“طوفان الأقصى” يعمق الانقسامات داخل الجيش والمخابرات الإسرائيلية

السبيل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

السبيل – خاص
لم يكن فشل الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر مجرد إخفاق عسكري عابر، بل كشف عن أزمة أعمق داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية، انعكست في خلافات حادة بين قادة الجيش والاستخبارات.

وتصاعدت هذه الخلافات إلى العلن خلال اجتماع مغلق في قاعدة بلماخيم، حيث شن قائد وحدة 8200 الاستخباراتية، العميد يوسي شريئيل، هجوماً غير مسبوق على رئيس الأركان هرتسي هليفي، متهماً القيادة العسكرية بالتقصير والتجاهل المتعمد لمؤشرات التحذير التي سبقت الهجوم.

ويعكس هذا المشهد حالة التخبط التي يعيشها الاحتلال منذ تنفيذ كتائب القسام وكتائب المقاومة الأخرى لهجوم “طوفان الأقصى”، الذي دمر فرقة غزة وألحق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي. وبينما تواصل المقاومة عملياتها النوعية في القطاع، يتفاقم الانقسام داخل الصف القيادي للاحتلال، مما يشير إلى أزمة هيكلية تمتد من القيادات الميدانية وصولاً إلى أعلى مستويات صنع القرار.

وشهد اجتماع القيادة العسكرية تراشقاً بالاتهامات بين مسؤولي الجيش والمخابرات، حيث ألقى شريئيل باللوم على هيئة الأركان، معتبراً أن الفشل لم يكن مجرد خطأ استخباراتي، بل نتيجة لثقافة عسكرية مترهلة ترفض التعلم من أخطائها.

وأكد أن قادة الجيش لم يجتمعوا يوماً واحداً لمناقشة كيف وقع هذا الإخفاق، وهو ما يعكس حجم العجز المؤسسي داخل جيش الاحتلال.

كلمات شريئيل تعكس جوهر الأزمة، فبحسبه لم تكن هناك أي مراجعة حقيقية منذ الهجوم، ولم يجلس القادة العسكريون مع مسؤولي الاستخبارات لتحليل أسباب الفشل.

وبدلاً من تحمل المسؤولية؛ دخلت القيادات في صراع داخلي لتبرئة أنفسهم، في مشهد يذكر بالخلافات التي عصفت بالجيش عقب هزيمة 2006 في لبنان.

ولم يكن هذا الهجوم الأول من نوعه، فقد شهدت الأشهر الماضية تزايد الأصوات المنتقدة داخل الأوساط العسكرية والإعلامية، وسط دعوات لاستقالات وإقالات واسعة في المستويات العليا. كما أن القيادة السياسية، برئاسة بنيامين نتنياهو، تحاول التهرب من المسؤولية، مما يزيد من تعقيد الأزمة، حيث يسعى كل طرف لإلقاء اللوم على الآخر في محاولة لتجنب المحاسبة.

وتعكس هذه الأزمة الداخلية مدى تأثير ضربة “طوفان الأقصى”، التي لم تقتصر على الجانب الميداني، بل امتدت إلى بنية القرار العسكري والاستخباراتي، حيث لم تعد المؤسسة العسكرية قادرة على إخفاء إخفاقاتها المتتالية أمام الرأي العام الإسرائيلي، الذي بات يدرك أن حكومته وجيشه لم يعودوا قادرين على حمايته.

كيف استفادت المقاومة من هذا الإخفاق؟

في مقابل هذا التآكل الداخلي في الجيش؛ تستمر المقاومة الفلسطينية في استثمار نتائج الهجوم لترسيخ معادلات جديدة. فمع استمرار حالة الإرباك داخل قيادة الاحتلال، ازدادت قدرة المقاومة على تنفيذ عمليات نوعية، مستغلة الفوضى التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي وانعدام الثقة بين قياداته.

أ- تعزيز العمليات الميدانية:
بفضل الضربة الاستراتيجية التي تعرض لها الاحتلال في 7 أكتوبر؛ وجدت المقاومة الفرصة لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية. فبالإضافة إلى استمرار القتال داخل غزة، تصاعدت العمليات في الضفة الغربية، حيث تزايدت هجمات المقاومة على الحواجز العسكرية والمستوطنات، مما أجبر الاحتلال على توزيع قواته بين عدة جبهات، وهو ما زاد من استنزافه العسكري.

ب- إرباك الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية:
قبل 7 أكتوبر، كانت قيادة الاحتلال تعتمد على مفهوم “الردع”، وهو ما بدا واضحاً في خطاب قادة الجيش الذين اعتقدوا أن المقاومة لن تجرؤ على تنفيذ هجوم واسع. لكن بعدما تمكنت المقاومة من اختراق أكثر الأنظمة الأمنية تحصيناً، أصبح مفهوم الردع الإسرائيلي موضع شك حتى داخل الدوائر العسكرية. واليوم، يتحدث مسؤولو الاحتلال عن “ضرورة استعادة الردع”، في إشارة واضحة إلى أن ما كان قائماً قبل 7 أكتوبر قد انتهى.

ج- استغلال الانقسام السياسي والعسكري:
الانقسامات الداخلية في الجيش والمخابرات، إلى جانب تصاعد الخلافات بين المؤسسة العسكرية والحكومة، تمنح المقاومة هامشاً أوسع للتحرك. فكلما زادت حالة التوتر داخل الاحتلال، كان ذلك في مصلحة المقاومة التي تتابع هذه الخلافات بدقة، وتوظفها لصالحها في معركة الاستنزاف طويلة الأمد.

وختاما؛ مع استمرار هذا الانقسام الداخلي في قيادة الاحتلال؛ تزداد احتمالات انهيار ثقة الجنود والضباط في قرارات قادتهم، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على أدائهم في الميدان. وبينما تحاول القيادة العسكرية الإسرائيلية التغطية على إخفاقاتها بالتصعيد العسكري، فإن المقاومة تدرك أن المعركة لم تعد فقط في ساحة القتال، بل امتدت إلى قلب المنظومة العسكرية الإسرائيلية التي تواجه واحدة من أسوأ أزماتها في تاريخها.

وفي ظل هذا المشهد؛ تبدو المقاومة في موقع أقوى، حيث تستفيد من تصدع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لتعزيز موقعها في المواجهة المستمرة. أما جيش الاحتلال، فيجد نفسه أمام معركة مزدوجة: واحدة في غزة حيث لم يحقق أي إنجاز ملموس، وأخرى داخل أروقته حيث يتزايد الشقاق بين قادته، مما يجعله أضعف من أي وقت مضى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق