هل يمكن لأوروبا مواجهة ترامب وخططه الموجعة خاصة بقضيتي أوكرانيا و"الناتو؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عواصم - من المؤكد أن مشهد جدال الرئيس الأميركي ترامب ورئيس أوكرانيا فولوديمير زيلنسكي كان حدثا دبلوماسيا نادرا وصادما، حيث جرت العادة أن يخرج الزعماء بمشاهد الابتسامات والمصافحات الودودة أمام الكاميرات، فيما تجري المفاوضات والمناقشات الصعبة خلف الكواليس. لكن يبدو أن إدارة ترامب استحدثت بروتوكولا خاصا لضيوفه يعمد خلاله إلى استعراض نفوذه والضغط عليهم أمام الشاشات سعيا لانتزاع تنازلات بعينها.اضافة اعلان
لكن زيلنسكي لم يكن يمثل نفسه، أو حتى أوكرانيا فحسب، لكنه كان ممثلا للتحالف الأطلسي بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين والتي كانت أوكرانيا ميدان عمله الرئيسي خلال السنوات الثلاثة الماضية. لذلك فإن سلوك ترامب وإدارته في ذلك اليوم كان أشبه برسالة ضمنية إلى الأوروبيين حول الطبيعة الجديدة للتحالف الأطلسي.
لقد ألقى ترامب قنبلة في الملعب الأوروبي مطالبًا دول القارة ضمنيا إما الاستسلام لعرضه للتسوية في أوكرانيا وقبول أن تصبح أوروبا بأسرها مجرد تابع للعم سام، أو تحمل المسؤولية والتصدي لبوتين ونشر قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية كبداية، والاستعداد لتخلي أميركا عن التزاماتها الأوروبية في النهاية.
وهنا تحديدا تظهر الأسئلة الكبيرة: هل تكون سنوات ترامب الاربع بداية النهاية للتحالف الاستراتيجي الأوروبي الأميركي الذي ترسخ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؟ وإذا انهار هذا التحالف هل تستطيع أوروبا الصمود وحدها الصمود في مواجهة الخصوم المتربصين وفي مقدمتهم روسيا التي لا تخفي نواياها لقضم المزيد من أراضي أوروبا؟ وعلى المدى الأقصر، هل تستطيع الدول الأوروبية الآن الاستمرار في دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا بدون الولايات المتحدة التي تحملت الحصة الأكبر من ذلك الدعم خلال السنوات الثلاثة الماضية؟
الاجابة على ذلك السؤال تكمن بثلاثة سيناريوهات:- السيناريو الأول، ويفتضرض أن أوروبا لن تتوقف عن القتال حتى لو قررت أميركا الانسحاب والتخلي عنها، لأن البديل هو ببساطة السماح لروسيا بالمزيد من التوسع في الأراضي الأوروبية.
وحتى تستمر أوروبا في القتال عليها أن تتبنى بشكل حاسم عددا من السياسات غير المعتادة من بينها: مصادرة الأصول الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية، بذريعة التعويض عن الأضرار التي سببتها روسيا خلال الحرب، واستخدامها في دعم الصناعات الدفاعية في أوكرانيا وأوروبا، وزيادة إنفاقها الدفاعي إلى ما يعادل 3 % من ناتجها المحلي الإجمالي، إذا لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل، وأن تضع خططًا لرفعه إلى 5 % في غضون السنوات الثلاث المقبلة، وأن تنشئ بنكًا حكوميًّا لإعادة التسلح، مع العمل في الوقت نفسه على زيادة إنتاجها من الأسلحة النووية، وفق المقترحات التي طرحها جارفان والش، المستشار السابق للسياسة الأمنية الوطنية والدولية لحزب المحافظين البريطاني.
أما السيناريو الثاني، فيحتم التوجه شرقًا وبناء شراكات أوروبية مع  روسيا والصين، فقد أوردت مجلة "فورين بوليسي" طرحا للكاتب كيشور محبوباني، وهو مؤلف كتاب "هل فازت الصين؟ بينت فيه أن التحدي الصيني للتفوق الأميركي"، ثلاثة مسارات أساسية يجب على الدول الأوروبية التحرك مباشرة نحوها استجابة للتهديد الأميركي في عهد ترامب.
