"أنا مقتنع بأن بيبي يفهم... أنه من خلال إضعاف ’حزب الله‘ وإيران بشكل كبير، ساعد في تحريك إمكانية لبنان وسورية لاستعادة سيادتهما ووحدتهما. أعتقد أنه مستعد لاستكمال انسحاب إسرائيل [من لبنان] ووضع اللمسات الأخيرة على مسألة الحدود...".اضافة اعلان
– توماس فريدمان، من مقال بعنوان، "كيف يستطيع ترامب أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط"، (النيويورك تايمز)، 21 كانون الثاني (يناير) 2025.
***
سجل توماس فريدمان، كاتب العمود الأكثر نفوذًا في صحيفة "نيويورك تايمز"، بشكل كامل مشهد أحلامه للشرق الأوسط. ويقول تصوّره لدونالد ترامب: "لديك فرصة لإعادة تشكيل هذه المنطقة بطرق يمكن أن تعزز بشكل أساسي السلام والازدهار للإسرائيليين، والفلسطينيين، وجميع شعوب المنطقة، فضلاً عن تأمين مصالح الأمن القومي لأميركا". ويعتقد فريدمان أن بنيامين نتنياهو "مستعد لاستكمال انسحاب إسرائيل ووضع اللمسات الأخيرة على مسألة الحدود" مع لبنان، وأن الولايات المتحدة لديها "فرصة هائلة لأن تنهي حقًا الحرب الأهلية [في لبنان] وتعيد تجميع أجزاء البلد معًا". وأخيرًا، يقوم فريدمان بتحديد تهديد: يجب القضاء على برنامج إيران النووي واستراتيجيتها الإقليمية الخبيثة، وإذا لم يتمكن ترامب من القيام بذلك من خلال "المفاوضات السلمية"، فيجب أن يتم ذلك عملياتيًا. نعم، هذا صحيح: يريد فريدمان إلزام الولايات المتحدة بخوض حرب ضد إيران.
في الحقيقة، لا يعرض مشهد أحلام فريدمان للشرق الأوسط أي منطق على أي مستوى. حتى وزير الخارجية السابق أنتوني بلينكن أدرك واعترف في نهاية المطاف بأن إسرائيل "قوضت بشكل منهجي قدرة وشرعية البديل الوحيد الممكن لـ’حماس‘؛ السلطة الفلسطينية". فما الذي حدث لمخاوف فريدمان بشأن عدم امتلاك نتنياهو أي حلول سياسية لغزة في "اليوم التالي" لانتهاء القتال؟
وفقًا لبلينكن، تقوم إسرائيل بتوسيع المستوطنات الرسمية ومصادرة وتأميم الأراضي في الضفة الغربية "بشكل أسرع من أي وقت مضى في العقد الماضي، بينما تغض الطرف عن النمو غير المسبوق للبؤر الاستيطانية غير القانونية". وبالإضافة إلى ذلك، فإن هجمات المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين "وصلت إلى مستويات قياسية"، كما قال. ويعتقد فريدمان أن المتعصبين اليهود في حكومة نتنياهو هم المسؤولون عن هذا العدوان، لكن هناك أدلة مهمة تشير إلى أن نتنياهو نفسه يدعم هذه الإجراءات.
يعتقد فريدمان أن نتنياهو مستعد للانسحاب من الحدود مع لبنان -حتى بينما يتجاهل الجيش الإسرائيلي ما يسمى باتفاق وقف إطلاق النار، ويستمر في قصف القرى والبلدات اللبنانية. وفي نفس اليوم الذي كان من المقرر أن تنسحب فيه إسرائيل من جنوب لبنان، قتلت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي ما لا يقل عن 22 مدنيًا لبنانيًا وأصابت أكثر من 100 آخرين بجراح. وكان اتفاق الانسحاب هشًا منذ البداية، مع عدم وجود آلية للمراقبة وعدم وجود تعريف لما يشكل انتهاكًا للاتفاق.
ببساطة، لا يثق نتنياهو في قدرة الجيش اللبناني على إحباط عودة ظهور "حزب الله" في جنوب لبنان. ولبنان نفسه دولة فاشلة، ولا توجد مؤشرات على أن إسرائيل تستعد لسحب قواتها من هناك. وفي الأثناء، حذر وزير الدفاع الإسرائيلي اليميني، يسرائيل كاتس، من أنه إذا كان هناك استئناف للقتال، فإن الضربات الإسرائيلية لن تعود تفرق بين "حزب الله" والدولة اللبنانية. ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا لأن الحكومات الإسرائيلية منذ الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982 لم تبذل أي جهد لحماية السيادة اللبنانية. كما لم يتحرك الجيش الإسرائيلي لتعطيل إنشاء القواعد العسكرية الست التي بنيت في الأشهر الأخيرة في جنوب لبنان.
لو كان لدونالد ترامب أي اهتمام بحل الأزمة بين إسرائيل والفلسطينيين، لما كان قد صرح على الإطلاق بأنه يريد "تطهير" غزة من خلال نقل بعض سكانها إلى مصر والأردن. وأنا متأكد من أن ترامب ليس لديه أي اهتمام بجرائم الحرب التي قد يتم ارتكابها من أجل إنجاز "تطهير" غزة. كما أنني متأكد من أنه لا يفهم ما هي "النكبة"، أو الكارثة التي حدثت في العام 1948، عندما بدأت إسرائيل سياستها الرامية إلى تهجير الفلسطينيين الذين أقامت عائلاتهم لمئات السنين في فلسطين.
وأنا متأكد أيضًا من أن القادة العرب المعتدلين الذين ربما عملوا مع الولايات المتحدة لإيجاد حل سياسي، يدركون تمامًا أن ترامب لا يفهم الخلافات العميقة القائمة داخل المجتمع العربي في ما يتعلق بالتسوية السلمية. لكن القادة العرب يتفقون على أن الحل لا يمكن أن يشمل إعادة توطين سيكون من شأنها زعزعة استقرار حكوماتهم. وليست جهود ترامب لإقناع مصر والأردن باستقبال أكثر من مليون فلسطيني مجرد واحد من الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها في أقل من أسبوعين من وجوده في البيت الأبيض. في الواقع، ربما يكون هذا أكبر خطأ ارتكبه حتى الآن، والذي سيذكِّر الناس بالحظر الذي فرضه ترامب على سفر المسلمين إلى بلده في الأشهر القليلة الأولى من ولايته الأولى.
في الوقت نفسه، يشكل دعم فريدمان الواضح لشن حرب على إيران أكبر أخطائه على الإطلاق. لقد أصبحت إيران الآن أكثر ضعفًا من أي وقت مضى منذ الحرب مع العراق في الثمانينيات. وقد فقدت "محور المقاومة"، (حماس وحزب الله وسورية)، الذي كانت تقوده لموازنة النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة وإسرائيل. وقد تُقرر إيران تسليح برنامجها النووي القائم منذ عقود، ولكن يبدو أنها مهتمة أكثر بمتابعة إجراء حوار شامل مع الولايات المتحدة لإنهاء العقوبات التي دمرت الاقتصاد الإيراني. ولكن، لسوء الحظ، قام ترامب بملء حكومته بأنصار العسكرة الذين يفضلون نهجًا عملياتيًا حربيًا لمقاربة مشكلة إيران، كما يفعل فريدمان.
من المفارقات في طرح فريدمان أنه تجاهل الخطوة الوحيدة التي اتخذها ترامب والتي يمكن أن تبشر بنهج أكثر اعتدالاً تجاه الشرق الأوسط بالقدر الذي يتعلق بالتدخل الأميركي. في خطوة أغفلتها تمامًا وسائل الإعلام الرئيسية، قام ترامب بتعيين مايكل ديمينو مساعدًا لوزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط. وليس هذا اسمًا مألوفًا بالضبط، لكن ديمينو كان متشككًا بشأن العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو يرفض فكرة أن للولايات المتحدة مصالح "حيوية أو وجودية" في الشرق الأوسط. كما أنه يفضل انسحاب القوات الأميركية من العراق وسورية، ويعتقد أن مصلحتي واشنطن الأساسيتين في المنطقة -موارد الطاقة ومكافحة الإرهاب- مبالغ فيهما. وتستحق الملاحظة حقيقة أن الجمهوريين المؤيدين لإسرائيل، وكذلك إسرائيل نفسها، يعترضون على هذا التعيين. وهكذا، ربما يتأمل ترامب الآن أفكارًا بشأن الشرق الأوسط، والتي قد تكون جديدة ومختلفة.
*ملفين أ. غودمان Melvin A. Goodman: زميل أقدم في مركز السياسة الدولية وأستاذ الحكومة في جامعة جونز هوبكنز. محلل سابق لوكالة المخابرات المركزية، غودمان هو مؤلف كتاب "فشل الاستخبارات: تراجع وسقوط وكالة المخابرات المركزية" Failure of Intelligence: The Decline and Fall of the CIA and National Insecurity: The Cost of American Militarism؛ و"انعدام الأمن القومي: تكلفة النزعة العسكرية الأميركية" National Insecurity: The Cost of American Militarism؛ و"مبلغ عن المخالفات في وكالة المخابرات المركزية" A Whistleblower at the CIA. أحدث كتبه هي "المذبحة الأميركية: حروب دونالد ترامب" American Carnage: The Wars of Donald Trump (منشورات أوبس، 2019)؛ و"احتواء دولة الأمن القومي" Containing the National Security State (منشورات أوبس، 2021).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: A Fool's Paradise: Thomas Friedman and the Middle East
0 تعليق