تنظر كل من تركيا وإسرائيل إلى سوريا بالمزيد من الاهتمام، نتنياهو مثل أردوغان، كلاهما ينظر إلى الفرص هناك. قال «نتنياهو» عن سقوط «الأسد»: «لقد حدث شىء تكتونى هنا، زلزال لم يحدث منذ مائة عام منذ اتفاقية سايكس بيكو».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية البريطانية الفرنسية لعام ١٩١٦، التى قسمت الإمبراطورية العثمانية، تبدو ذات أهمية كبيرة، ومع الاضطرابات التى تعيشها منطقة الشرق الأوسط، يظهر أن «نتنياهو» يبحث عن فرصة لإعادة رسم حدود المنطقة.
فيما قال أردوغان: «لم يتبق سوى اثنين منا بين القادة. الآن، أنا وفلاديمير بوتين». كان ذلك هو التقييم المثير للجدل للرئيس التركى رجب طيب أردوغان، بعد سقوط سوريا.
على المستوى الإقليمى، يبدو أن «نتنياهو» و«أردوغان» يتنافسان على إعادة تشكيل الشرق الأوسط. ثقة «نتنياهو» تنبع من العمليات الإسرائيلية التى استهدفت وكلاء إيران ما تسبب فى إضعافها، وثقة «أردوغان» تنبع من دوره فى سوريا. فتركيا هى القوة الإقليمية الوحيدة التى قدمت دعمها الكامل لـ«هيئة تحرير الشام»، الجماعة الإسلامية التى أطاحت بنظام بشار الأسد.
«نتنياهو» وضع إيران طوال العقد الماضى هدفًا لحياته، ووضع القضاء على «محور إيران»، قبل أى شىء، هدفه الأكبر فى الشرق الأوسط. والحقيقة أن «نتنياهو» تحرك أيضًا فى سوريا، وها هو يراهن الآن أن تمنح إدارة «ترامب» إسرائيل الضوء الأخضر لضم أجزاء من الضفة الغربية رسميًا. و«الاحتلال المؤقت» للأراضى السورية قد يصبح دائمًا، وفى الفضاء الأوسع، سيجد «نتنياهو» فرصة لإجراء حساب نهائى مع إيران.
بينما سعى «أردوغان» إلى إعادة بناء القوة التركية فى أراضى الإمبراطورية العثمانية القديمة. بالنسبة له، فإن الإطاحة بـ«الأسد» تفتح طريقًا جديدًا للنفوذ الإقليمى، وهذا له أيضًا فائدة محلية محتملة: إضعاف الأكراد فى سوريا، وتخفيف مشكلة اللاجئين فى تركيا، ومساعدة جهوده للبقاء رئيسًا بعد عام ٢٠٢٨.
كلاهما يريد أن يسجل اسمه كلاعب فى الشرق الأوسط الجديد، كلاهما وصل إلى السلطة منذ عقود مضت، ويعتبر نفسه زعيم مصير.
كما أن الطموحات السياسية للاثنين تعانى من نقاط ضعف مماثلة. إسرائيل وتركيا قوتان غير عربيتين فى منطقة ذات أغلبية عربية. لا توجد شهية فى العالم العربى لـ«إمبراطورية عثمانية» متجددة. وتظل النظرة إلى إسرائيل كقوة أجنبية فى الشرق الأوسط. كما أن قاعدة تركيا وإسرائيل الاقتصادية ضعيفة للغاية، بحيث لا يمكنهما أن تطمحا حقًا إلى السيطرة الإقليمية، على الرغم من قوتهما التكنولوجية والعسكرية.
أما عن وضع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، فتوجد فى سوريا مصالح مشتركة للدولتين، القصف الإسرائيلى على المحور المؤيد لإيران أضعف النظام فى دمشق، ما أسهم فى انتصار الجماعات التى دعمتها تركيا.
أدى هذا الانتصار فى النهاية إلى إسقاط «الأسد»، وهو ما استغلته إسرائيل لتزيل تهديدات فى الشمال ولتضرب حلفاء طهران. لكن رغم المصلحة المشتركة، إسرائيل وتركيا بعيدتان عن استغلال تلك المصلحة المشتركة، وبعيدتان عن التعاون، وتوجدان فى واحدة من الأزمات الحادة فى تاريخ علاقاتهما، بسبب الرد التركى على الحرب فى غزة. بل من الممكن أن تتصادم بسهولة الطموحات المتنافسة لـ«أردوغان» و«نتنياهو» فى سوريا.
وحتى إذا توصل زعماء الدولتين إلى ترتيب إقليمى ما، فإن الشرخ بين «نتنياهو» و«أردوغان» عميق لدرجة أنه سيكون صعبًا جسره. «أردوغان» يعادى إسرائيل علنًا ويتهمها بتنفيذ جرائم حرب، وفى إسرائيل يرون أن تركيا هى «العثمانيون القادمون».
0 تعليق