التهميش.. هل نختاره أم يفرض علينا؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- كيف يكون التهميش سببا في فصل الإنسان عن حياته؟ وهل هو قيد تفرضه الظروف الصعبة عليه أو اختيار يلجأ إليه بملء إرادته؟
يعيش بعض الأشخاص تهميشا يفقدهم إحساسهم بقيمتهم فيتنازلون عن الكثير من حقوقهم ليحموا أنفسهم ويتلمسوا سبل السلام الذي يبقيهم في الطرف الآخر من الحياة.اضافة اعلان
 ومن يقبل أن يهمش يحكم على نفسهم بالنفي خارج الحياة دون أن يكون له الحق في تقديم البراهين على استحقاقه للحب والحلم والحضور. 
وشعور التهميش قاس يلغي معه الانتماء لأي شيء، لأن الشخص المهمش يرى نفسه خارج الحسابات أو هذا ما يصله من الآخرين ممن قرروا وبالإجماع إبعاده عن دائرتهم لأسباب لم يخترها هو بالغالب، بل فرضت عليه مثل المستوى التعليمي والوضع المادي والاجتماعي والوظيفة وغيرها، وهي اعتبارات تضع شروطا معينة لتصنيف الأشخاص وتحديد ما إذا كانوا يليقون بهم اجتماعيا وماديا وحتى مهنيا. 
تعتبر نور 30 عاما التهميش أقسى حكم يجرد الإنسان من ثقته بذاته ويقيده بسلاسل الدونية طوال الوقت، كما يغربه عن عالمه فيصبح بلا هدف أو أحلام. مبينة أن المشكلة تبدأ عندما نستسلم لقسوة الظروف المفروضة علينا وتواطؤ الآخرين معها باستبعادهم لكل ما يرونه أقل منهم مستوى. 
تقول، كم هو مؤلم أن تعيش حياة لا تشبه الحياة التي تتمناها وأن يكون حلمك الذي رسمت ملامحه لحظة بلحظة غريبا عنك. نور لم تكمل تعليمها رغم أنها كانت تتمنى ذلك، لكن ظروفها العائلية لم تسعفها، فكان القرار بأن تترك المدرسة وتلتحق بأي عمل ينقذها وينقذ عائلتها. 
هذا وتلفت إلى أن معاناتها من التهميش بسبب عدم إكمالها لدراستها تلمسها بإقصاء بعض الأشخاص لها، وتعمد التقليل منها، موضحة أن ليس كل شيء نريده نستطيع أن نحصل عليه، فهناك مفاجآت كفيلة بأن تقلب حياتنا رأسا على عقب وتغير مسارنا، ولذلك ليس من حق أحد أن يحكم على غيره لأنه ببساطة لم يعش ظروفه. 
ويواجه محمد التهميش ذاته بسبب وضعه المادي الصعب، حيث إنه يعيش عزلة إجبارية تبعده عن محيطه، ويقول: نحن لا نختار التهميش بل يمارس ضدنا لأسباب خارجة عن إرادتنا، ولذلك نعيش مشاعر قاسية تجعلنا نتخلى عن حقنا في الحلم والحياة وننزوي بأنفسنا بعيدا.
 محمد يعرف بأن الناس ليسوا جميعا رحماء تهمهم القشور أكثر من الجوهر وهذا ما يجعله رحيما مع نفسه يخفف عنها كل ألم ويساعدها على أن تظل متوازنة، ويقول: التهميش يشوه العلاقات ويخلق كرها ونفورا بين الناس، لذلك هو مؤذ للروح كما يتسبب بالإهانة سواء بقصد أو دون قصد، ومن المؤكد أنه يلغي ثقتنا بالآخر، ويضع قيودا مشددة على علاقاتنا. 
وبدورها تبين الاختصاصية النفسية سارة ملحس، أن التهميش قد يكون مزيجا بين العوامل الذاتية والبيئية. في معظم الحالات، يُفرض التهميش على الأفراد من خلال عوامل اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، أو سياسية، مثل التمييز بناء على العرق، الجنس، الطبقة الاجتماعية، أو العمر. وتتابع، بالنسبة لنتائج التهميش فالتهميش يؤثر بشكل كبير على الحالة النفسية، حيث يمكن أن يؤدي إلى انزواء الشخص وانسحابه من العالم الخارجي. عندما يشعر الفرد بعدم التقدير أو الانتماء، يبدأ في بناء آليات دفاعية تتمثل في العزلة كوسيلة لحماية ذاته من الإحباط أو الإهانة المتكررة. وقد يتطور هذا الانزواء إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق، أو حتى اضطرابات أكثر تعقيدا مثل اضطراب الشخصية الانعزالية. 
ووفق الاختصاصية ملحس، قد يكون من أسباب التهميش ما يلي:
التمييز المجتمعي: سواء كان بسبب الجنس، العرق، الدين، أو الانتماء الطبقي.
الوضع الاقتصادي: الفقر يمكن أن يجعل الأفراد يشعرون بأنهم مستبعدون من الفرص والموارد.
الثقافة والتعليم: نقص التعليم أو الاختلافات الثقافية يمكن أن يخلق فجوة بين الأفراد والمجتمع.
ضعف الدعم الاجتماعي: غياب الشبكات الاجتماعية أو العائلية يجعل الشخص أكثر عرضة للتهميش.
وتذكر ملحس بأن أضرار التهميش على النفسية هي:
انخفاض تقدير الذات والشعور بالدونية.
القلق المزمن والاكتئاب.
ارتفاع خطر الإصابة بأمراض نفسية أخرى.
وعن أضرار التهميش على العلاقات الاجتماعية، فهي:
ضعف القدرة على بناء علاقات صحية ومستقرة.
الشعور بعدم الثقة في الآخرين.
قلة المهارات الاجتماعية بسبب العزلة.
وتوضح الاختصاصية ملحس، بأنه يمكن معالجة تأثيرات التهميش عن طريق تمكين الأفراد من خلال برامج دعم نفسي واجتماعي تساعدهم على استعادة ثقتهم بأنفسهم. كذلك عن طريق تعزيز الوعي المجتمعي لمحاربة التمييز بكافة أشكاله وتشجيع التنوع. وإيجاد بيئات شاملة تتيح للأفراد فرصا متساوية للتعبير عن أنفسهم وتحقيق إمكاناتهم.
التهميش ليس اختيار الفرد في معظم الحالات، بل نتيجة ظروف خارجية تُفرض عليه، وله آثار عميقة وطويلة الأمد على النفسية والعلاقات.
أما الأشخاص الذين يختارون التهميش بشكل واعٍ يمثلون فئة معينة من الأفراد الذين يبتعدون عن الحياة الاجتماعية بمحض إرادتهم لأسباب تختلف من شخص إلى آخر. توضح ملحس، هذا الخيار عادة لا يكون نتيجة لرفاهية أو حرية تامة، بل يكون مدفوعا بمجموعة من الدوافع النفسية أو الاجتماعية التي تجعل الشخص يفضل العزلة على الانخراط في المجتمع. 
ومن أسباب اختيار التهميش، وفق ملحس:
الاضطرابات النفسية: الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي أو اضطراب الشخصية التجنبية قد يختارون العزلة لتجنب المواقف المحرجة أو التفاعل مع الآخرين.
الاكتئاب الشديد: قد يجعل الشخص يبتعد عن العلاقات الاجتماعية كنوع من الانسحاب النفسي.
الصدمات النفسية: تعرض الفرد لتجارب مؤلمة أو صدمات نفسية مثل التنمر، الإساءة، أو الفقدان قد يدفعه لتجنب التفاعل الاجتماعي كآلية دفاعية.
الخلاف مع القيم الاجتماعية: بعض الأفراد قد يشعرون بعدم التوافق مع القيم الثقافية أو الاجتماعية السائدة في محيطهم، مما يدفعهم إلى الانسحاب لتجنب التوتر أو الصدام مع المجتمع.
البحث عن السلام الداخلي: بعض الأشخاص يفضلون التفرغ لذواتهم أو التأمل بعيدا عن ضغوط الحياة الاجتماعية، خاصة إذا كانوا يعتقدون أن المجتمع مليء بالسلبية أو الضجيج.
