لبنان في طريق العودة

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لبنان الذي طحنته الحروب على مدى خمسين عاماً ويعاني من وضع اقتصادي خانق يتنفس الصعداء مع انتخاب جوزيف عون رئيساً له بعد فراغ منصب الرئاسة لمدة عامين. ولم يتوقع أكثر المتفائلين أن تزول الغمامة عن هذا البلد الذي كان - ومازال - ساحة مفتوحة لتدخلات إقليمية ودولية. ولولا تحجيم قدرات (حزب الله) العسكرية مؤخراً والذي كان المتحكم الفعلي في القرار اللبناني ولولا سقوط نظام الأسد كذلك الذي شكل فريقاً مع (حزب الله) ضد القوى والطوائف اللبنانية الأخرى وساهم في شلل الدولة اللبنانية لسنوات لما تحققت الانفراجة الأخيرة في مسلسل الصراعات السياسية في لبنان.

والمعلوم أن المملكة العربية السعودية لعبت دوراً دبلوماسياً محورياً في الوصول إلى التوافق الأخير بين القوى اللبنانية حول الرئيس عون وكذلك رئيس الوزراء الجديد نواف سلام. فالسعودية حاضرة منذ عقود في المشهد السياسي اللبناني ولها نفوذها وثقلها ودائماً ما يعول عليها في الدعم الاقتصادي للدولة الصغيرة التي تعد ثالث أصغر الدول العربية بعد البحرين وجزر القمر. ودور السعودية في لبنان ما هو إلا امتداد لدورها الحاضن والمؤثر الذي لعبته خلال اتفاق الطائف الشهير في ١٩٨٩ والذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية آنذاك.

وعلى الرغم من توتر العلاقات السعودية اللبنانية لفترة قاربت ٨ سنوات بعدما اعتبرت السعودية لبنان بلداً "ضائعاً" ومختطفاً من قبل إيران عن طريق (حزب الله) إلا أنها سارعت في الدعوة لقمة عربية وإسلامية لبحث الحرب الأخيرة في لبنان وغزة ووفرت المساعدات للنازحين اللبنانيين خلال الحرب. وما أن توقفت نيران المدافع في نوفمبر الماضي حتى أقامت جسراً جوياً لإغاثة اللبنانيين. فالسعودية وبحكم حجمها ومكانتها في العالمين العربي والإسلامي وإن غابت عن لبنان سياسياً تأبى أن تتخلى عنه في محنته. وليس ذلك فحسب، فإن وجودها في الساحة اللبنانية يعد ضرورة قصوى تتطلبها المرحلة الحالية فأحد أهم دروس الماضي هو أن لا تترك الدول القريبة التي تعاني من عدم الاستقرار ليعبث بها الآخرون مثل ما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي، فالحالة اللبنانية بعد القصف المدمر الذي فتفت (حزب الله) أكبر من أن تترك دون حضور سعودي قوي.

فرنسا كذلك والتي أسست لبنان ليكون موطناً للمسيحيين بعد الحرب العالمية الأولى، سارعت لتعزيز نفوذها وإعادة ارتباطها به بعد أن فشلت لسنوات من تغير الواقع اللبناني على الرغم من علاقتها الطيبة بحزب الله وغيره من قوى لبنانية، فزار رئيسها ماكرون لبنان هذا الأسبوع وتجول في شوارع بيروت يتذوق الفطاير اللبنانية ويعلن من مقر السفير الفرنسي في لبنان عودة رحلات الطيران الفرنسية مطلع فبراير وذلك تأكيداً على رجوع الأمن للبنان ودعماً من بلاده لجهود عودة الحياة الطبيعية في الدولة الصغيرة.

على أي حال، وبعيداً عن مسألة النفوذ وتأثير الدول على المشهد اللبناني فإن نظام المحاصصة الطائفية في لبنان والذي بنيت عليه أسس الدولة اللبنانية سيكون هو السبيل وهو حجر العثرة في آن واحد بالنسبة للبنان، فهو سلاح ذو حدين. أحياناً يعزز الاستقرار ويعطي كل طائفة موقعاً في صنع القرار حسب حجمها و أحياناً كثيرة يكون هو السبب وراء تعثر لبنان في الثبات كدولة مستقلة ذات سيادة. وعلى الرغم من تحسن الحال نسبياً الآن في بلد الأرز إلا أن ذلك قد لا يعني هدوءاً دائماً فلبنان غالباً ما يفاجئ الجميع بتغيرات لا تخطر على البال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق