‏بينما تخوض حرب إسرائيل في جنين، هل يمكن إنقاذ السلطة الفلسطينية؟‏

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
رمزي بارود‏* - (كاونتربنش) 3/1/2025
‏ترسم آخر الأخبار الأخيرة القادمة مما تسمى بعملية "حماية الوطن" التي أطلقتها السلطة الفلسطينية في مخيم جنين للاجئين صورة قاتمة. فقد تسعة فلسطينيين أرواحهم في هذه الحملة المستمرة التي بدأتها "السلطة الفلسطينية" في 5 كانون الأول (ديسمبر)، بمن فيهم ‏‏الصحفية الشابة‏‏ شذى الصباغ.‏اضافة اعلان
ومن المتوقع أن يكون الهجوم الذي تشنه قوات "السلطة"، كما ‏‏ذكرت‏‏ صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قد تلقى ختم موافقة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يبدو راضيًا عن أداء "السلطة الفلسطينية". وفي الأثناء، ‏‏أكدت‏‏ "القناة 14" الإسرائيلية أن إسرائيل أصدرت مهلة واضحة لـ"السلطة" لإنهاء المهمة -أي القضاء فعليًا على ما تبقى من المقاومة في جنين، باسم ‏‏إنهاء‏‏ الفوضى واعتقال الخارجين عن القانون.‏
‏وهي مفارقة أصبحت مألوفة للغاية: الكيان الفلسطيني الذي كان من المفترض أن يمثل إرادة الشعب ويقوده نحو الحرية، أصبح متواطئًا في سحق المقاومة في واحدة من أكثر المناطق تهميشًا وفقرًا في الضفة الغربية -وكل ذلك بينما يقوم بخدمة مصالح إسرائيل. هذا هو جوهر المفارقة الفلسطينية في الضفة الغربية.‏
على مدى سنوات، طالبت "السلطة الفلسطينية" الشعب الفلسطيني بالطاعة المطلقة باسم إعداد فلسطين للسيادة ‏‏وإقامة الدولة‏‏. ومع ذلك، تراجع هذا التعهد أكثر فأكثر مع مرور السنين. وبدلاً من تحقيق ذلك، أصبحت "السلطة" متواطئة في توسيع سيطرة إسرائيل على الأراضي وتآكل الحقوق الفلسطينية. وقد يكون هذا استنتاجًا يصعب استيعابه، لكن قتل الفلسطينيين الأبرياء في جنين على أيدي قوات الأمن الفلسطينية، بينما تقوم إسرائيل ومستوطنوها بقمع الفلسطينيين في أماكن أخرى من الضفة الغربية، يجب أن يكون كل الدليل اللازم لدعم الادعاء أعلاه.‏
بالإضافة إلى ذلك، لم تفعل استراتيجية "السلطة الفلسطينية" المتمثلة في استرضاء إسرائيل من خلال "‏‏التنسيق الأمني‏‏" شيئًا يذكر لعرقلة الاستيلاء الإسرائيلي المنهجي على الأراضي واستمرار بناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية. بل على العكس من ذلك، كان هذا "التنسيق" سببًا لتشجيع إسرائيل ومستوطنيها غير المنضبطين والفالتين من أي عقال.‏
‏ولعل الأكثر شؤمًا هو حقيقة أن "السلطة الفلسطينية" أصبحت في كثير من الأحيان ‏‏مشاركًا نشطًا‏‏ في القمع الإسرائيلي للفلسطينيين، كما هو الحال في جنين اليوم. في دورها كمنفذ للسياسات الإسرائيلية، أصبحت "السلطة الفلسطينية" أداة للاحتلال الإسرائيلي، مكلّفة بقمع المعارضة السياسية وإسكات المنتقدين.‏
‏تشكل العملية الأخيرة الجارية في جنين تجسيدًا واضحًا للكيفية التي تستخدم بها إسرائيل السلطة الفلسطينية للقيام بعملها القذر. لطالما كان مخيم جنين للاجئين، ‏‏الذي تبلغ مساحته‏‏ أقل من نصف كيلومتر مربع، رمزًا للمقاومة الفلسطينية. ووفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، ‏‏داهمت‏‏ إسرائيل جنين 80 مرة في العام الماضي وحده، وأسفرت هجماتها عن مقتل أكثر من 220 فلسطينيًا وإصابة مئات آخرين. ومع ذلك، ظلت جنين صامدة لا تركع. ولا شك في أن رؤية السلطة الفلسطينية تعمل الآن بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي لكسر إرادة سكان جنين البالغ عددهم 23.000 نسمة هو حقيقة مؤلمة للغاية بالنسبة لمعظم الفلسطينيين.‏
