حب الوطن والعائلة

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في كل عام، تكتسي المحلات باللون الأحمر، وتتحول نوافذ العرض إلى بحر من الورود والهدايا والمجوهرات. تمتلئ المجمعات التجارية بالعروض المغرية، وتضج وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات الهدايا ورسائل الحب. وكأن العالم بأسره يحتفل بيوم وُجد ليُذكّر الناس بأن الحب لايزال حاضراً، ولو ليوم واحد فقط. لكن وسط هذه المظاهر، يطفو السؤال الحقيقي: هل يحتاج الحب إلى موعد على التقويم؟ وهل يمكن أن يتحول إلى التزام ثقيل يفرضه المجتمع على الأفراد؟

في الأيام التي تسبق هذا الموعد، تمتلئ المتاجر بشكل لافت، ويزداد الإقبال على محلات الورود والمجوهرات، حتى باتت بعض الأماكن مزدحمة بشكل مرعب. لا يقتصر الأمر على المتاجر فقط، بل أصبحت تطبيقات الورود تلعب دوراً أساسياً في هذه الظاهرة، إذ توفر خيارات لا حصر لها من الباقات المصممة بإتقان، تتفاوت أسعارها بين المعقول والمبالغ فيه، حتى باتت الهدية في بعض الأحيان أقرب إلى استعراض أكثر منها تعبيراً عن المشاعر. أصبحت هذه التطبيقات جزءاً لا يتجزأ من هذا الموسم، حيث يتفنن بعضها في تقديم خدمات توصيل فورية، ورسائل مخصصة، وصناديق أنيقة تعكس صورة «مثالية» للحب، لكنها في بعض الأحيان تضع الطرف المرسل تحت ضغط إضافي، وكأن التميز في الاختيار بات دليلاً على عمق المشاعر.

يقول البعض إن عيد الحب فرصة لإعادة وهج العلاقة. إنه لحظة تهدئة وسط زحام الحياة السريعة، يوم يمنح العاطفة مساحة استثنائية للتعبير. لكن في المقابل، يشعر آخرون بأنه مجرد التزام اجتماعي يفرض نفسه بقوة، حيث يصبح تبادل الهدايا والاحتفالات أمراً أقرب إلى العرف، وكأن من لا يحتفل قد أخطأ في حق شريكه أو بدا أقل اهتماماً.

المفارقة أن بعض العلاقات تُبنى على هذا اليوم أكثر مما تُبنى على الأيام العادية. هناك من ينتظر المناسبة ليُعلن حبه أو يصحح خطأه. البعض يرى أنه فرصة لتعويض ما فاته طوال العام. لكن هل يمكن للحب أن يكون لحظة واحدة في السنة؟ أم أن الحب الحقيقي يكمن في التفاصيل الصغيرة التي تحدث دون سابق تخطيط؟ في اهتمام لا يُطلب، في كلمة طيبة تقال بعفوية، في دعم مستمر لا يرتبط بتاريخ معين.

لكن وسط هذه الأجواء، يُنسى أن هناك أنواعاً أخرى من الحب أكثر عمقاً وثباتاً. حب الوطن، مثلاً، لا يحتاج إلى ورود حمراء ليكون حقيقياً. إنه في الولاء والانتماء، في الدفاع عنه والعمل من أجله دون انتظار مناسبة. وحب العائلة، هو ذلك الحب الذي لا يخضع للتخفيضات الموسمية، ولا يحتاج إلى حملات إعلانية ليظل قائماً. كم من أب وأم ينتظران كلمة حب صادقة من أبنائهم؟ وكم من أسرة تعيش في ظل الاهتمام المستمر، فلا تحتاج إلى عيد حب لتشعر بقيمة الترابط العائلي؟

في الجانب الآخر، هناك تكلفة أخرى لهذا اليوم، لا ترتبط بالمشاعر، بل بما يفرضه السوق. النفقات تتزايد بشكل غير منطقي، خصوصاً مع اقتراب موسم رمضان الذي يمتص ميزانيات العائلات بعروضه التجارية. فمع اقتراب هذا الشهر، تبدأ الأسواق في تقديم الخصومات على المواد الغذائية، في الوقت الذي لاتزال فيه أسعار الهدايا المرتفعة تثقل كاهل البعض. الإنفاق لا يتوقف عند الهدايا وحدها، بل يمتد إلى حجوزات المطاعم، عروض الفنادق، وتكاليف باهظة ترهق الميزانيات، مما يجعل البعض يتساءل: هل أصبح الحب التزاماً اقتصادياً أكثر من كونه شعوراً حقيقياً؟

وبصراحة.. أصبح الكثيرون عالقين بين ضرورة الاحتفال وضغط التكاليف، حيث تتحول المشاعر إلى فاتورة تتضخم عامًا بعد عام، دون أن يسأل أحد: هل تقاس المشاعر حقاً بحجم الإنفاق؟ في النهاية، الحب ليس بطاقة معايدة، وليس وردة تُشترى في اللحظة الأخيرة. الحب الحقيقي لا يرتبط بيوم واحد، بل هو في لحظات لا تحتاج إلى دليل، ولا إلى موعد محدد. وإن كان لابد من عيد للحب، فليكن كل يوم هو عيدٌ في قلب من يعرف كيف يُحب بلا حسابات، بلا تكاليف مرهقة، وبلا انتظارٍ ليوم مسجل في الروزنامة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق