأينشتين "لا يمكننا حل مشكلاتنا بنفس مستوى التفكير الذي صنعها". وينصح للمؤسسات في هذا المجال ولتحسين مهارات حل المشكلات وتشجيع العاملين بما يلي "توفير أهداف للموظفين وليس تعليمات." و"تشجيع ثقافة تقدر الأفكار الجديدة والعقول المبدعة". و"إيجاد جو من الثقة والاحترام ليشعر الناس بالحرية لإبداء المبادرة والنقد." وهذه الظروف لا تصنعها إدارات جامدة او خارج نطاق الواقع.
المجال الثاني يتعلق بالذات والشخصية وادارتها. إن التعامل مع التحديات الكبيرة المعقدة والمتجددة تقتضي حلولا آنية وربما اتخاذ قرارات سريعة وكما يقال الابتكار والفشل يسيران جنبا الى جنب وأفضل الابتكارات لا تتحقق من المرة الأولى. لذلك يجب ان تكون شخصيات الشباب قابلة للفعل والتعلم من الأخطاء والاستمرار وكما يقال أيضا أن الفشل هو التوقف عن المحاولة. لذلك فإن تربية الذات الفاعلة امر مهم جدا ولا يمكن ان تنشأ عن نظم تعليمية تقليدية تقييدية جامدة.
ومن اهم المهارات في هذا السياق المرونة وتحمل الضغط والقدرة على التكيف وذلك للحفاظ على عقل إيجابي في حال مواجهة الصعاب والصدمات. ومن المهارات التي اقترحها المنتدى الاقتصادي العالمي كجزء من فئة إدارة الذات هو "التعلم النشط واستراتيجيات التعلم. هذه المهارات ضرورية حيث إن التعلم هو الطريقة الوحيدة لتحسين أدائك. يعني ذلك التكيف السريع مع المواقف الجديدة واكتساب أكبر قدر ممكن من المعلومات. تتضمن هذه المهارة مكونًا ذهنيًا واضحًا حيث من الضروري أن تسامح نفسك عند ارتكاب خطأ وأن تبقى هادئًا حين تكون تحت الضغط مما سيتيح لك التفكير بوضوح. وفي هذا السياق توجد العديد من الأساليب والاستراتيجيات التي يمكن اتباعها لإكساب الشباب مهارات إدارة الذات في هذا العالم المعقد. وغني عن القول فكرة التعلم الذاتي والتعلم عبر الحياة، (ليس هنا مجال ذكرها).
المجال الثالث هو التعامل مع الآخرين: يؤكد تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي وغيره من التقارير والدراسات، على أهمية القيادة والتأثير الاجتماعي في مكان العمل بما في ذلك المهارات الشخصية مثل التعاطف وحل النزاعات والتواصل وصنع القرار. يجب على المؤسسات إعطاء الأولوية لهذه المهارات مع نمو الذكاء الاصطناعي. قد تتضاءل المهام الروتينية لكن مهارات مثل الذكاء العاطفي والتعاون ستصبح ضرورية بشكل متزايد، خاصة في بيئات العمل عن بعد والمختلطة. والتعامل مع الاخرين يضم عناوين مثل: الذكاء الاجتماعي" القدرة على التواصل بعمق وبطريقة مباشرة..." والكفاءة الثقافية "العمل في بيئات ثقافية متنوعة". ويدخل فيها أيضا التعاون الافتراضي والذي يشير إلى القدرة على العمل بشكل منتج وتحفيز المشاركة وإظهار الحضور كعضو في فريق افتراضي، وهنا تأتي مفاهيم المواطنة الرقمية والوعي الرقمي التي أصبحت من مكونات الحياة اليومية الشخصية والاجتماعي للناس.
والمجال الرابع هو (التعامل مع التكنولوجيا): ربما التكنولوجيا متقدمة التسارع هي التي فرضت التغيرات الكبيرة في سوق العمل وما يتبعه من تغيرات في التعليم والإدارة والسياسات. والمطلوب كما يلخصه تقرير معهد المستقبل هو "القدرة على تحويل كميات هائلة من البيانات إلى مفاهيم مجردة وفهم التفكير القائم على البيانات."
ستكون المهارات المتعلقة باستخدام التكنولوجيا والمراقبة والتحكم والتصميم والبرمجة حاسمة عبر الصناعات قريبا. مع استمرار التكنولوجيا في لعب دور متزايد الأهمية في حياتنا ستكون علوم البيانات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي ومهارات التعلم العميق ضرورية للوظائف الناشئة مثل مهندسي البيانات الضخمة ومهندسي التعلم الآلي. من المهم ليس فقط امتلاك مهارات البرمجة ولكن أيضا لفهم كيفية الاستفادة الفعالة من التكنولوجيا لزيادة الكفاءة وخفة الحركة في عملهم.
دور الجامعات في بناء المهارات:
لقد ركز الكثير من التقارير على دور التعليم في سوق العمل المتغير، والادوار التي يمكن ان تقدمها الجامعات. وهنا نشير الى انه يمكن استثمار متطلبات الجامعة في تقديم مواد تغطي القضايا اللازمة العابرة للتخصصات والمجالات، والمهارات اللازمة التي عليها شبه اجماع عالمي والتي تسهم في استعدادية الطلبة للتعامل مع التحديات الحياتية ومتطلباتها. ومتطلبات الجامعة تستغرق حوالي 33 ساعة معتمدة أي ما يقارب سنة دراسية وهذه كافية إذا أحسن التصميم والتنفيذ ان تفي بقدر كبير من المطلوب لإعداد الطلبة لمستقبلهم ومستقبل بلدهم. فلينظر الى ما هو مطلوب لمتطلبات العصر وليس توزيع المتطلبات على اقسام او كليات لأي غرض. وهذا يقتضي وضع تصور واضح لسمات ومكونات الشخصية تتميز بعقل علمي نقدي وابتكاري، وروح المبادرة والقدرة على التعامل والتعايش مع التنوع الإنساني الكبير في الأجناس والأعراق والديانات والأفكار، والقدرة على التكيف مع المتغيرات والتحلي بأنبل السجايا من الأمانة والإخلاص والاتقان، والمشاركة المجتمعية الفاعلية. هذه الشخصية لا تصنعها مواد دراسية فقط، ولكن مواد دراسية، ومهارات، وعمل ميداني ومجتمعي مصاحب وقدوات حية من أساتذة ومسؤولين.
التعليم المرتبط بالشهادات المهنية التقانية:
من التطورات في سوق العمل وخاصة تلك المرتبطة بالتكنولوجيا وتقنين المهارات واستدامتها، ظهور ما يسمى بالشهادات المهنية. وهي تلك الشهادات التي تمنحها جهات اما تعليمية او تصنيعية تمتلك حقوق الملكية الفكرية، لمنتجاتها. وتقوم هذه الشهادات على دراسات معمقة وتطبيق عملي مرتبط بمنتجات او نظم او تخصصات معينة، ثم يتبع ذلك التقدم لامتحانات متوالية وبعد النجاح فيها يحصل الناجح على شهادة في مجاله. وفي سوق العمل أصبح لهذه الشهادات الاهمية الكبرى مقارنة بالشهادات الاكاديمية. وهناك مراتب من الشهادات من يحصل عليها فإن افاق وابواب وخيارات كثيرة تفتح امامه في سوق العمل الدولي وليس فقط المحلي. ومن هذه الشهادات ما يتعلق بالمحاسبة والادارة وتكنولوجيا المعلومات وعلوم البيانات ومعظم مجالات العمل. ولدينا امثلة على طلبة تخرجوا بتقدير مقبول في الجامعة، قد حصلوا على شهادات مهنية متقدمة وهم الآن يشغلون مواقع قيادية في شركات ومؤسسات عالمية في مختلف دول العالم. فالشهادة المهنية كانت مفتاحهم للعالمية. واعرفهم أحدهم من الذين حصلوا على شهادات مهنية فنية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال وإدارة المشاريع في نفس المجال، يدير حاليا مشروع تقاني وذكاء اصطناعي في مجال هام على مستوى دولي، وهو من خريجي الجامعة الأردنية بتقدير مقبول. هناك طلبة لا يجيدون الحفظ، ولكنهم يبدعون في المجالات الفنية المتخصصة.
وإذا كان الامر كذلك فلماذا لا تنشغل الجامعات بإعداد طلبتها للحصول على هذه الشهادات المهنية عوضا عن قضاء الوقت في دراسة مواد ربما قد عفي عليها الزمن؟ وقد يقال ان الحصول على هذه الشهادات هو شأن الطالب، هذا ليس على اطلاقه والمؤسسات التعليمية عليها ان تواكب مستجدات المعرفة والتكنولوجيا حتى ينافس خريجوها في اسواق العمل. وقد يقال ان الشهادات المهنية مكلفة جدا، وهذا صحيح، ولكن كلفتها لها عائد كبير، إضافة الى انه يمكن للجامعات ببذل قليل من الجهد ان تتعاقد مع جهات عالمية في تقديم التعليم والتدريب اللازم للطلبة بأسعار مناسبة جدا. وللجامعة الأردنية تجربة سابقة رائدة في هذا المجال، نشير اليها بإيجار في البند التالي:
تجربة فريدة (سابقة) للجامعة الأردنية:
أذكر انه في الفترة 2001-2003، وقتها كان أ.د. احمد الجابر الموقر، عميدا لكلية تكنولوجيا المعلومات، في بداية عهدها، وكان المرحوم بمشيئة الله تعالى أ.د. محمود العميان عميدا لكلية الإدارة، وجرى في وقتها التباحث مع مؤسستين امريكيتين مبادرتين، وهما Cyberlearning and Phenix International
حيث احداهما مؤسسة غير ربحية والأخرى ربحية، وجرى الاتفاق على إتاحة دورات مهنية متخصصة لطلبة وأساتذة الجامعة الأردنية، وكان كاتب هذه السطور وقتها مديرا لمركز أثير (شبكة التعلم للتنمية العالمية-المرتبط بمشروع تطوير التعليم العالي ومع البنك الدولي ومعهد البنك الدولي). حيث كان حلقة الوصل، وتم في نهاية التفاوض اتاحة 1200 دورة تدريبية، بتكلفة من 20 الى 30 دينار للدورة الواحدة، وشملت تلك الدورات كل ما تطرحه الجامعات والشركات العريقة وقتها (ولا تزال) ومنها سيسكو، مايكروسوفت، هارفرد، ستانفورد، وغيرها. وكان الطالب الذي ينهي الدورة بنجاح يأخذ شهادة بذلك من هذه المؤسسات المتفقة مع الجامعة، ومن يرغب بأخذ الشهادة المهنية عليه تقديم امتحان الجهة صاحبة العلامة التجارية... وكانت تجربة فريدة، ولكن يبدو انها لم تستمر طويلا،
لقد اقتضى الامر جائحة كورونا وصدمتها، حتى يستفيق العالم لما هو قادم، وبسرعة، نحو التعلم الإليكتروني. وعلى كل اعتقد ان مثل هذه المبادرات والشراكات قائمة وممكنة، وحاليا في جميع المجالات بما فيها الإنسانية والاجتماعية المهنية. وهذا تعزيز للتعلم المبنى على الشهادات المهنية، ويعزز التعليم التقليدي، الذي قد لا ينافس في عالم الوظائف المتغيرة حاليا.
إتاحة المجال للتخصصات المزدوجة والفرعية والاستكمالية
في كثير من الجامعات العالمية المرموقة يسمح للطلبة بدراسة تخصصين (إثنين) في نفس الوقت. فالطالب بعد استكمال متطلبات الجامعة الإجبارية والاختيارية يمكن له أن يختار تخصصا رئيسيا آخر إضافة إلى تخصصه الأصلي. كما انه يمكن للطلبة في كثير من الجامعات اختيار تخصص فرعي إضافي. وإتاحة الفرصة للخريجين من حملة البكالوريوس العودة إلى الجامعة ودراسة تخصص آخر، وذلك بإعفائهم من متطلبات الجامعة والمتطلبات التي درسوها سابقا. هذا يسهم في الاستجابة لمتطلبات سوق العمل المتجددة ويسهم في توسيع خيارات الشباب وفتح آفاق جديدة أمامهم، كما يسهم في تعديل وضعية اصحاب التخصصات الراكدة.
إن الجمع بين أكثر من تخصص يساهم في توسيع آفاق الطلبة وفي زيادة فرص توظيفهم والاهم في زيادة احتمالية الإبداع والابتكار لديهم. حيث يتبين من مراجعة الأبحاث العلمية وسير المبدعين، أنهم يجمعون بين أكثر من تخصص معرفي، وقد تحرروا من اسر التخصصات الضيقة، وهذا أيضا ما تشير اليه بعض التقارير التي تمت مراجعتها.
إكساب الخبرة من خلال التدريب والعمل التطوعي
من المعضلات التي تواجه الخريجين هي توفر الخبرة، قد يكون هذا مطلب محق، ولكن كيف لخريج ان يحصل على الخبرة وهو لا يجد مجالا يتدرب فيه. وبإيجاز فإن الجامعات تستطيع ان تقدم الخبرة للطلبة من خلال العمل التطوعي الكافي وليس الرمزي. إن العمل التطوعي الهادف والمنضبط يعطي الشباب فرصا للتدريب على متطلبات الحياة وآليات التعامل مع الواقع الاجتماعي. وفيها ينضجون اجتماعيا ومهنيا. والشخصية المنظمة القادرة على التعامل مع صعاب الحياة ومتطلباتها هي أقدر على التفاعل الايجابي في المجتمع، وأكثر احتمالا للعمل في مختلف الظروف والأحوال، كما تشير الى ذلك التجربة الانسانية.
كما انه ينبغي ان تعمل الجامعات وكافة المؤسسات الوطنية على اتاحة الفرصة لإكتساب الخبرة. أحياننا تتوفر فرص العمل خارج البلد، ولكن متطلب الخبرة يحول دون ذلك. نعلم ان دولاً عربية تؤمن الخبرة لمواطنيها وتذلل لهم سبل الحصول على العمل خارج بلدانها. وفي بلدنا يتم تعقيد الحصول على الفرص بالنظم الإدارية التي تحد من الاجازات والاعارات، وما في هذا من خسارة للبلد واقتصاده.
وأيضا فإن سوق العمل نفسه هو مجال تعليمي تدريبي وهو مصدر للتعليم والتعلم خاصة المؤسسات المتخصصة، والتي لديها فائض معرفي تطبيقي كبير. لذلك فإن لدينا العديد من المؤسسات الوطنية التي بلغت من النضج والخبرة والمعرفة تصلح لأن تكون مصادر للتعلم والتعليم المتخصص وإنتاج المعرفة.
التكامل بين ترسيخ القيم وإكساب المهارات:
في هذا السياق لا بد من التذكير وبإيجاز ان المطلوب من مؤسسات التعليم والتنشئة وخاصة الجامعة ليس فقط التدريب الفني والمهني، ولكن أيضا بناء الشخصية المتكاملة، وترسيخ الأخلاق والقيم السامية، وقيم العمل والأداء. ليس المطلوب انسان فني متمكن فقط، ولكن انسان متكامل الشخصية، يؤدي عمله بإتقان وإخلاص وتفان، وغائية. إن التجارب الإنسانية المعاصرة والحديثة تشير الى ان أعتى وأقصى الازمات المالية العالمية، تعزى أسبابها الى فساد أخلاقي وسلوكي وجشع وما الى ذلك من مساوئ الاخلاق، وما يتبعها من سلوك. ومن الإنصاف التذكير بالمؤتمر الذي نظمته الجامعة الأردنية مع عدد من المؤسسات في الأردن، حول القيم الجامعية، وذلك قبل شهور قليلة. وينبغي ان يكون الاهتمام بالأخلاقيات والقيم بجميع معانيها من اهم مضامين إعداد الشباب للحاضر والمستقبل.
0 تعليق