فتاة تعمل فـي شركة ربحية بقسم تعويض الإصابات، تقول: عندما يحضر إليها المتضرر تقرير إصابته، وينظر فـي درجة إصابته، يطلب منها مسؤولوها العمل بتقليل حد التعويض. فمثلا يأتي المتضرر بتقرير ودرجة تعويضه 150 ريالًا، فـيطلب منها المسؤول بأن يخفض هذا المبلغ إلى 120 ريالًا. هل يدخل ذلك فـي دائرة الإثم؟
أما إن كان هذا الإنقاص إنما هو على جهة الظلم، والإنقاص من حق صاحب الحق، فليس لها أن تعينه. سيكون ذلك من باب الإعانة على الإثم والعدوان، والعياذ بالله، أما إذا كان لهذا المسؤول وجه شرعي، بنى على أساسه هذا التخفـيض، فلم يكن ذلك من الجور أو من الإنقاص من الحقوق، وإنما استند إلى ما يمكن أن يكون من العدل والإنصاف.
ففـي هذه الحالة، لا حرج. إذن، يعتمد هذا على فعل هذا المسؤول، إن كان بغيًا وعدوانًا، فليس لها أن تعينه عليه. وأما إن كان داخلا فـي العدالة والإنصاف، وكان ذلك استنادًا إلى شيء صحيح مقبول شرعًا، وهو متفق مع العدالة والإنصاف، فحينئذ لا حرج عليها، وينبغي لها أن تتبين منه لماذا هذا الإنقاص هل له وجه معتبر صحيح شرعًا، أو أنه مجرد هوى لحفظ أموال الشركة، ولو على حساب حقوق المستحقين للتعويض، فـي هذه الحالة، ينبغي لها أن تنصح إن تبين لها هذا الثاني، وفـي كل الأحوال، ليس لها أن تشترك معه، والله تعالى أعلم.
ما الحكمة أو السبب من تقديم آباء الأزواج على آباء أبناء المرأة، فـي ترتيب الأصناف فـي سورة النور: «ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن، أو آباء بعولتهن أو أبنائهن»؟
لا أذكر أنني اطلعت على من تحدث عن السر فـي هذا الترتيب فـي هذه الآية الكريمة من سورة النور، وإن كانوا يذكرون بأنهم يتفاوتون فـيما يمكن للمرأة أن تظهره، ولكن هذا لا يلزم منه أن يكون ملحوظًا فـيه الترتيب، بمعنى أن هؤلاء المحارم يتفاوتون فـي مقدار ما يمكن للمرأة أن تبديه عندهم، وذلك يرجع إلى ما قررته الآية الكريمة أولاً، من جواز ما تبديه المرأة عند هؤلاء المحارم مما تمنع من إظهاره عند غيرهم، لكنهم يتفاوتون بحسب علاقتهم.
ومداخلتها لهم، وإمكانية الاحتراز أو عدم إمكانية الاحتراز، يدخل فـي ذلك أيضًا العرف، وما هو مقبول وما ليس بمقبول، لكن الذي ينقدح فـي نفسي ذكر آباء البعولة؛ لأن الله تعالى قال فـيها: «ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن»، وهذا يعني سبب تقديمه ظاهر؛ لأن الأزواج يباح لهم كل شيء، كما يباح للنساء أيضًا النظر إلى كل ما فـي أزواجهن، ثم أيضًا اتباع الأزواج (البعولة) بالآباء -بآبائهن- أيضًا معلوم ومتوقع، وليس هو مما يسأل عنه.
قال: «إلا لبعولتهن أو آبائهن»، ثم عطف «آباء البعولة»، فقال: «أو آباء بعولتهن»، ثم عطف الأبناء، فقال: «أو أبناء بعولتهن». قلت: انقدح فـي نفسي أن هذا بيان عظيم لمكانة آباء الأزواج، وأنهم فـي مقام الآباء، للتذكير بهذا المعنى أن آباء الأزواج هم فـي مقام الآباء.
وللتذكير بالباعث، فإن الآباء هم فـي صدارة من يحفظ عرض أسرته وأهل بيته، وهم فـي مقدم من يحفظ عرض ابنته، يشترك معه فـي هذا آباء الأزواج، فهم كذلك ينظرون إلى عرض أبنائهم، فالمرأة إنما هي زوج ابنه، وهو حريص على عرض ابنه؛ لأن عرض ابنه من عرضه، ولذلك ذكر فـي (قرن) أو (أتبع) أو عطف على الآباء. قد يكون هذا هو المعنى الأقرب.
فهو ليس من باب أن المداخلة ستكون أكثر مع الأبناء، وقد عطف الأبناء على آباء البعولة، فهذا معنى، والمعنى الآخر أن الغالب فـي الأحوال أن الذرية قد تتأخر، وهذا الحكم يكون من أول الأمر، من أول الزواج، من أول العقد على المرأة، تثبت هذه الحرمة من أول العقد، فحتى لا تتحرج المرأة، ويمكن أن يظن بأن ذلك إنما يكون رهنا بوجود الذرية، هذه المعاني التي تتوارد إلى النفس. والله تعالى أعلم.
ما العلاقة بين سورة الرحمن وسورة الواقعة، حيث إن السورتين ذكرت أو قسمت أحوال الناس إلى ثلاثة أقسام، فـي سورة الرحمن ذكرت المكان المستقر فـي جهنم، ولمن خاف مقام ربه جنتان، ومن دونهما جنتان، وفـي سورة الواقعة ذكرت أحوال الناس وكنتم أزواجًا ثلاثة: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون؟
وجود علاقة خاصة ظاهرة بين السورتين لا يظهر، أما الاشتراك فـي كون سورة الرحمن تتحدث عن آلاء الله تبارك وتعالى على خلقه من الجن والإنس، وتبين واجبهم إزاء هذه النعم والآلاء التي بسطها عليهم، ثم تبين عاقبة ذلك بشيء من التفصيل والبيان، فإن هذا الموضوع يلتقي مع ما تحدثت عنه سورة الواقعة من موضوعات.
فالاشتراك هنا، كما أشار السائل، هو من حيث بيان أصناف العباد فـي تفاعلهم، فـي تجاوبهم، فـي استجابتهم لما بعث الله تبارك وتعالى به أنبياءه ورسله، وما أنزله من هدايات للعباد، والمصائر التي ينقلبون إليها، وهذا يلتقي مع عموم مقاصد كتاب الله عز وجل.
فإن المقاصد الكبرى للقرآن الكريم يمكن إجمالها فـي التعريف بالتوحيد، والتعريف بالخالق جل وعلا، وهذا هو المقصد الأسمى الأظهر فـي آيات الكتاب العزيز، وهذا المقصد متحقق فـي السورتين، ثم فـي تعريف الطريق إلى الله تبارك وتعالى، وهذا أيضًا موجود على جهة الإجمال، لا على جهة التفصيل فـي السورتين أيضًا، والمقصود بجهة الإجمال أنه يعرف بالخصائص والصفات التي تفضي إلى الجنة للطائعين الصالحين المخلصين، أو تفضي إلى العقاب والعياذ بالله للعصاة الذين يتبعون سبل الرواية والضلال.
والمقصد الثالث، بعد التعريف بالتوحيد أو التعريف بالله جل وعلا، وبعد التعريف بالطريق الموصلة إليه، هو بيان أحوال السالكين فـي هذا الطريق. وكلا الصورتين أيضًا فـيهما قدر لا بأس به من بيان أحوال السالكين.
والمقصد الرابع، أي المقصد الكلي الرابع، هو بيان عاقبة هذه الطرق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى، والسورتان تركزان على هذا الجانب كثيرًا، إذن، هذه هي العناصر المشتركة بين السورتين فـيما يظهر، والله تعالى أعلم.
أنا مصاب بمرض باركنسون المعروف باسم الرعاش، إلا أن الإصابة لدي تشكل عائقًا ويعيقني ثقل الحركة وصعوبة التنقل، مما يسبب لي الكثير من الصعوبة، فـي بعض الأوقات، أواجه صعوبة فـي الوصول إلى المسجد، رغم أن المسافة لا تتجاوز 100 متر، وكذلك أعاني من بطء فـي الكلام مما يؤثر على تأخري فـي بعض الركعات أو صلاة الجماعة، هل أعتبر معذورًا فـي هذه الحالة؟
أسأل الله تبارك وتعالى العظيم، رب العرش العظيم، أن يذهب بأسه، وأن يشفـيه شفاءً لا يغادر سقما ولا علة، وأن يزيل عنه علته، وأن يمنّ عليه بالصحة والعافـية. إنه تعالى سميع مجيب، هذا المرض يسبب أعراضًا كثيرة، والمبتلى به يصبر على معاناته، مرض الرعاش أو باركنسون هو مرض يصيب الإنسان، ويتفاوت من شخص لآخر وله مراحل، لكن من يبتلى به يعاني، ورغم ذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل من ابتلي بمرض فسحة، وخصه برخصة فـي ترك الجماعة.
فهو معذور إن كان يستطيع الذهاب إلى المسجد لشهود الجماعة أو بعضها، وإذا وجد فـي ذلك ما يعينه على طمأنينة النفس، وما يصبره على البلاء الذي ابتلي به، وما يخفف عنه من الآلام، فليسعَ قدر استطاعته، أما إذا لم يستطع، فهو معذور. أيضًا، فـي بعض الأحيان تهدأ الأعراض عند أخذ الدواء، ويمكنه استشارة طبيبه لضبط أوقات تناول الدواء ليكون قبيل الصلوات، فـي الوقت الذي تهدأ فـيه الرعشة ويستقر حال المريض، إذا أمكنه ذلك فحسن، وإلا فمرضه من الأمراض التي يرخص فـيها للمريض بعدم حضور الجماعات.
يجب على المريض أن يكون بصيرًا بنفسه، ولا يتكلف أو يشق على نفسه، إن استطاع الذهاب إلى الجماعة وأداء الصلاة فـي المسجد مع ما فـيه من تخفـيف لآلامه، فـيمكنه ذلك، وإن لم يستطع فلا حرج عليه، والله تعالى أعلم.
0 تعليق