‏لعل ما يزيد هذه الأزمة تعقيدًا هو صمت العديد من المثقفين الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو في الشتات، الذين فشلوا في مواجهة السلطة الفلسطينية بالقوة نفسها التي ينتقدون بها الاحتلال الإسرائيلي. ولكن، لماذا ظل هذا العدد الكبير من الأصوات البارزة والمثقفين والمحللين السياسيين صامتين بشأن قضية خيانة "السلطة الفلسطينية" للنضال الفلسطيني؟‏
‏تكمن الإجابة في مزيج معقد من الخوف والبراغماتية السياسية والجمود التاريخي. على مدى عقود، أبقت السلطة الفلسطينية على قبضتها الخانقة على المشهد السياسي للحياة الفلسطينية. وهي تسيطر على مقاليد السلطة، وأي شخص يجرؤ على تحدي سلطتها يواجه خطر إسكاته، من خلال الاعتقال أو السجن -أو حتى ‏‏التعذيب‏‏. ويدرك المثقفون الفلسطينيون، خاصة أولئك منهم الذين يعيشون في الضفة الغربية- تمامًا هذا الواقع.‏
‏بالإضافة إلى ذلك، ثمة شعور عميق بالشلل داخل مجتمع المثقفين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، في ما يرجع -في جزء منه- إلى فشل قيادتهم في مواجهة إسرائيل أمام الإبادة الجماعية المستمرة في غزة. لكنّ هناك ما هو أكثر من هذا الشلل المستمر.‏
لسنوات، أطّرت "السلطة الفلسطينية" نفسها على أنها "الممثل الشرعي الوحيد" للشعب الفلسطيني. وعادة ما لا يرغب العديد من المثقفين الذين ينتقدون الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة "السلطة الفلسطينية" خوفًا من التشجيع على المزيد من تشرذم الفلسطينيين. وهناك اعتقاد راسخ بين البعض بأن المواجهة العلنية مع "السلطة" ستؤدي إلى مزيد من الانقسام، الأمر الذي يمكن أن يصب في مصلحة إسرائيل.‏
‏لكن هذه البراغماتية السياسية تأتي بتكلفة باهظة. ففي حين يتردد العديد من المثقفين الفلسطينيين في انتقاد "السلطة"، فإنهم يضطرون بذلك إلى الوقوف في موقف التواطؤ مع أفعالها. لم تعد خيانة "السلطة" للقضية الفلسطينية موضع نقاش -إنها حقيقة. ومع ذلك، من خلال الفشل في مواجهة هذه الخيانة وجهًا لوجه، يخاطر المثقفون والنشطاء على حد سواء بفقدان مصداقيتهم الأخلاقية.‏
‏في مواجهة حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل في غزة وحملات القمع العنيفة غير المسبوقة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، تكشفت خيانة "السلطة الفلسطينية" ليراها الجميع. وكشف استعدادها للمساعدة في إخضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية، بينما تتظاهر بتمثيلهم، عن طبيعة المؤسسة بشكل لم يسبق له مثيل.‏
‏ولكن، هل يمكن إنقاذ "السلطة الفلسطينية"؟ قد لا يكون الجواب مهمًا حقًا. إن ما يهم حقًا هو ما إذا كان الشعب الفلسطيني، بإرادته ومقاومته الجماعية، يستطيع أن يحرر نفسه من الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي والفساد الأخلاقي لقيادته المعلنة ذاتيًا. وسوف تكون أحداث الأسابيع والأشهر المقبلة حاسمة.‏

‏*رمزي بارود Ramzy Baroud: صحفي ومحرر صحيفة "بالستاين كرونيكل". وهو مؤلف لخمسة كتب. آخرها هو "‏‏هذي السلاسل سوف تكسر‏‏: قصص فلسطينية عن النضال والتحدي في السجون الإسرائيلية" These Chains Will Be Broken: Palestinian Stories of Struggle and Defiance in Israeli Prisons (كلاريتي برس، أتلانتا). وهو زميل باحث أول غير مقيم في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA) بجامعة زعيم اسطنبول (IZU). 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Fighting Israel’s War in Jenin: Can the Palestinian Authority Be Saved?

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق