د. بدرية بنت علي الشعيبية
سعيد بن علي بن جمعة المغيري ولد سنة 1300هـ/ 1882م في بلدة فلج المشايخ بجعلان بني بو حسن، تلقى تعليمه الأولي على يد جده جمعة بن سعيد المغيري، وفي مرحلة من حياته انتقل للعيش في بمبا أو ما كان العمانيون يطلقون عليها الجزيرة الخضراء، عُين في عام 1932م عضوا في المجلس التشريعي، وكان شخصا فاعلا في المجلس ساهم من خلاله في إعادة التبادل التجاري بين بمبا وتنجانيقا بعد توقفها قرابة الأربعين عاما، ومُنح لقب صاحب العزة، ومنحه السلطان خليفة بن حارب البوسعيدي وسام الكوكب الدري من الدرجة الثالثة.
يعد سعيد بن علي أحد أكبر مزارعي شجرة القرنفل وجوز الهند في الجزيرة الخضراء، وكان كثيرًا ما يخاطب الحكومة بمطالب المزارعين واحتياجاتهم، فلقبه المزارعون بـ«ديك الجزيرة». وعارض وبشدة مشروع قطع أشجار القرنفل في الجزيرة الخضراء نظرًا لإصابتها بمرض يترتب عليه موت الأشجار بشكل فجائي. هذه المعارضة ترتب عليها موافقة الحكومة على طلبه لأن حاجته كانت في محلها، وعن دراية وخبرة.
كان سعيد بن علي رجلا محبا للسفر والاطلاع والمعرفة، خرج في عام 1912م في رحلة لأداء فريضة الحج وزيارة المدينة المنورة والصلاة في المسجد النبوي الشريف، وبعدها سافر عن طريق البحر الأحمر مواصلا رحلته إلى مصر وبلاد الشام، وزار بيت المقدس والعديد من المدن الفلسطينية.
رافق الشيخ سعيد بن علي المغيري السلطان خليفة بن حارب في رحلته الأوروبية التي قام بها من أجل حضور حفل تتويج جورج السادس ملكا على بريطانيا سنة 1937م، وقد كتب كتابا يحكي تفاصيل هذه الرحلة ويقول المغيري في مقدمتها: «فلما سعدت بصحبة السلطان الهمام المعظم، والسيد المكرم، السلطان خليفة بن حارب بن ثويني بن سعيد بن سلطان بن الإمام، سلطان زنجبار إلى لندن لأجل تتويج ملك بريطانيا العظمى جورج السادس وارتقائه عرش آبائه وأجداده الملوك العظام، وشاهدت ورأيت العجب العجاب في سفرنا هذا، من غرائب الدنيا وعجائبها، اشتاقت نفسي إلى رسم ما شاهدته في سفرنا هذا، ومن غرائب الدنيا وعجائبها، اشتاقت نفسي إلى أن أرسم ما شاهدته على وجه القرطاس حتى تبقى أسفار هذا الملك السعيد أياما عديدة، وأعواما مديدة». وزار بريطانيا في عام 1953م لحضور حفل تتويج الملكة اليزابث الثانية، وكانت له زيارة ثالثة لبريطانيا عام 1960م.
نال سعيد بن علي في بريطانيا أربعة أوسمة، نظرا لجهوده في خدمة وطنه. حيث كان للشيخ سعيد بن علي اهتمام بالجانب الخيري، فقد بنى المدارس والمساجد في كل من زنجبار وبمبا، كما بنى في ويته مسجدا ومدرسة، وبنى مسجدا في مكواني ومصلى بالقرب من الميناء. كما أنشأ مدرسة في الجزيرة الخضراء أسماها «المدرسة السعيدية» تخليدا لذكرى السيد سعيد بن سلطان، وبنى مدرسة في كفوندي، وقف لها ألف شجرة من أشجار القرنفل. وكان يقوم في رمضان بتقديم خدمة إفطار صائم، وأوقف منزلا لهذه المهمة الجليلة، وأوقف أحد بيوته ليكون مدرسة للقرآن الكريم. كما أوقف مالا لكسوة العيدين لفقراء المسلمين.
كتب كتاب «جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار»، وبدأ في تأليفه في السابع من شهر رمضان المبارك سنة 1357هـ / 30 / 10/ 1938م، ويعد هذا الكتاب مصدرا مهما في دراسة التاريخ العماني في الشرق الإفريقي، اتبع المغيري في كتابة هذا الكتاب التسلسل الزمني التاريخي في كتابة الأحداث، قدم المغيري للكتاب بمقدمة وضح من خلالها هدف من كتابة الكتاب حيث قال: «فقد أجمعت عزمي بعون من الله وتوفيقه على تأليف كتاب يحتوي على تاريخ بعض أخبار الملوك الذين سادوا على القارة الإفريقية الشرقية... طالبا لبيان الملوك الذين سادوا على هذه القارة الإفريقية الشرقية من العرب وغير العرب وخصوصا ملوك عمان وذلك من التاريخ الإسلامي إلى وقتنا هذا في عهد صاحب العظمة السلطان خليفة بن حارب بن ثويني بن سعيد بن سلطان ابن الإمام أحمد، سلطان زنجبار والجزيرة الخضراء، أدام الله دولته، وأعلى كلمته».
عرف المغيري في كتابه فيها علم التاريخ، ثم قدم دراسة يوضح من خلالها تاريخ استكشاف القارة السمراء من قبل الأوروبيين، ثم يذكر أهم المناطق الجغرافية الإفريقية الشرقية، ويتناولها تاريخيا ثم جغرافيا ثم القبائل التي تقطنها. وتناول بالشرح السكان الأصليين وأصولهم ونمط حياتهم وعلاقتهم بالعمانيين.
أشار المغيري إلى الوجود البرتغالي في إفريقيا الشرقية ويتناول الدور العماني في طرد البرتغاليين منها، وتناول بكثير من التفصيل عن الدولة اليعربية ودورها في الشرق الإفريقي في طرد البرتغاليين، ثم يتناول فترة استقلال المزاريع الذين كانوا ولاة لليعاربة في شرقي إفريقيا، وحين حكم الإمام أحمد بن سعيد قرر المزاريع الاستقلال بولايتهم مما دفع السيد سعيد بن سلطان لمحاربتهم.
يسترسل المغيري في شرح تاريخ الدولة البوسعيدية وسرد مظاهر الحياة الحضرية والعمرانية في شرقي إفريقيا خلال فترة حكم الدولة البوسعيدية. وإعطاء معلومات مفصلة عن القبائل العمانية التي سكنت شرقي إفريقيا وأماكن استقرارها، وتناول بالدراسة جميع شرائح المجتمع في شرح إفريقيا ودرس الجاليات التي تسكنها كالجالية الهندية، ولأن المغيري كان صاحب مزارع لشجرة القرنفل فلقد كتب عن هذه الشجرة موضحا تاريخ دخولها زنجبار والبر الإفريقي، وأهمية هذه الشجرة ودورها في رفع المستوى الاقتصادي لكثير من العرب.
خصص المغيري الباب الرابع لموضوعين، الموضوع الأول الحرب العالمية الثانية والدول المتحاربة ومناطق الصراع وتأثير هذه الحرب على شرقي إفريقيا. أما الموضوع الثاني فكان لجزر القمر، فيكتب عن تاريخ جزر القمر ودور العمانيين في نشر الإسلام بها ومحاربتهم للوجود البرتغالي، ويستعرض أهم العناصر التي سكنت الجزر من غير العمانيين كالجاويين والشيرازيين و الحضارمة. ثم يكتب عن أبرز علماء جزر القمر وإسهاماتهم الحضارية. جعل المغيري الجزء الأخير من الكتاب في ذكر تأثير الحضارة الغربية والتمدن على المجتمع الإفريقي بكافة شرائحه، وانتقد المغيري هذا التغير ودعا إلى العودة للنمط الإسلامي في جميع مظاهر الحياة.
ومن أهم المصادر التي اعتمد عليها المغيري في كتابة هذا الكتاب النفيس، كتاب مروج الذهب للمسعودي وكتاب تحفة النظار وغرائب الأمصار وعجائب الأسفار لابن بطوطة وكتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للإدريسي. ورجع كذلك لعدد من الكتاب الأوربيين مثل دافيد لفنجستون وهنري ستانلي وجون سبيك وريتشارد بيرتون..
توفي الشيخ سعيد بن على المغيري في ولايته بالجزيرة الخضراء وهو في الثمانين من عمره عام 1962م.
يعد كتابه جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار كنزًا معرفيًا مميزًا حفظ الكثير من الإنجازات والإسهامات العمانية في شرق إفريقيا. ويقدم للقارئ وجهة نظر العمانيين الذين بنوا وعمروا وأصلحوا البلاد وأضافوا لها، بمساعدة أهلها، الكثير من الإنجازات الحضارية التي لا يزال الكثير منها شاهدًا وباقيًا، ورمزًا للدور العماني. العماني الذي، أينما حلّ في أرض، فإنه يبني ويعمر ويزرع ويشيد.
0 تعليق