• هل يجوز أكل الطعام المزخرف بالذهب والذي يُقدَّم أحيانًا في بوفيهات الإفطار؟
الجواب عن هذه المسألة يمكن أن يُنظر إليها من المنظور الفقهي المجرد، وهذا النظر الفقهي المجرد خلاصته، أن قدر هذا الذهب الذي وُضع في الطعام إن كان مما يُعرض على النار، يمكن أن ينتج منه شيء يمكن الاستفادة منه، فإن تناوله أكلاً لا يصح، أما إذا كان يذوب إذا عُرِض على النار، فلا يبقى له جرم، أو أن الجرم الناتج عنه مقدار يسير جدًا لا يُكاد ينتفع به، فهذا إن ثبت عدم مضرته لجسم الإنسان، يصعب القول بمنعه فقهاً، أي لا دليل على منعه، لأنه قدر يسير، كما هو معروف من الشرع الترخيص في مثله فيما يتعلق بما حُرِّم على الرجال وما حُرِّم على المكلفين من الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، فإن الفقهاء قالوا إن كانت موشاة بشيء يسير جدًا، وإن عُرِض على النار، فلا يُكاد يحصل منه جرم أو مادة يمكن الانتفاع بها، فهذا مغتفر، ولذلك تساهلوا فيما يتعلق بتزيين السيوف والعصا والخناجر بشيء يسير جدًا، فكل ذلك من هذا الباب.
لكن النظر الآخر هو النظر الأخلاقي الذي يتعلق بمقاصد الشريعة في بنيتها الفقهية، فإن هذه الأحكام الشرعية العملية هي تكليف، وهي تعبُّد لله تبارك وتعالى، وقد جعل الله عز وجل فيها مقاصد وغايات، ومن أبرز هذه الغايات والمقاصد المتعلقة بالنهي عن استعمال آنية الذهب والفضة: البعد عن الإسراف والمباهاة، ومراعاة مشاعر الفقراء والمساكين، فهذا النظر الأخلاقي يدفع المسلمين إلى اجتناب مثل هذه الأفعال في طعامهم وشرابهم، وفي ملابسهم، وفي عموم أحوالهم، وإن كانت مستثناة من النهي المتقدم المشار إليه لقلة قدرها، بحيث كما تقدم لا يُكاد يحصل منها شيء يمكن أن ينتفع به، أو جرم، أو مادة يمكن الانتفاع بها، ولكن مع ذلك، فإن هذا الدين يدعو إلى الترفع عن أسباب الترف والإسراف، وعن المباهاة، وعن التبذير فيما لا نفع فيه، كما أنه يدعو إلى مراعاة أحوال الفقراء والمساكين في المجتمع، إلى مراعاة مشاعرهم، وإلى صلتهم في حالة السعة واليسر، فإن الأولى أن يُوصل الفقراء والمساكين.
فلذلك فإن هذه المسألة يكتنفها هذان الجانبان، فالسلامة في الترك، لكن إذا قدّم إليه الطعام ولم يكن ذلك بطلب منه، وكان وفق الضابط المتقدم ذكره، أي أنه قدر يسير جدًا مع ثبوت أنه لا يضر بدن الإنسان، وهذه قضية يقررها الأطباء، ففي هذه الحالة يسعه أن يأكل، أما إذا كان يقصد هو شراء مثل هذا الطعام، أو إعداد مثل هذا الطعام، وأن يضع عليه شيئًا من الذهب أو الفضة كما هو السؤال، فهذا لا ينبغي للمسلم، وقد يدفعه ذلك إلى مزيد من عدم المبالاة بأحوال الفقراء والمساكين في مجتمعه، أو قد يُدخله في دائرة الإسراف والترف والعياذ بالله، ولا ينبغي لمسلم أن يكون شأنه كذلك، والله تعالى أعلم.
• لماذا ذكر الله سبحانه وتعالى الخيام ولم يذكر القصور عندما وصف الجنة؟
نعم، في قوله تبارك وتعالى في سورة الرحمن: "حور مقصورات في الخيام"، وقد كان السؤال حول السبب في ذكر الخيام دون البيوت أو القصور، مما يمكن أن يكون متوقعًا في الجنات التي وعد الله تبارك وتعالى بها عباده المتقين، وهذا سؤال وجيه، نعم، وبينت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن هذه الخيام هي من لؤلؤ، لؤلؤ مجوف، ولكن يبقى السؤال قائمًا.
أولا، يعني غريب الآية الكريمة، وإن كان لم يُسأل عن أي المفردات الغريبة فيها، إذا أشكل على الناس بعض معاني المفردات، فإن الحور جمع حور، وهو وصف أخذ من حور العين، وهو اتساعها مع شدة بياضها، بياض بياضها، وسواد سوادها، لكنه لا يقتصر على هذا الوصف، إنما هو علامة على غاية الحسن، وأن من توصف بذلك إنما هي فائقة الجمال والحسن، واختير من أوصافها وصف يتعلق بوصف عينها، لكن لا يعني أنها إذا كانت حوراء العين، ولكنها في سائر صفاتها وخصائصها أبعد ما تكون عن الحسن والجمال أن يُقال إنها حوراء بهذا الوصف الكلي، قد يُقال حوراء العين فقط، لكن الحاصل أن الحور هو جمع لحوراء، وحوراء هي من بلغت الغاية، وفاقت في الحسن.
ومقصورات أي محفوظات، مستورات، مصونات؟ فالقصر هنا، بمعنى الستر والصون والحفظ، فهن لسن في حاجة إلى أن يخدمن أنفسهن، ولا أن يخدمن غيرهن، بل إنهن مصونات يُخدمن، تُلبى لهن طلباتهن، تُجاب أوامرهن، ما عليهن إلا أن يأمرن، فيستجاب، لسنَ في حاجة إلى الخروج، هذه الصورة التي تذكرها لنا هذه الآية الكريمة.
ثم قال في الخيام، والخيام معروفة جمع خيمة، والمتبادر أن الخيام في الغالب، وهذا من معانيها في اللغة، أن معنى الخيمة في اللغة أنها من وبر أو شعر، لكن هذا ليس بمطّرد، حتى من حيث المعنى اللغوي، وهنا مكمن الجواب، فإن البيت في العربية يسمى خيمة، حتى ولو كان من أعواد، أي من خشب، أو كان من بناء، والفراء نصّ على ذلك أن البيت، أن الخيمة تصدق على البيت، وإن كان من بناء، وهو من أوائل من تعرض لمفردات القرآن الكريم.
إذن يزول الإشكال إذا علمنا بأن الخيام يصدق على البيوت والقصور، وإن كانت مبنية، فلا يلزم أن تكون من وبر أو من شعر حتى يقال بأنها خيمة، وإنما السياق هو الذي يبين نوع هذه الخيام، ولذلك ورد في الحديث أنها خيام من لؤلؤ مجوف، وهناك روايات كثيرة تدور حول نفس المعنى، لو استعمل وصف آخر في كتاب الله عز وجل، أي سمي المكان باسم آخر، كالبيوت أو القصور، لما ناسبه أن يكون ذلك بمثل هذا الوصف الذي بينته الآية الكريمة، وبينته سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنها من لؤلؤ مجوف، وقد ذكر اتساعها بأن أهل الجنة فيها أن لهم فيها أهلين، وأنهم لا يرون بعضهم بعضًا في طرفيها، هذا من حيث سعتها.
لكن هناك معنى آخر يتعلق باختيار هذه الكلمة، وهو أن الخيام يؤخذ منها الإقامة، ولذلك يقال خيم في المكان أي أقام في المكان، أو أقام بالمكان، هذا استعمال لا يزال الناس إلى يومنا هذا يستعملون التخييم بمعنى الإقامة في المكان، هذا المعنى أيضًا ملحوظ في الآية الكريمة، فالله تبارك وتعالى وصف الجنان التي أعدها لعباده المتقين، وذكر ما فيها، وذكر منها حور مقصورات في الخيام، وكأنهن في محل إقامتهن، لا يرتحن، ينتظرن أصحابهن، فلذلك ناسب لهذين المعنيين، أي لما تقدم من أن الخيام تصدق على البناء، ولو كان من غير الوبر والشعر، ولذلك ناسب أن يقال بأنها خيام؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن أنها من اللآلئ واليواقيت، ثم لهذا المعنى، وهو الإقامة في المكان، والله تعالى أعلم.
0 تعليق