خرجت مع ابني (ناصر) في جولة بالحي، ونحن نتجول إذ بطفلة في عمر ما بين (5 أو 6) سنوات تخرج مسرعة من باب البيت متوجهة إلى الشارع مباشرة، ما دفع ابني لتنبيهي أنها قد تنزل إلى الشارع فجأة فقال، "انتبه". قلت له، لا عليك، فقد اعتدت التركيز، خاصة عند هذا البيت، لأن أطفال هذا البيت دائماً ما يخرجون من المنزل ويتجهون إلى الشارع مباشرة، فالمسافة بين الباب الرئيسي والشارع لا تتجاوز مترين - بركات نوابغ الإسكان.
وذكرت قصة للطفلة نفسها قبل فترة بسيطة، حيث كانت تركض مسرعة من باب البيت وخلفها والدها الذي أمسكها من ذراعها عند طرف الرصيف ورفعها في الهواء ثم إنهال عليها ضرباً. لا أدري هل كان يلحق بها ليعاقبها أم ليلحق بها قبل أن تصل إلى الشارع.
المهم، ابني ناصر قال متعجباً، "طفلة بهذا العمر يضربها أبوها في الشارع! هل هو مريض؟!" وهنا قلت في نفسي إنها فرصة لأستغل تأثره وغضبه، فقلت له، "ماذا لو كان هذا الرجل هو والدك وأنت عنده (يبسطك كل يوم)؟" وكان قصدي أن أمدح نفسي بأني لا أضرب أبنائي، فوجدته يقول لي، "لن أسمح له بأن يضربني ! وإذا فعل سأشتكي عليه لدى الأمن!"، سألته كيف ستشتكي ؟ قال سأتصل رقم 998 أو 999.
هنا اتجه تفكيري في اتجاه آخر، فسألته عن سبب هذا القول، "هل ستشتكي على والدك يا ناصر إذا فعل هذا؟" قال بكل ثقة، "نعم، سأفعل، (محد قاله يمد يده) فهو المخطئ، وأيضاً لا يحق له استخدام العنف مع أبنائه". سألته، كيف عرفت هذا ؟ هل قالوا لكم في المدرسة ؟ قال لي، "لا، بل شاهدت في (التلفزيون) إعلاناً يتحدث عن العنف الأسري وأنه يجب الإبلاغ عن أي حالة يحدث فيها عنف لأي فرد من الأسرة".
ما لفت انتباهي بشكل كبير هو تأثير هذا الإعلان الذي تحدث عنه، وأن الرسالة منه وصلت لطفل يبلغ من العمر 10 أعوام، وهو أمر تشكر عليه الجهة التي عملت على هذا العمل "مركز حماية الطفل" ووزارة الإعلام، حيث استطاعوا من خلال هذا العمل نشر توعية وطرق استخدام الوسائل الرسمية.
العنف ضد الأطفال ليس ظاهرة حديثة ولا يمكن القول بأنه انحسر بشكل كبير في مجتمعنا، إلا أنه يبقى موجوداً. هناك بعض أولياء الأمور يمارسون نوعاً من أنواع العقاب ليس بقصد الإيذاء، بل بدافع فطرة العقاب الأبوي. وهو، إن اعتبرته بعض الجهات تجاوزاً لحقوق الأطفال، يبقى أسلوب تربية استمر في مجتمعنا منذ عقود من الزمن. والصحيح أنه يجب التفرقة بين العنف الأسري والعقاب. أن أعاقب أبنائي لا يعني أني لا أحبهم أو أمارس عليهم العنف. ففي كثير من الأحيان لا يوجد بين أولياء الأمور والأبناء أي حب أو أي عقاب، وهذا لا يعني أيضاً أنه أمر صحي في جو عائلي يشوبه المرض والتفكك.
قد يكون ابني ناصر واعياً لهذه الأمور بحكم فضوله ومطالعته، ولكن هناك عدد لا يمكن تحديده من الأطفال تنقصهم المعرفة والدراية بأمور حقوقهم وطرق حماية أنفسهم من العنف. وهنا أتمنى أولاً من وزارة التربية والتعليم، التي أصبحنا نراها تسير في الطريق الصحيح، أن تضم ثقافة (حقوق الطفل) ضمن مناهجها، خاصة للمستويات التأسيسية. وكم سيكون الأمر أكثر وضوحاً وتركيزاً لو اشتملت هذه المادة على حضور فعلي من قبل الجهات الأمنية المعنية بحماية حقوق الطفل. كما أتمنى من وزارة الإعلام أيضاً أن تكثف من هذا النوع من الرسائل والبرامج التي تهتم بحقوق الأطفال والأسر لإدخال مجتمعنا وأسرنا في دائرة المعرفة والأمان.
0 تعليق