"الشعر والفلسفة: من الرؤية الذاتية للفكر العميق" لدى زهير توفيق

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - رأى الشاعر الدكتور زهير توفيق، أن العلاقة بين الأدب والفلسفة تعد من أقدم وأعمق أشكال التعبير البشري، حيث تلتقي الأفكار مع الكلمات لتشكل فهما أعمق للوجود والواقع. ويعد الشعر والفلسفة وجهين مختلفين لنفس العمل الإنساني، حيث يسعى الشاعر والفيلسوف إلى التعبير عن جوهر الإنسان، معاناته، تطلعاته ورؤيته للعالم من حوله. وبينما يعتمد الشعر على الجمال الفني والعاطفة، فإن الفلسفة تسعى إلى تحليل الأمور بطريقة عقلانية منطقية.اضافة اعلان
وأضاف توفيق، وهو أستاذ الفلسفة في جامعة فيلادلفيا، أن العلاقة بين الفلسفة والشعر ليست علاقة تناقض، بل هي علاقة تكامل. فالفلسفة توفر للشاعر الأدوات الفكرية لتطوير رؤاه والتعبير عن أفكاره بطرق أعمق وأكثر تركيبا. بينما يعكس الشعر فهمًا إنسانيًا وحساسًا للعالم، يجعل الفلسفة أكثر وضوحًا ومنطقية. من هنا، نجد أن الفلاسفة والشعراء الكبار قد أسهموا في تشكيل الثقافة الإنسانية، بل وتداخلوا مع بعضهم بعضا في تأثيراتهم، فبينما كتب فلاسفة، مثل نيتشه وابن سينا، أفكارهم عبر قصائد، فإن شعراء، مثل دانتي وشكسبير، قد أدخلوا الفلسفة في قصائدهم، ما جعل أدبهم أشمل وأكثر عمقًا.
قال توفيق، في اللقاء الذي أجرته معه "الغد" بمناسبة صدور ديوانه الثالث "محجر الدموع جف"، إن الديوان الذي صدر عن دار أزمنة للنشر والتوزيع، يشتمل على ثلاث قصائد، هي: "فلتغسلوا قلبي برؤيا يا أهالي الأندلس"، "غزة يا أيها الخطباء كفوا عن دمي"، "الجندي لا يحلم بالزنابق البيضاء".
وتحدث توفيق عن العلاقة بين الشعر والفلسفة، وكيف يمكن أن يتداخل الأدب مع الفلسفة لتقديم رؤى جديدة حول القضايا الإنسانية الكبرى. كما تناول دور الشعر في نقل الرؤى الفلسفية وكيف يعزز الفلسفة بنظرة جمالية وإنسانية.
تثير عناوين ديوان "محجر الدموع جف" جدلاً وتساؤلات حول دلالاتها، قال توفيق "إن عنوان الديوان أو القصائد يعكس محتوى النصوص وهو مطابق للمضمون. فقد استنفدنا القدرة على الندب والرثاء لحال الأمة، وأصبح الوقت مناسبًا للقيام بشيء آخر غير البكاء. وعلى رأي الفيلسوف جيل دولوز: "لم أستنفد الممكن، بل استنفدت المستحيل". أما بالنسبة لعنوان النص أو العناوين الفرعية، فهي تمثل "عتبات" بالمعنى الألسني الحديث، كما طورها جيرار جينيت الذي استلهم مفاهيمه من الفيلسوف ميشيل فوكو، إلى حد ما، ووسّعها لوسيان غولدمان. لهذه العناوين وظائف دلالية واضحة ورسائل مقصودة للمتلقي، سواء كان ناقدًا أو قارئًا، يستنبطها من خلال قراءة واعية ونافذة".
ثم تحدث توفيق عن القصيدة الأولى في الديوان، وهي بعنوان "فلتغسلوا قلبي برؤيا يا أهالي الأندلس"، مشيرًا إلى أن هذه القصيدة تتناول سقوط غرناطة العام 1492، ونكبة المورسكيين التي تمثلت في الطرد والترحيل والمذابح التي تعرضوا لها بعد العام 1609. أما القصيدة الثانية "يا أيها الخطباء كفوا عن دمي"، فتتناول نكبة غزة وفلسطين بشكل عام، وما لحقها من ترحيل وتهجير. هناك علاقة ترابطية بين تهجير أهل الأندلس وتهجير أهل فلسطين، وما ينتظر غزة من مخططات مشبوهة.
أما القصيدة الثالثة بعنوان "الجندي لا يحلم بالزنابق البيضاء"، فهي عن العلاقة بين الفلسفة والشعر، قال توفيق: "هذا سؤال ينطوي على الاستغراب، فجل أبحاثي وكتبي تدور في إطار الفلسفة والفكر العربي. لكن موضوع الشعر له قصة أخرى، تعود بي إلى أيام الشباب في نادي أسرة القلم، عندما كنا أنا ومهدي نصير وصلاح أبو لاوي شبابًا نكتب ونجرب ونتلمس طريقنا. وبعد أن "أثبتنا وجودنا"، قرر الزملاء في النادي ورابطة الكتاب فرع الزرقاء إقامة أمسية شعرية مشتركة لنا الثلاثة في رابطة الكتاب، وكان ذلك سنة 1984".
ويتابع "انطلق كل منا في مساره ومذهبه الخاص، وفي حواراتنا الشعرية والفكرية في النادي حول الرواد مثل "أدونيس ويوسف الخال ودرويش وخليل حاوي وغيرهم"، وعن الحداثة الشعرية والسريالية وما بعد الحداثة، والفلاسفة الأدباء القدماء والمحدثين مثل سارتر وشتراوس والمعري،  وجدت نفسي وجهاً لوجه مع الفلسفة كضرورة موضوعية لا يمكن تجاوزها.. فبحثت وقرأت في المرجعيات الفلسفية للرواد الكبار وللحداثة الشعرية وما بعد الحداثة وغيرها. وبالتالي، فقد قمت بتوجيه دراستي وتخصصي في الفلسفة لتطوير أدواتي الشعرية، وهكذا ارتبط النص لدي بالفلسفة شكلاً ومضمونًا. وأصبحت القصيدة أكبر وأكثر من مجرد شحنة عاطفية".
ورأى توفيق أنه من دون الفلسفة أو التأمل في الوجود، ماذا سيقول الشاعر بعد أن تغنى بذاته، وكتب قصائد الحب والغزل والوطنية المباشرة وغير المباشرة؟! الفلسفة تعطيك المساحة الفكرية الأوسع والأعمق على مستوى الشكل والمضمون. ففلاسفة اليونان الأوائل كتبوا الفلسفة شعراً وعلى شكل شذرات. الفلسفة تمنح ثراءً في الموضوعات والرؤى والتأمل. ومن دون رؤية، لا يوجد شعر حديث ولا حداثة، وهو الملاحظ من بعض الشعراء الذين يدورون حول أنفسهم، وثيمات الديوان الأول من إصدارهم تشبه تلك في الديوان العاشر.
ويؤكد توفيق أن الشعراء الكبار هم فلاسفة كبار، بدءًا من دانتي وشكسبير وملتون وعزرا باوند وT.S. إليوت وأبي العلاء والمتنبي، وصولًا إلى خليل حاوي. كما أن بعض الفلاسفة كانوا شعراء، مثل نيتشه وابن سينا ومهدي عامل. ومع ذلك، للفلسفة حقوق وللشعر حقوق، والتوازن بينهما مطلوب. وإذا فقد هذا التوازن، فقدت القصيدة معناها. شرط الشعر الحقيقي هو وضع الفلسفة في خلفية النص، مع الحفاظ على القيم الجمالية والفنية في القصيدة.
مضيفا "وأخيرًا ما كتبته من شعر هو نتاج من الفلسفة، تم وفقًا لمواصفات مقولة سارتر: ليس في مقدور الكاتب أن يشهد على كينونته إلا بإنتاجه نصًا أو موضوعًا ملتبسًا يوحي به بالإشارة والتلميح".
وعن الرواية وسيطرتها على المشهد الثقافي، أشار توفيق إلى أنها سيطرت وهيمنت على المشهد الثقافي، ولكن القضية ليست مجرد تخصص مهني أو اختيار مسار دراسي يتيح للإنسان اختيار الطريق الأكثر ربحًا أو الأفضل أو حيثما تميل الرياح. بل الموهبة تسبق المشهد الثقافي، ويجد الإنسان نفسه في "قدره" المحدد سلفًا في موضوع الكتابة، سواء في الشعر أو في غيره، بغض النظر عن مؤشرات الواقع. جمهور الأدب واحد بطبيعته، فالرواية الجيدة والقصيدة الجيدة لهما قارئ واحد.
أما من حيث السياق التاريخي، فيعبر الشعر عن مرحلة تحررية سابقة لتلك التي تعبر عنها الرواية، كما يقول المفكر والمناضل فرانز فانون. لكن في ظروفنا العربية، هناك الشعر وهناك الرواية، ما يدل على تداخل المراحل والأهداف. وبالتالي، سيبقى الشعر، حتى وإن كانت الغلبة للرواية.
أما من حيث السياق التاريخي، فالشعر يعبر عن مرحلة تحررية سابقة عن مرحلة التحرر التي تعبر عنها الرواية، كما يقول المفكر والمناضل فرانز فانون، لكن في ظروفنا العربية، هناك الشعر وهناك الرواية دلالة على تداخل المراحل والأهداف، وبالتالي سيبقى الشعر ولو كانت الغلبة للرواية.
عمل توفيق مدرساً في وزارة التربية والتعليم (1980-2000)، وفي عدد من المدارس والجامعات الخاصة. نال جائزة ناجي نعمان الأدبية من مؤسسة ناجي نعمان للثقافة بالمجان/ لبنان سنة 2004 عن قصيدته "على باب الدمشقيات"، وهو عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، والجمعية الفلسفية الأردنية. صدر له عن "الآن": "النقد الفلسفي".
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق