يتعين على أنقرة وواشنطن تقديم حوافز للقيادة الجديدة في دمشق لتعزيز عملية الحكم الشامل وتحقيق النجاح في سورية.
***
عندما شنت "هيئة تحرير الشام" هجومها العسكري الذي أطاح بنظام بشار الأسد في أقل من أسبوعين، فإنها علت ذلك بموافقة تركيا. وقد وضع هذا التطور الكارثي العلاقة بين أنقرة ودمشق في صميم عملية الاستقرار في سورية في مرحلة ما بعد الأسد. وعلى الرغم من استمرار الولايات المتحدة وتركيا في تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية رسمياً، يبدو أن تركيا اتخذت قراراً صعباً يتعلق بإعادة بناء الدولة في سورية المجاورة. وهي تقوم بذلك من خلال الحكومة الانتقالية التي تقودها "هيئة تحرير الشام". كما أن لإدارة ترامب مصلحة كبيرة في رسم ملامح سورية الجديدة في مرحلة ما بعد الأسد، انسجاماً مع الأهداف المعلنة للولايات المتحدة والمتمثلة في تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، ومحاربة الإرهاب، والانسحاب النهائي للقوات الأميركية من سورية. ولتحقيق هذه الأهداف، يتعين على واشنطن فهم طبيعة العلاقة بين الحكومة السورية الجديدة وتركيا؛ الحليف في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاستفادة منها بالشكل الأمثل.اضافة اعلان
تطور العلاقة بين تركيا
و"هيئة تحرير الشام"
أكد الاجتماع الذي عقد في الرابع من شباط (فبراير) في أنقرة بين الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع والرئيس التركي رجب طيب أردوغان -وهي الزيارة الثانية التي يقوم بها الشرع إلى الخارج منذ توليه منصبه- على تحول ملحوظ في ديناميات القوة بين الطرفين في صياغة مستقبل سورية. خلال السنوات الأخيرة، سعت تركيا إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد الذي كانت ترفضه سابقاً، في حين كانت "هيئة تحرير الشام" التابعة للشرع تدير دويلة في شمال غرب سورية، المتاخمة لتركيا، في ما يشبه حالة من الصراع المجمد. كما تشير الأحداث الأخيرة إلى أن العلاقة بين أنقرة ودمشق أصبحت الآن أكثر متانة بعد أن قطعت شوطاً طويلاً منذ العام 2012، حين تولى الشرع قيادة "جبهة النصرة"، التي تحولت لاحقاً إلى "هيئة تحرير الشام".
مع مرور السنين، أصبح محور انتقاد الشرع للسياسة التركية بشكل العام ولأنقرة بشكل خاص أكثر وضوحاً. في البداية، كان الصراع ذا طابع أيديولوجي بحت، إلا أنه تحول فيما بعد ليأخذ طابعاً قائماً على الجغرافيا السياسية والمصالح. فعلى سبيل المثال، انتقد الشرع في أول رسالة دعائية له بصفته زعيماً لـ"جبهة النصرة" في كانون الثاني (يناير) 2012 تركيا لدورها كحليف للولايات المتحدة و"ادعاءاتها الزائفة بخدمة الأمة الإسلامية بأكملها". وعكس هذا التصريح الأيديولوجي الجهادي التقليدي رؤية مفادها بأن قادة تركيا ليسوا إسلاميين في الواقع، بل ينفذون أوامر واشنطن ولا يخدمون مصالح المسلمين في العالم.
يكشف هذا عن تناقض جلي مع تصريحات الشرع في العام 2023، عندما وجه انتقاداته للدول التي بدأت بتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، مشيراً إلى أن تركيا بدلت استراتيجيتها من "دعم الثورة حتى إسقاط النظام" إلى محاولة تحقيق هدفين أساسيين هما "إعادة اللاجئين إلى سورية ومنع تحول حزب العمال الكردستاني إلى دولة على الحدود التركية". وتعتبر تركيا الجماعات الكردية المسيطرة على شمال شرق سورية امتداداً لحزب العمال الكردستاني؛ الخصم المحلي لأنقرة. ومن هذا المنطلق، اعتقد الشرع أنه من الضروري أن تتخذ "هيئة تحرير الشام" خطوات حاسمة لإسقاط النظام بدلاً من الاعتماد على تحركات خارجية، مع تأكيده أن التغيير في السياسات التركية كان مرتبطاً بمصالحها الوطنية، حتى وإن اختلف معها.
تجدر الإشارة إلى أن تركيا كانت قد صنفت "جبهة النصرة" و"هيئة تحرير الشام" ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، ووفقاً لقائمة الأمم المتحدة للتصنيفات. أضف إلى ذلك أن المسؤولين الأتراك كانوا يمتنعون عن إقامة أي علاقة مع "هيئة تحرير الشام" أو "جبهة النصرة"، وذلك على المستويين السياسي والدبلوماسي على أقل تقدير.
غير أنه في السنوات التي تلت اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة روسية-تركية في آذار (مارس) 2020، بدا أن جهاز الاستخبارات الوطنية التركي -الذي انخرط في الحرب الأهلية السورية منذ ما يقرب من عقد- أظهر مؤشرات على تغيير موقفه وإقامة علاقات أوثق مع "هيئة تحرير الشام". واستناداً إلى المحادثات التي أجراها الكاتب مع العديد من المحللين، فقد استلزم ذلك تزويد "هيئة تحرير الشام" بالأسلحة والتدريب والمعلومات الاستخباراتية التي مهدت للهجوم الذي أطاح بنظام الأسد. كما تكشف الاتصالات الخاصة مع مصادر تركية عن أنه بحلول صيف العام 2024، أدركت أنقرة أن الأسد لم يكن راغباً في قبول شروطها لإنهاء الحرب، التي اشتملت على إعادة ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سوري موجودين في تركيا. وعلى إثر ذلك، شرعت أنقرة في العمل على دعم هجوم "هيئة تحرير الشام" إما لإجبار النظام على العودة إلى طاولة المفاوضات من موقف ضعف أو للإطاحة بالأسد بشكل نهائي.
انخراط أنقرة في مرحلة ما بعد الأسد
منذ سقوط النظام في الثامن من كانون الأول (ديسمبر)، برزت تركيا كأكثر الدول انخراطاً مع الحكومة الانتقالية في دمشق في إطار مواجهتها مهمة شاقة تتمثل في بناء الدولة المجاورة، وعلى رأس المهمات تعزيز الاستقرار. فإذا انزلقت سورية مجدداً إلى الفوضى، ستواجه تركيا أكبر مخاوفها المتمثلة في عودة حالة الاضطراب، وانطلاق موجات لجوء جديدة، وزيادة الهجمات الإرهابية.
نتيجة لذلك، عقدت المؤسسات الحكومية التركية والمنظمات غير الحكومية -بمختلف توجهاتها السياسية والدبلوماسية والتجارية والإنسانية- ثلاثة وتسعين اجتماعاً مع الحكومة الجديدة حتى لحظة كتابة هذه السطور. وفي المقابل، عقدت المملكة العربية السعودية، التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث النشاط، أربعة وثلاثين اجتماعاً مماثلاً. وفي حين ركزت معظم الدول على العاصمة، كان المسؤولون الأتراك يجوبون مختلف المناطق السورية، مثل حلب وداريا ودير الزور وحماة وحمص وإدلب واللاذقية- للقاء المسؤولين المحليين والوقوف على متطلبات مساعدة سورية وإعادة إعمارها. ويبدو جلياً أن أنقرة مصممة على اتخاذ التدابير كافة اللازمة لضمان نجاح سورية الجديدة.
ستمثل الشركات التركية ذات الخبرة الراسخة مصدر قوة لهذا الجهد؛ فبجانب تنوع اقتصادها وشركاتها، أثبتت تلك الشركات قدرتها على الازدهار في الدول التي تعاني من الضعف أو الفشل، مثل العراق في ذروة صراعه الطائفي الداخلي وفي جنوب السودان. وفي الوقت الحالي، تتمتع الشركات التركية بموقع متميز لتقديم السلع والخدمات لسورية، وهو ما سيكون عاملاً حاسماً في نجاح الحكومة الجديدة.
توصيات سياسية
توفر العلاقة الناشئة بين دمشق وتركيا نفوذاً كبيراً للحكومة الجديدة، إلا أن السؤال يكمن في كيفية تعامل قادة سورية الجدد مع هذا النفوذ مع مرور الوقت. فعلى الرغم من أن دمشق ليست خاضعة لتركيا، إلا أنها ستستمع إلى نصائح أنقرة -ولا سيما إذا كانت مصحوبة بحوافز مثل توفير الكهرباء من الشبكة التركية، أو الضغط على واشنطن والاتحاد الأوروبي لإلغاء العقوبات المفروضة على دمشق.
وتدرك القيادة الجديدة أنه إذا لم تبدأ عملية إعادة الإعمار بصورة عاجلة، وإذا أخفقت في توفير الخدمات الأساسية في المستقبل القريب، فإنها ستواجه معارضة من العناصر المتشددة في الداخل، بما فيها "تنظيم القاعدة" وتنظيم "داعش". وعليه، سيتجاوب الشرع مع نصيحة أنقرة إذا ما اقترنت بدعم دولي وأموال لإعادة الإعمار.
وعلى نحو مماثل، لدى إدارة ترامب مصالح كبيرة في ضمان نجاح سورية، بدءاً من منع تدفق المزيد من اللاجئين وصولاً إلى الحد من النفوذ الإيراني. غير أنها تفضل تجنب تخصيص موارد أميركية كبيرة لتحقيق ذلك. ولتحقيق التوازن بين هذه الأهداف، ينبغي على واشنطن الاستفادة من العلاقة الجديدة بين تركيا وسورية. ومن خلال العمل المشترك، يمكن لكل من أنقرة وواشنطن تقديم الحوافز اللازمة لإحداث تغيير في دمشق وتحقيق الاستقرار في سورية ووضع حد للتهديدات المنطلقة من هناك. وستكتسب ثلاثة محفزات أهمية خاصة:
• إلغاء العقوبات المتعلقة بأجهزة الدولة في عهد الأسد، لا سيما في قطاعات مثل الكهرباء والمصارف، مما قد يوفر إغاثة أولية للسكان.
• توفير الموارد اللازمة لإعادة الإعمار، لا سيما من الدول الأوروبية التي تقلق من تدفقات اللاجئين ودول الخليج الغنية التي تخشى من احتمال عدم الاستقرار الإقليمي وفقدان النفوذ.
• دعم الاعتراف الدولي بالحكومة الانتقالية التي تقودها "هيئة تحرير الشام"، بما أنها تظهر علامات أكبر على الشمولية.
وفي المقابل، على الرئيس ترامب والرئيس أردوغان أن يطالبا دمشق بما يلي:
• وضع نهج شامل حقيقي تجاه صياغة الدستور الجديد والحكم.
• مواصلة منع الجهاديين من استخدام الأراضي السورية للتخطيط لهجمات خارجية.
• مواصلة ملاحقة فلول نظام الأسد وحزب الله والشبكات الإيرانية المتورطة في تهريب الكبتاغون والأسلحة.
• العمل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتدمير ما تبقى من البنية التحتية للأسلحة الكيميائية لنظام الأسد.
***
عندما شنت "هيئة تحرير الشام" هجومها العسكري الذي أطاح بنظام بشار الأسد في أقل من أسبوعين، فإنها علت ذلك بموافقة تركيا. وقد وضع هذا التطور الكارثي العلاقة بين أنقرة ودمشق في صميم عملية الاستقرار في سورية في مرحلة ما بعد الأسد. وعلى الرغم من استمرار الولايات المتحدة وتركيا في تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية رسمياً، يبدو أن تركيا اتخذت قراراً صعباً يتعلق بإعادة بناء الدولة في سورية المجاورة. وهي تقوم بذلك من خلال الحكومة الانتقالية التي تقودها "هيئة تحرير الشام". كما أن لإدارة ترامب مصلحة كبيرة في رسم ملامح سورية الجديدة في مرحلة ما بعد الأسد، انسجاماً مع الأهداف المعلنة للولايات المتحدة والمتمثلة في تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، ومحاربة الإرهاب، والانسحاب النهائي للقوات الأميركية من سورية. ولتحقيق هذه الأهداف، يتعين على واشنطن فهم طبيعة العلاقة بين الحكومة السورية الجديدة وتركيا؛ الحليف في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاستفادة منها بالشكل الأمثل.اضافة اعلان
تطور العلاقة بين تركيا
و"هيئة تحرير الشام"
أكد الاجتماع الذي عقد في الرابع من شباط (فبراير) في أنقرة بين الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع والرئيس التركي رجب طيب أردوغان -وهي الزيارة الثانية التي يقوم بها الشرع إلى الخارج منذ توليه منصبه- على تحول ملحوظ في ديناميات القوة بين الطرفين في صياغة مستقبل سورية. خلال السنوات الأخيرة، سعت تركيا إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد الذي كانت ترفضه سابقاً، في حين كانت "هيئة تحرير الشام" التابعة للشرع تدير دويلة في شمال غرب سورية، المتاخمة لتركيا، في ما يشبه حالة من الصراع المجمد. كما تشير الأحداث الأخيرة إلى أن العلاقة بين أنقرة ودمشق أصبحت الآن أكثر متانة بعد أن قطعت شوطاً طويلاً منذ العام 2012، حين تولى الشرع قيادة "جبهة النصرة"، التي تحولت لاحقاً إلى "هيئة تحرير الشام".
مع مرور السنين، أصبح محور انتقاد الشرع للسياسة التركية بشكل العام ولأنقرة بشكل خاص أكثر وضوحاً. في البداية، كان الصراع ذا طابع أيديولوجي بحت، إلا أنه تحول فيما بعد ليأخذ طابعاً قائماً على الجغرافيا السياسية والمصالح. فعلى سبيل المثال، انتقد الشرع في أول رسالة دعائية له بصفته زعيماً لـ"جبهة النصرة" في كانون الثاني (يناير) 2012 تركيا لدورها كحليف للولايات المتحدة و"ادعاءاتها الزائفة بخدمة الأمة الإسلامية بأكملها". وعكس هذا التصريح الأيديولوجي الجهادي التقليدي رؤية مفادها بأن قادة تركيا ليسوا إسلاميين في الواقع، بل ينفذون أوامر واشنطن ولا يخدمون مصالح المسلمين في العالم.
يكشف هذا عن تناقض جلي مع تصريحات الشرع في العام 2023، عندما وجه انتقاداته للدول التي بدأت بتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، مشيراً إلى أن تركيا بدلت استراتيجيتها من "دعم الثورة حتى إسقاط النظام" إلى محاولة تحقيق هدفين أساسيين هما "إعادة اللاجئين إلى سورية ومنع تحول حزب العمال الكردستاني إلى دولة على الحدود التركية". وتعتبر تركيا الجماعات الكردية المسيطرة على شمال شرق سورية امتداداً لحزب العمال الكردستاني؛ الخصم المحلي لأنقرة. ومن هذا المنطلق، اعتقد الشرع أنه من الضروري أن تتخذ "هيئة تحرير الشام" خطوات حاسمة لإسقاط النظام بدلاً من الاعتماد على تحركات خارجية، مع تأكيده أن التغيير في السياسات التركية كان مرتبطاً بمصالحها الوطنية، حتى وإن اختلف معها.