الاختلافات الفكرية أو الأيديولوجية: قد يختار البعض التهميش إذا شعروا بأن أفكارهم أو معتقداتهم ليست مرحبا بها في المجتمع، أو أنهم يواجهون رفضا مستمرا بسبب هذه الاختلافات.
وعن الآثار النفسية السلبية لاختيار التهميش، توضح ملحس بأنها على المدى الطويل، قد يؤدي هذا النمط من العزلة إلى تفاقم مشاعر الوحدة وفقدان الدعم الاجتماعي.
وتراجع المهارات الاجتماعية، مما يزيد من صعوبة العودة إلى المجتمع إذا قرروا ذلك لاحقا.
ليس بالضرورة أن يكون اختيار التهميش قرارا دائما. قد يكون مرحلة مؤقتة يمر بها الشخص لإعادة تقييم حياته أو التعافي من صدمة أو موقف ما. في بعض الأحيان، مع توفر الدعم النفسي والاجتماعي المناسب، يمكن لهؤلاء الأفراد العودة إلى الحياة الاجتماعية تدريجيا.
وتشير ملحس إلى دور العلاج النفسي مع المهمشين، وفق الخطوات التالية: 
فهم أسباب التهميش.
تطوير إستراتيجيات للتعامل مع المجتمع بشكل أكثر صحة.
تحسين المهارات الاجتماعية وإعادة بناء علاقاتهم مع الآخرين.
من جانبها ترى خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم، أن التهميش هو شكل من أشكال الاستبعاد الاجتماعي، واحد أشكال الاضطرابات في العلاقات الاجتماعية نتيجة للتباعد والعزل، وفقد الاتصال بين الأفراد المستبعدين وبقية المجتمع.
ومن علامات التهميش الميل للعزلة وقلة التواصل مع الآخرين، وعدم الرغبة في المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والشعور بعدم الأهمية أو التجاهل من قبل الآخرين.
ووفق إبراهيم، من أسباب التهميش عدم تشجيع الوالدين منذ الطفولة على المشاركة الاجتماعية. وعدم مشاركة الأسرة في الأنشطة العائلية، والجلوس في المنزل مع قلة التواصل مع الآخرين والعالم الخارجي.
وتلفت إبراهيم، قد يكون الاختلاف سببا من أسباب التهميش كالإعاقة أو الفقر أو عدم التناسب والتناغم مع البيئة المحيطة. وقد تكون البيئة نفسها بيئة طاردة لا تُحقق العدالة بين أفرادها فتميز أشخاص عن آخرين. 
وتقول إبراهيم: طبعا للتهميش آثار نفسية واجتماعية سلبية، فهي تُشعر الفرد بالظلم والقهر وحرمانه من العدل وعدم إعطائه حقوقه وفرصه الطبيعية، فيصبح حاقدا ناقما على مجتمعة أو بيئته. تُشعر الفرد بالعزلة والوحدة ويمارس الانسحاب الاجتماعي شيئا فشيئا فتنخفض إنتاجيته ويتدهور إنجازه ويصبح فردا غير فاعل في المجتمع. 
ويدخل الشخص في حالة من اليأس وفقدان الأمل ويعيش الإحباط والتوتر، وقد تتدهور حالته الصحية فيعاني من آلام المعدة الأرق الصداع والتعب العام. 
وللتغلب على حالة التهميش، توضح إبراهيم، على الفرد الثقة بنفسه، وبقدراته وفي أهمية وجوده في الحياة فهو ليس أقل من أحد، وتعزيز النفس وترك كل ما يؤذيها، وتجاهل من يهمش شخصيتنا ويتجاهلنا، كما يجب التحدث مع مستشار نفسي أو طبيب لمعالجة المشاعر وفهم أساس المشكلة. أيضا محاولة الانخراط في الأنشطة الاجتماعية وتكوين صداقات جديدة، إلى جانب التعبير عن المشاعر لأفراد الأسرة والسعي لتقوية العلاقات معهم. كذلك الاشتراك في فرق أو جمعيات تعزز من مهارات التواصل الاجتماعي. 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق