يشير تقرير رسمي صادر عن منظمة الصحة العالمية إلى أن "واحداً من كل أربعة أشخاص يعاني من اضطراب نفسي أو عصبي في مرحلة ما من حياته"، كما أشارت المنظمة إلى أن العام 2019 شهد تسجيل 970 مليون شخص حول العالم مصابين باضطراب نفسي، حيث كان القلق والاكتئاب الشكلين الأكثر شيوعاً من تلك الاضطرابات.
استذكرت هذه الأرقام وأنا أتابع، كإعلامية ومهتمة بموضوع الصحة النفسية، الزيادة المفرطة في عدد الجرائم التي يتم ارتكابها وبشكل يومي حول العالم، والتي تنتهي إلى الإقرار بحقيقة واحدة أن جل مرتكبي تلك الجرائم مصابون بنوع من الاضطرابات النفسية، أو كما نطلق عليه مجتمعياً مرضى نفسيون.
في مملكة البحرين لا يختلف الأمر كثيراً؛ ففي تصريح قبل سنوات لوكيل وزارة الصحة، أشارت فيه إلى أن مرض الاكتئاب يصيب 20% من النساء البحرينيات و10% من الرجال، موضحة أن أمراض الاكتئاب والقلق هما أكثر الأمراض النفسية انتشاراً في البحرين.
أما الأسباب المؤدية للإصابة بالاضطرابات النفسية فهي كثيرة ومتعددة، ولا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات، والتي تتمثل في مشاكل الحياة اليومية، الصعوبات التي تواجه الإنسان في ظل التغييرات الكبيرة في أنماط الحياة وسلوك الأفراد، والضغوطات الاجتماعية المستحدثة، وبالتأكيد فإن العامل الاقتصادي يمثل أحد الأسباب الرئيسية لهذه الاضطرابات.
أطباء ومختصون في الصحة النفسية يرون أن هناك دائماً فرصة لشفاء المصابين بمختلف أنواع الاضطرابات النفسية، ولكن حجر الزاوية هنا تكمن في النظرة النمطية المجتمعية لمن يعانون من حالات نفسية معينة، والتي غالباً ما تمنع الأفراد من طلب المساعدة اللازمة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الحالة، والتي قد تخرج عن السيطرة وتحول المريض إلى شخص عنيف، قد يعمد إلى إيذاء نفسه أو الآخرين.
وعلى سبيل المثال؛ فقد كشفت وسائل إعلام أردنية قيام أب بقتل ولديه، وبعد التحقيق كشف المحيطون به أنه يعاني من اكتئاب حاد لسنوات، ولم يلجأ لطلب المساعدة الصحية اللازمة خوفاً من نظرة المجتمع له.
وعلى الرغم مما تتميز به البحرين من اهتمام لافت لجانب الصحة النفسية لأفراد المجتمع، وتوفيرها العديد من مراكز الرعاية الخاصة بالصحة النفسية؛ إلا أن النظرة المجتمعية لا تزال تطارد المرضى، حيث يتم النظر إلى المرضى كعلامة ضعف أو فشل أخلاقي، وهو ما يدفعهم للامتناع عن طلب المساعدة.
وصمة المريض النفسي لا تقتصر على الأفراد فحسب؛ بل يمكن أن تمتد إلى العائلات، والتي قد تشعر بالخجل أو الإحراج من مرض أحد أفرادها، مما يدفعها للإنكار وتجاهل المشكلة لأسباب اجتماعية، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى استفحال المشكلة ووصولها لنقطة اللاعودة.
لذلك؛ فإنني أطلق دعوة لمختلف المؤسسات الرسمية والأهلية المعنية، بتنظيم برامج وفعاليات تثقيفية لكل أفراد المجتمع، والعمل على تغيير النظرة النمطية عن المرضى النفسيين، حتى نضمن أن يكون مجتمعنا سليماً معافى، جسدياً ونفسياً.
0 تعليق