أول هذه المسارات أن تعلن أوروبا عن استعدادها للانسحاب من حلف شمال الأطلسي، لأنه إذا قامت أوروبا بتخصيص ما بين 4 و5 % من دخلها القومي للإنفاق العسكري فلن تكون هناك حاجة إلى الولايات المتحدة التي تتحكم فيها وتوجه سياساتها، لأن 5 % من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة معًا عام 2024 تعادل 1.1 تريليون دولار، وهو ما يتجاوز الإنفاق الدفاعي الأميركي الذي بلغ 824 مليار دولار في عام 2024 بنحو 300 مليار دولار.
ويرى كيشور محبوباني أن التهديد الواضح بالانسحاب من "الناتو"، والاستقلال الأوروبي عن الولايات المتحدة، كفيل بدفع ترامب للتعامل مع أوروبا باحترام، أما إصرار الأوروبيين على البقاء في الحلف بعد تصرفات إدارة ترامب "الاستفزازية" فيُعطي انطباعا للعالم بأنهم "يلعقون الأحذية التي تركلهم في وجوههم".
أما المسار الثاني في إطار هذا السيناريو كما طرحه محبوباني فيشمل السعي إلى صفقة إستراتيجية كبرى جديدة بين أوروبا وروسيا، بحيث يستوعب كل جانب المصالح الأساسية للجانب الآخر وهي دعوة ثورية إلى حد بعيد تناقض أسس التنافس الدولي في حقبة الحرب الباردة وما بعدها.
وبعد إعادة بناء الثقة الإستراتيجية بين روسيا وأوروبا الجديدة المستقلة إستراتيجيًّا، يرى محبوباني أن أوكرانيا يمكن أن تعمل كجسر بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بدلًا من أن تكون نقطة خلاف.
وبعد هذا يأتي المسار الثالث القائم على التوصل إلى اتفاق إستراتيجي جديد مع الصين، في مواجهة الحرب التجارية التي يشنها ترامب ضد الجميع، وحرب التعريفات التي يهدد بها اقتصاديات الجميع. وكما هو واضح، فإن هذا السيناريو يفترض عملية إعادة تنظيم واسعة للنظام الدولي بحيث تتكتل القوى المتباينة على أساس مصلحتها المشتركة في معارضة الهيمنة الأميركية.
غير أن هذا السيناريو يظل غير مرجح إلى حد بعيد، لأنه حتى تلك اللحظة، يظل العداء بين أوروبا وروسيا أكثر تجذرا وترسخا بكثير من الخلافات بين أوروبا والولايات المتحدة، التي يرى الكثير من الأوروبيين أنها مرتبطة بميول ترامب وفريقه وليس بتغيرات جوهرية في مصالح واشنطن وخياراتها السياسية الإستراتيجية.
أما السيناريو الثالث وأساسه التفكك الأوروبي أمام التغول الأميركي، ففي الوقت الذي يقوم فيه السيناريو الأول على وجود توافق أوروبي، وإمكانية تعزيز القدرات الأوروبية الذاتية في مواجهة احتمالات العدو الروسي، ينظر السيناريو الثالث بعين الاعتبار أكثر إلى التصدعات في البنيان السياسي للقارة الأوروبية، وكون أوروبا غير موحدة، وإلى الانقسام الواضح بين القادة الأوروبيين فيما يخص التعامل مع ترامب وأميركا، الذي يعوق إمكانيات اتحاد أوروبا، ويُعزز من فرص نجاح سياسات ترامب.
ويصب الانقسام الأوروبي الواضح في مصلحة أميركا التي تهمين على التحالف الأطلسي مستغلة ضعف حلفائها الأوروبيين. من جانبها، وعلى الرغم من دعوات الاستقلالية التي تقفز إلى الواجهة بين الحين والآخر، تدرك أوروبا أن التحالف مع أميركا لا غنى عنه في الوقت الراهن، بسبب التكاليف الباهظة للاستقلال الأمني الأوروبي من ناحية، وبالنظر إلى أن الاعتماد على الصين أو السماح لروسيا بإعادة تشكيل النظام الأمني في أوروبا ليسا خيارين قابلين للتطبيق الآن.
والسيناريو الرابع فيستند على قبول أوكرانيا ضغوط ترامب في ظل اقتناع القادة في البلاد بأنه لولا الدعم الأميركي خلال السنوات الثلاث الماضية لما استطاعت كييف الصمود أمام التوغل الروسي في أراضيها.
وتبقى جميع الخيارات مؤلمة أمام الدول الاوروبية، بعدما ركنت فترة طويلة للدعم الاميركي، في جميع المجالات، وأبرزها الدعم القوي لـ"الناتو".-(وكالات)
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق