كل شيء يتضاءل أمام هذه الكارثة، وهي من صنع أيدينا

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في القدس، يعيش مليون شخص، من بينهم مئات الآلاف من الأطفال، وحوالي 15 ألف امرأة حامل، وما لا يقل عن مائة ألف مسن، معاقون، مصابون بأمراض مزمنة، مرضى سرطان، مرضى سكري وآخرون يعانون من مشاكل نفسية، تمامًا كما هو الحال في أي مدينة كبيرة في العالم. الآن، تخيلوا أن يتم إخراج جميع سكان القدس من منازلهم ووضعهم في خيام على شاطئ البحر. الآن أضيفوا إلى مدينة الخيام الهائلة هذه جميع سكان تل أبيب وحيفا.اضافة اعلان
هذا هو حجم مدينة الخيام التي أقامتها إسرائيل في جنوب قطاع غزة في منطقة المواصي، خان يونس ورفح. أضيفوا إلى ذلك أن العديد منهم يعيشون في هذه الخيام منذ عام كامل، من دون تغذية كافية، من دون كهرباء، من دون مياه نظيفة، من دون نظام صرف صحي ملائم، من دون خصوصية، ومن دون جدار يستندون إليه.
آلاف منهم يعانون من إصابات وبتر أطراف نتيجة القصف، والكثيرون يعانون من أمراض جلدية وأمراض معدية، والجميع تقريبًا يعانون من صدمة نفسية؛ اضطراب ما بعد الصدمة أو فقدان عزيز. والعديد منهم يعانون من كل هذه الأمور معًا. والآن، أضيفوا إلى ذلك فصل الشتاء. التغيرات المناخية في منطقتنا تتكون من عواصف مطرية قوية على طول الساحل، بما في ذلك منطقة المواصي.
تدعي إسرائيل أنها تعمل وفقًا لقوانين الحرب، وبالتحديد "قوانين النزاع المسلح"، التي تسمح للجيش بإجلاء السكان المدنيين من مناطق القتال لمنع تعرضهم للأذى. ولكن، وفقًا للقانون الدولي يمكن القيام بالإجلاء فقط بشرط أن تتوفر في المكان الذي يتم توجيه السكان إليه شروط البقاء. وفي جنوب قطاع غزة، لا تتوفر هذه الشروط.
وفقًا لموقع مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (كوغات)، وهو الجهة المسؤولة عن الوضع الإنساني في غزة نيابة عن الحكومة الإسرائيلية، دخلت جنوب القطاع في شهر كانون الأول (ديسمبر) 3.043 شاحنة مساعدات. وهذا كل شيء. كل السكان البالغ عددهم نحو 1.7 مليون شخص الذين يعيشون هناك يتعين عليهم تقاسم الغذاء، والأدوية، والمعدات التي دخلت في حوالي مائة شاحنة يوميًا.
ثمة شعو بأنهم، حتى بعد عام وثلاثة أشهر من الحرب، في الحكومة وفي مكتب "منسق أعمال الحكومة في المناطق" لا يفهمون -أو لا يريدون أن يفهموا- حجم التحدي الذي يشكله توفير شروط البقاء لـ1.7 مليون نازح. في مكتب منسق الأعمال يحبون إجراء الحسابات وإظهار أن هناك كمية كافية من الغذاء تدخل. والأرقام التي يقدمونها محل خلاف، لكنّ الأرقام ليست كل شيء. إن عبور شاحنة غذاء حدود القطاع لا يعني بالضرورة أنها ستصل إلى من يحتاج الغذاء. العديد من الشاحنات تُنهب في الطريق على يد مسلحين، والذين، وفقاً للعديد من المصادر الدولية، يتلقون الدعم بتواطؤ خفي أو بفعل مباشر من الجيش الإسرائيلي.
وحتى إذا نجت الشاحنات من السارقين، كيف يمكن ضمان وصول الغذاء إلى من يحتاجه؟ كيف يمكن التأكد من أن الأطفال من العائلات غير القادرة على العمل في وظائفها، أو المسنين، أو الأيتام، أو ذوي الإعاقة يحصلون على حصتهم؟ وهل الغذاء هو كل ما يحتاجونه؟
انظروا حولكم -ماذا عن مأوى مناسب يصمد أمام المطر والبرد؟ ماذا عن ملابس مناسبة؟ ماذا عن أدوات للطهي؟ ماذا عن أدوات لكتابة السجلات الطبية؟ ماذا عن الفوط الصحية؟ الحفاضات؟ ماذا عن شبكات الصرف الصحي والمياه والإضاءة ووسائل الحماية من ارتفاع مستوى البحر، والآلاف من الأدوات التي يحتاجها البشر، وخاصة النازحين، للبقاء على قيد الحياة في الشتاء وفي الحرب؟
لذلك، هناك حاجة إلى عملية ضخمة، بطاقم عمل، وقوات أمن مدنية، وإدخال كميات أكبر بكثير من المعدات والمواد الغذائية. لقد مضى عام على طلب المجتمع الدولي من إسرائيل تفسير رؤيتها لمستقبل القطاع، لكن الحكومة الإسرائيلية ترفض حتى مناقشة الأمر. ولذلك، لا توجد سلطة في القطاع يمكنها توفير كل هذا.
في الوقت نفسه، تزعم منظمات دولية أن أفضل طريقة لحل جزء على الأقل من المشكلة هي السماح للتجار من القطاع الخاص بإدخال البضائع إلى القطاع، كما حدث خلال الصيف. لكن الجيش الإسرائيلي يرفض حتى هذه الخطوة بحجة أن "حماس" تفرض ضرائب على التجار الخاصين.
وهكذا، من دون إدارة، وبالاعتماد على منظمات دولية تعمل في ظروف مستحيلة، تقود الحكومة جموع النازحين في غزة إلى خطر الموت من البرد، والجوع، والأمراض، والإصابات، والانتحار، والعنف الداخلي، والانهيار الاجتماعي. وهذه الكارثة لا تنتظر الحدوث؛ إنها تحدث بالفعل. وحتى لحظة كتابة هذه السطور، تم إحصاء خمسة أطفال تجمدوا حتى الموت في غزة. ودماؤهم على أيدينا.
مع ذلك، ثمة العديد من الإسرائيليين الذين لا ينزعجون من ذلك مطلقًا، بل إن البعض منهم يفرح بموت أطفال غزة. ابحثوا عنهم على شبكات التواصل الاجتماعي. بفضل التحريض الحكومي، وبفضل "القناة 14"، وبرعاية وسائل إعلام تخون دورها في نقل الحقيقة حول ما يحدث في القطاع، يبدو أن غريزة الانتقام لن تشبع حتى يُقتل آخر سكان غزة.
هنا يجب أن تأتي التحذيرات إلى الجمهور الإسرائيلي -من تآكل الصمود الأخلاقي للدولة، ومن المخاطر الأمنية بسبب حظر الأسلحة والمقاطعة الأكاديمية والتجارية، وبسبب حقيقة أن رئيس حكومتنا، وفقًا للقانون الدولي، هو مجرم حرب هارب. ويمكن أيضًا الإشارة إلى قوائم جنود الجيش الإسرائيلي التي تتداولها المنظمات في محاولات لاعتقالهم في أي مطار.
لكن كل هذه الكوارث، التي قد تقع أو لا تقع على رؤوسنا، ليست ذات أهمية حاليًا. إنها ضئيلة جدًا بالمقارنة مع الكارثة التي نحن مسؤولون عنها، والتي تحدث الآن، هنا، بين خان يونس والمواصي.

*نير حسون: صحفي إسرائيلي يكتب لصحيفة "هآرتس".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق