صعود المتطرفين في سوريا وتداعياته على الأمن الإقليمي والمصري

مصر تايم 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لا يمكن فهم المشهد السوري الراهن دون التوقف عند الدور المحوري الذي لعبته هيئة تحرير الشام في إسقاط نظام الأسد، هذه الجماعة، التي ولدت من رحم تنظيم القاعدة، وتميزت بأيديولوجيتها المتطرفة وممارساتها العنيفة، استطاعت أن تتحول إلى قوة عسكرية وسياسية مهيمنة في سوريا، بدعم من دول إقليمية لها مطامعها الخاصة، ورغم محاولات هيئة تحرير الشام تلميع صورتها وتقديم نفسها كجماعة معتدلة، فإن تاريخها الدموي وأيديولوجيتها المتطرفة يشهدان على حقيقة أخرى. 

صعود هيئة تحرير الشام إلى واجهة السلطة تساؤلات مصيرية حول طبيعة الدولة السورية الجديدة ومسارها السياسي والأيديولوجي، وتأثيرات هذا التحول على المنطقة ودول الجوار، وعلى رأسها مصر، بالإضافة إلى تداعياته على الأمن الإقليمي والعالمي يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل الاستقرار في المنطقة، لا سيما في ظل تنامي خطر التطرف العابر للحدود. 

237.jpg
أحمد الشرع عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد

في خضم هذه التحولات، يبرز دور تركيا وقطر كلاعبين رئيسيين في المشهد السوري، كدولتين دعمتا وتدعمان الفصائل المسلحة في سوريا منذ بداية الأزمة، ولم تتوانيا عن تقديم الدعم لهيئة تحرير الشام، رغم ممارساتها الإرهابية وتصنيف العالم لها ولزعميها في خانة الإرهابيين المطلوبين دوليا، وبالطبع لم ولن يكون هذا لدعم خيريا، بل يسعى الداعمون دائما لتسخير مثل هذه التنظيمات لخدمة مصالحهم الخاصة رغم المخاطر وما يُعدّ بمثابة وقود يُغذي التطرف في المنطقة. 

حكومة متطرفة بوجوه جديدة.. خطر يُهدد مستقبل سوريا

بعد أيام قليلة من سقوط نظام الأسد أعلن حكام دمشق الجُدد تشكيل حكومة برئاسة محمد البشير وهو شخصية دينية متشددة مقربة من زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع وفق التسمية الجديدة "المُحسنة"، وضمت التشكيلة شخصيات متطرفة معروفة بتورطها في جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، هذه التعيينات المقلقة تكشف عن الوجه الحقيقي للنظام الجديد، وتؤكد مخاوف الكثيرين من أن سوريا تتجه نحو مستقبل مظلم.

 مؤشرات صعدت من مخاوف ازدهار ونمو الأفكار والجماعات المتطرفة في المنطقة، فيما تخشى العديد من الأطراف من أن يعيد تنظيم داعش تجميع صفوفه في سوريا، مستغلاً الفراغ الأمني الذي خلفه سقوط النظام، وهذا الاحتمال يُنذر بكارثة إنسانية وأمنية، حيث يُمكن أن تتحول سوريا إلى بؤرة لتصدير الإرهاب إلى المنطقة والعالم. 

على الرغم من كل الحقائق التي تشير إلى خطر هيئة تحرير الشام، إلا أن المجتمع الدولي، وخاصة الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، يبدو أنه يتجه نحو منح الشرعية لهذا التنظيم المتطرف وإن بحذر ووفق قوائم شروط يكتب فيها كل ما يناسب مصالحه دون اعتبار فيما يبدو لمصلحة ومستقبل سوريا والشعب السوري واستقرار المنطقة، وهذا التغافل والتواطؤ يُثيران تساؤلات مقلقة حول مدى جدية المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، ويُنذر بتكرار السيناريوهات المأساوية التي شهدتها دول أخرى في المنطقة. 

ووسط هذا التحولات تبرز مطامع تركيا في سوريا حيث تسعى أنقرة إلى فرض هيمنتها الكاملة على هذا البلد المحوري، وتحويله إلى قاعدة تابعة لها، وهذه الهيمنة تُشكل تهديدا خطيرا على استقرار المنطقة، حيث تُمكن تركيا من التدخل في شؤون دول الجوار، وتهديد الأمن الإقليمي. 

ولا يقتصر الأمر على سوريا، بل تمتد مطامع تركيا إلى مناطق أخرى في المنطقة، حيث تسعى إلى توسيع نفوذها على حساب دول أخرى، هذه المطامع الإمبراطورية تُثير قلقا متزايدًا في المنطقة، وتُنذر بصراعات مستقبلية. 

وكما أثبتت وقائع السنوات الأخيرة وأحداث سوريا الدامية فإن تركيا لا تتورع عن استخدام الإرهابيين واللاجئين كأدوات لتحقيق مطامعها، دون أي اعتبار للأبعاد الأمنية والأخلاقية، فهي تدعم الجماعات المتطرفة، بما في ذلك تلك المصنفة إرهابية، وتُسهل مرور المقاتلين الأجانب إلى سوريا، وتغضّ الطرف عن أنشطتهم الإرهابية، ولا تتردد في استخدام أي وسيلة لتحقيق أهدافها، حتى لو كان ذلك على حساب الأمن والاستقرار في المنطقة. 

وبعد نحو شهرين ونيف من سقوط نظام الأسد وبعد أسابيع من تنصيب احمد الشرع نفسه رئيسا قسريا للبلاد، كشف خبر صادم من صحيفة النهار عن تشكيل الجيش السوري الجديد تحت هيمنة المتطرفين، وتولية قيادة أهم فرقتين فيه لمتطرفين أجانب موالين لأحمد الشرع، وهذه سابقة خطيرة لا تحدث إلا عند الجماعات الإرهابية التي لا تعترف بالحدود والأوطان. 

239.jpg
عناصر من هيئة تحرير الشام في شوارع سوريا

فقد أسند إلى عبد الرحمن الخطيب، وهو أردني الجنسية، وكان يعرف سابقاً بلقب أبو حسين الأردني، قيادة الحرس الجمهوري الجديد، وهو من أبرز القيادات العسكرية التي أثبتت ولاءها لأحمد الشرع عندما كان يقود "هيئة تحرير الشام" بلقب أبي محمد الجولاني، ومنذ مقتل أبو عمر سراقب، القائد العسكري السابق لـ"جبهة النصرة"، الإسم القديم للهيئة عام 2016، اعتمد الشرع (الجولاني) على أبو حسين الأردني اعتماداً شبه كلّي في قيادة غرف العمليات ووضع الخطط العسكرية، والخطيب هو طبيب أردني، تخرج في جامعة عمان، وكان يعرف بميوله للسلفية الجهادية، وهو ما دفعه عام 2013 الى الالتحاق بـ"جبهة النصرة". 

وأسندت كذلك قيادة فرقة دمشق العسكرية إلى العميد عمر محمد جفتشي، وهو تركي الجنسية، وكان يعرف بلقب مختار التركي، وكان من رجالات الظلّ التي طالما وقفت إلى جانب الشرع وساندته بقوة، ولم يكن اسمه يذكر إلا في المنعطفات التي شهدت توتراً في العلاقة بين الشرع وبين مجموعات المقاتلين الأجانب في "هيئة تحرير الشام"، إذ كان التركي يسارع إلى إصدار بيانات الدعم لقائده مع بعض القادة الأجانب الآخرين. 

تأثيرات صعود المتطرفين في سوريا على مصر والأمن القومي العربي يُمثل صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي، وخاصة بالنسبة لمصر، فتنامي نفوذ الجماعات المتطرفة في سوريا يُمكن أن يُؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتصدير الإرهاب إلى الدول المجاورة، بما في ذلك مصر كما أن وجود جماعات متطرفة على مقربة من الحدود المصرية يُمكن أن يُشجع الجماعات الإرهابية المحلية على تنفيذ هجمات داخل مصر، بهدف زعزعة الاستقرار وتقويض الأمن. إن صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا، بدعم من تركيا وقطر، يشكل تهديداً خطيراً على استقرار المنطقة والعالم. فالتنظيم الذي يتبنى فكراً متطرفاً ويرفض الآخر، لا يمكن أن يكون شريكاً في بناء مستقبل سوريا، ويجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته ويتخذ مواقف حازمة تجاه هذا التنظيم، وأن يمنع تكرار السيناريوهات المأساوية التي شهدتها دول أخرى في المنطقة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق