السبيل – خاص
في أعقاب حرب دامية استمرت 15 شهراً، أسفرت عن دمار هائل في قطاع غزة؛ تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد جهود دولية مكثفة، كان أبرزها وساطة قطرية.
لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون: هل من الممكن أن تستأنف الحرب بعد هذا الاتفاق؟ للإجابة على هذا السؤال؛ يجب النظر إلى عدة عوامل سياسية وعسكرية، بالإضافة إلى التحديات الداخلية والخارجية التي قد تؤثر في استقرار وقف إطلاق النار.
الظروف التي قد تؤدي إلى استئناف الحرب
على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، يظل الاستقرار هشًا في غزة، حيث تاريخه مليء باتفاقات انهارت بسبب تصعيدات متبادلة أو تدخلات خارجية. فالتهدئة لا تعني بالضرورة نهاية الصراع، بل هي لحظة مؤقتة قد تتغير بناء على عوامل سياسية وعسكرية قد تؤدي إلى استئناف الحرب في أي لحظة.
1- غموض الأفق السياسي:
رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، يبقى الأفق السياسي غامضًا في غزة. فالصراع ليس مجرد قتال عسكري، بل هو نزاع معقد على الأرض والموارد والسيادة.
2- الاستفزازات العسكرية:
بينما يلتزم الطرفان بالهدنة، قد تندلع مناوشات محدودة من كلا الجانبين، مما يؤدي إلى تصعيد مفاجئ. في كل مرة تشهد فيها غزة تصعيدًا عسكريًا، سواء من خلال غارات جوية إسرائيلية أو عمليات إطلاق صواريخ من غزة، تزداد التوترات التي قد تؤدي إلى انهيار الاتفاق.
3- مواقف الاحتلال الإسرائيلي:
“إسرائيل” التي ترفض منذ سنوات التوصل إلى حل سياسي طويل الأمد مع المقاومة الفلسطينية، قد ترى في اتفاق وقف إطلاق النار فرصة لإعادة ترتيب أوراقها العسكرية والاستراتيجية لتخوض الحرب من جديد بذريعة وجود تهديدات لـ”أمنها القومي”.
وتعد سياسة الاحتلال المتمثلة في منع بناء قوات مسلحة فلسطينية قوية في غزة، أحد الأسباب التي قد تدفع إلى استئناف العمليات العسكرية.
4- استمرار الحصار على غزة:
في سياق الحديث عن استئناف الحرب؛ لا يمكن تجاهل تأثير الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. فإغلاق المعابر وفرض قيود صارمة على دخول المواد الإنسانية والإعمارية، بالإضافة إلى استمرار السياسات الاقتصادية القاسية، قد يؤدي إلى حالة من الإحباط في أوساط سكان القطاع، مما يساهم في تحفيز المقاومة الفلسطينية على العودة إلى القتال.
مرجحات عدم استئناف الحرب
رغم التوترات المستمرة في غزة والتهديدات المتكررة؛ هناك عدة عوامل قد تساهم في عدم استئناف الحرب في المدى القريب، وامتداد هذه الهدنة إلى عدة سنوات، أبرزها:
1- الضغط الدولي لتجنب التصعيد:
يتجنب المجتمع الدولي، وخاصة القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والأمم المتحدة، تصعيد الحرب مجددًا نظرًا للتكلفة الإنسانية الباهظة التي خلفتها الحرب الأخيرة. وقد يساهم هذا الضغط الدولي في تجنب تكرار السيناريوهات المدمرة، مما يتيح فترة من الهدوء النسبي.
2- القيود العسكرية والإستراتيجية:
قد القوات الإسرائيلية أن التصعيد الشامل سيكون مكلفًا جدًا على المدى الطويل، سواء من حيث الخسائر العسكرية أو السياسية. وفي مقابل ذلك؛ قد تركز استراتيجيات الاحتلال على استهداف شبكات المقاومة بشكل دقيق، مما يقلل الحاجة إلى حرب شاملة قد تضر بمصالحه.
3- التركيز على إعادة الإعمار والتمويل الدولي:
بعد الدمار الواسع في غزة؛ يسعى المجتمع الدولي إلى إيجاد سبل لتمويل إعادة الإعمار، واستئناف الحرب قد يعرض هذه الجهود للتعطيل الكامل، وهو ما سيزيد من الضغط على الدول المانحة لمنع التصعيد العسكري.
4- التأثير الاقتصادي على الاحتلال:
سيفاقم استمرار الحرب الضغوط الاقتصادية على الاحتلال، مما يزيد من معارضة قطاعات واسعة من الإسرائيليين للذهاب إلى حرب جديدة. وبالتالي من المرجح أن تكون الحكومة الإسرائيلية حريصة على تجنب تصعيد قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية.
ماذا على المقاومة فعله إزاء احتمالية استئناف الحرب؟
في ظل احتمالية استئناف الحرب في المستقبل؛ على المقاومة الفلسطينية أن تتخذ خطوات استباقية واستراتيجية تضمن استعدادها لمواجهة أي تصعيد محتمل. ومن أبرز ما يجب أن تركز عليه المقاومة:
1- تعزيز الجبهة الداخلية، من خلال العمل على توعية الشعب الفلسطيني حول أهمية الصمود والتكاتف في مواجهة التحديات، مع تعزيز القدرات اللوجستية والخدماتية لضمان استمرارية الحياة في ظل الحصار والعدوان المحتمل.
2- تكثيف الجهود لتطوير القدرات العسكرية والصاروخية، وتوسيع شبكات الأنفاق، مع تحسين أساليب الدفاع والهجوم لمواجهة التقدم التكنولوجي الإسرائيلي.
3- الاستعداد الإعلامي والدبلوماسي، عبر تفعيل الجهود لتوضيح وجهة نظر المقاومة على الساحة الدولية، وكشف جرائم الاحتلال، وكسب دعم الشعوب والحكومات.
4- تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية، من خلال توثيق العلاقات مع الدول والجهات الداعمة للقضية الفلسطينية، بما يعزز من صمود المقاومة ويوفر لها دعمًا سياسيًا وماديًا.
5- التركيز على إدارة الموارد المحدودة بكفاءة لضمان استعداد دائم وطويل الأمد في مواجهة أي استئناف محتمل للصراع.
6- تعزيز العمل الاستخباراتي لجمع المعلومات حول نوايا الاحتلال وتحركاته، لتجنب أي مفاجآت عسكرية أو سياسية.
بهذه الإجراءات؛ يمكن للمقاومة الفلسطينية أن توازن بين الاستعداد لهدنة طويلة الأمد، وبين الحفاظ على جاهزيتها لمواجهة أي عدوان جديد.
0 تعليق