تجدر الإشارة إلى أن تركيا كانت قد صنفت "جبهة النصرة" و"هيئة تحرير الشام" ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، ووفقاً لقائمة الأمم المتحدة للتصنيفات. أضف إلى ذلك أن المسؤولين الأتراك كانوا يمتنعون عن إقامة أي علاقة مع "هيئة تحرير الشام" أو "جبهة النصرة"، وذلك على المستويين السياسي والدبلوماسي على أقل تقدير.
غير أنه في السنوات التي تلت اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة روسية-تركية في آذار (مارس) 2020، بدا أن جهاز الاستخبارات الوطنية التركي -الذي انخرط في الحرب الأهلية السورية منذ ما يقرب من عقد- أظهر مؤشرات على تغيير موقفه وإقامة علاقات أوثق مع "هيئة تحرير الشام". واستناداً إلى المحادثات التي أجراها الكاتب مع العديد من المحللين، فقد استلزم ذلك تزويد "هيئة تحرير الشام" بالأسلحة والتدريب والمعلومات الاستخباراتية التي مهدت للهجوم الذي أطاح بنظام الأسد. كما تكشف الاتصالات الخاصة مع مصادر تركية عن أنه بحلول صيف العام 2024، أدركت أنقرة أن الأسد لم يكن راغباً في قبول شروطها لإنهاء الحرب، التي اشتملت على إعادة ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سوري موجودين في تركيا. وعلى إثر ذلك، شرعت أنقرة في العمل على دعم هجوم "هيئة تحرير الشام" إما لإجبار النظام على العودة إلى طاولة المفاوضات من موقف ضعف أو للإطاحة بالأسد بشكل نهائي.
انخراط أنقرة في مرحلة ما بعد الأسد
منذ سقوط النظام في الثامن من كانون الأول (ديسمبر)، برزت تركيا كأكثر الدول انخراطاً مع الحكومة الانتقالية في دمشق في إطار مواجهتها مهمة شاقة تتمثل في بناء الدولة المجاورة، وعلى رأس المهمات تعزيز الاستقرار. فإذا انزلقت سورية مجدداً إلى الفوضى، ستواجه تركيا أكبر مخاوفها المتمثلة في عودة حالة الاضطراب، وانطلاق موجات لجوء جديدة، وزيادة الهجمات الإرهابية.
نتيجة لذلك، عقدت المؤسسات الحكومية التركية والمنظمات غير الحكومية -بمختلف توجهاتها السياسية والدبلوماسية والتجارية والإنسانية- ثلاثة وتسعين اجتماعاً مع الحكومة الجديدة حتى لحظة كتابة هذه السطور. وفي المقابل، عقدت المملكة العربية السعودية، التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث النشاط، أربعة وثلاثين اجتماعاً مماثلاً. وفي حين ركزت معظم الدول على العاصمة، كان المسؤولون الأتراك يجوبون مختلف المناطق السورية، مثل حلب وداريا ودير الزور وحماة وحمص وإدلب واللاذقية- للقاء المسؤولين المحليين والوقوف على متطلبات مساعدة سورية وإعادة إعمارها. ويبدو جلياً أن أنقرة مصممة على اتخاذ التدابير كافة اللازمة لضمان نجاح سورية الجديدة.
ستمثل الشركات التركية ذات الخبرة الراسخة مصدر قوة لهذا الجهد؛ فبجانب تنوع اقتصادها وشركاتها، أثبتت تلك الشركات قدرتها على الازدهار في الدول التي تعاني من الضعف أو الفشل، مثل العراق في ذروة صراعه الطائفي الداخلي وفي جنوب السودان. وفي الوقت الحالي، تتمتع الشركات التركية بموقع متميز لتقديم السلع والخدمات لسورية، وهو ما سيكون عاملاً حاسماً في نجاح الحكومة الجديدة.
توصيات سياسية
توفر العلاقة الناشئة بين دمشق وتركيا نفوذاً كبيراً للحكومة الجديدة، إلا أن السؤال يكمن في كيفية تعامل قادة سورية الجدد مع هذا النفوذ مع مرور الوقت. فعلى الرغم من أن دمشق ليست خاضعة لتركيا، إلا أنها ستستمع إلى نصائح أنقرة -ولا سيما إذا كانت مصحوبة بحوافز مثل توفير الكهرباء من الشبكة التركية، أو الضغط على واشنطن والاتحاد الأوروبي لإلغاء العقوبات المفروضة على دمشق.
وتدرك القيادة الجديدة أنه إذا لم تبدأ عملية إعادة الإعمار بصورة عاجلة، وإذا أخفقت في توفير الخدمات الأساسية في المستقبل القريب، فإنها ستواجه معارضة من العناصر المتشددة في الداخل، بما فيها "تنظيم القاعدة" وتنظيم "داعش". وعليه، سيتجاوب الشرع مع نصيحة أنقرة إذا ما اقترنت بدعم دولي وأموال لإعادة الإعمار.
وعلى نحو مماثل، لدى إدارة ترامب مصالح كبيرة في ضمان نجاح سورية، بدءاً من منع تدفق المزيد من اللاجئين وصولاً إلى الحد من النفوذ الإيراني. غير أنها تفضل تجنب تخصيص موارد أميركية كبيرة لتحقيق ذلك. ولتحقيق التوازن بين هذه الأهداف، ينبغي على واشنطن الاستفادة من العلاقة الجديدة بين تركيا وسورية. ومن خلال العمل المشترك، يمكن لكل من أنقرة وواشنطن تقديم الحوافز اللازمة لإحداث تغيير في دمشق وتحقيق الاستقرار في سورية ووضع حد للتهديدات المنطلقة من هناك. وستكتسب ثلاثة محفزات أهمية خاصة:
• إلغاء العقوبات المتعلقة بأجهزة الدولة في عهد الأسد، لا سيما في قطاعات مثل الكهرباء والمصارف، مما قد يوفر إغاثة أولية للسكان.
• توفير الموارد اللازمة لإعادة الإعمار، لا سيما من الدول الأوروبية التي تقلق من تدفقات اللاجئين ودول الخليج الغنية التي تخشى من احتمال عدم الاستقرار الإقليمي وفقدان النفوذ.
• دعم الاعتراف الدولي بالحكومة الانتقالية التي تقودها "هيئة تحرير الشام"، بما أنها تظهر علامات أكبر على الشمولية.
وفي المقابل، على الرئيس ترامب والرئيس أردوغان أن يطالبا دمشق بما يلي:
• وضع نهج شامل حقيقي تجاه صياغة الدستور الجديد والحكم.
• مواصلة منع الجهاديين من استخدام الأراضي السورية للتخطيط لهجمات خارجية.
• مواصلة ملاحقة فلول نظام الأسد وحزب الله والشبكات الإيرانية المتورطة في تهريب الكبتاغون والأسلحة.
• العمل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتدمير ما تبقى من البنية التحتية للأسلحة الكيميائية لنظام الأسد.
*د. هارون ي. زيلين: زميل أقدم في برنامج الزمالة "غلوريا وكين ليفي" في "برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات" في معهد واشنطن، حيث يتركز بحثه على الجماعات الجهادية العربية السنية في شمال أفريقيا وسورية، وعلى نزعة المقاتلين الأجانب والجهادية الإلكترونية عبر الإنترنت.
*د. سونر جاغابتاي: هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "بايير فاميلي" ومدير "برنامج الأبحاث التركية" في معهد واشنطن.
0 تعليق