العالم في مفترق طرق

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتواصل الحروب والصراعات التي تستنزف مقدرات الشعوب نتيجة السياسات السلبية والمخططات الصهيونية والمؤامرات التي تحاك في الغرف المغلقة ويبدو أن العالم في مرحلة فارقة بسبب نكبة الشعب الفلسطيني منذ عام ١٩٤٨ كما أن قيم العدالة وحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني أصبحت في مهب الريح كما أن قدوم إدارة الرئيس الأمريكي ترامب أضافت بعدا جديدا لمعاودة تلك الصراعات ولعل تورط الإدارة الأمريكية في اليمن هو أحد مظاهر انزلاق المنطقة والعالم إلى المجهول.

منذ ٢٠ يناير الماضي ودخول الإدارة الجديدة إلى البيت الأبيض والابتزاز الأمريكي وبالطريقة الناعمة يتواصل سواء فيما يخص أوكرانيا ومقدرات شعبها أو حتى على صعيد الإقليم. كما أن ما يجري في قطاع غزة وعموم فلسطين من إبادة جماعية ترتكب يوميا هي جزء أصيل من المشروع الصهيوني الأمريكي العالمي ويتلخص في إيجاد الشرق الأوسط الجديد الذي تكون قاعدته الأساسية إسرائيل لتظل بقية دول المنطقة تخدم المشروع الصهيوني العالمي وهذا يعني إنهاء القضية الفلسطينية وتهجير شعب قطاع غزة وتغلغل الصهاينة واليهود في المنطقة العربية.

الإدارة الأمريكية ترتكب حماقات كبيرة من خلال ضرباتها الجوية في اليمن حيث ذهب عشرات المدنيين ضحايا كما أن الدعم الأمريكي المتواصل للكيان الإسرائيلي متواصل منذ إدارة بايدن السابقة، ولعل عودة الحرب ضد قطاع غزة هو ضغط على المقاومة الفلسطينية لتنفيذ المخطط، وعلى ضوء ذلك فإن المشهد السياسي في المنطقة والعالم هو مشهد قاتم ومعقد ويدعو إلى مراجعات حقيقية من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والمدنية ضد الكيان الصهيوني وضد السياسة الأمريكية التي تضر بمصالح العالم الاقتصادية ومساندتها الظالمة للكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

عندما ترتفع أصوات من الإدارة الأمريكية بأن دول المنطقة قد تشهد تغييرات حاسمة فهذا يعني الابتزاز خاصة وأن الإدارة الأمريكية الجديدة تفتقر إلى الكياسة السياسية وفهم علاقات الولايات المتحدة الأمريكية التاريخية ومصالحها مع الدول العربية والإسلامية. وعلى ضوء ذلك فإن الصراعات والحروب تتواصل، وأثبت ترامب أنه ليس رجل السلام كما تحدث خلال حملته الانتخابية بل إنه أعطى الضوء الأخضر لنتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية لمعاودة قصف قطاع غزة وتواصل مظاهر الإبادة التي شاهدها العالم عبر وسائل الإعلام المختلفة وشبكات ومنصات التواصل الاجتماعي.

لا بد من الاعتراف بأن هناك من يريد القضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لأسباب أيديولوجية وهناك مشاريع إقليمية متواصلة ومع ذلك فإن الحق الفلسطيني سوف ينتصر، وهذه نواميس الحياة والتاريخ فليس هناك مقاومة تنشد تحرير وطنها هزمت قد تتراجع ولكن تلك المخططات سوف تكون وبالا على أصحابها وإنفاق المليارات على تلك المشاريع الصهيونية سوف تكون في نهاية المطاف حسرة على أصحابها.

الجامعة العربية أصبحت في تصوري جزءا من الماضي رغم محاولة إنعاشها، ولكن هذا الكيان العربي الأقدم على صعيد المنظمات الإقليمية والدولية أصبح أسيرا للسياسات الفردية، وأصبحت الجامعة مجرد كيان هامشي حتى قرار القمة العربية الأخيرة في القاهرة لرفض تهجير الشعب الفلسطيني في غزة وإعادة تعمير القطاع تم تجاوزه أمريكيا بعد ساعات من انتهاء القمة. وعلى ضوء ذلك فإن الإرادة السياسية العربية لم تعد موجودة والسبب الانخراط في مشاريع مستقلة.

تحدثنا في مقال سابق أن السنوات الأربع القادمة في ظل إدارة ترامب سوف تكون سنوات صعبة حتى على صعيد الداخل الأمريكي الذي بدأت بعض مؤسساته في التفكك كوزارة التربية والتعليم وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين علاوة على طرد عشرات الآلاف من المهاجرين وإصدار الإجراءات الجديدة بمنع دخول عدد من مواطني دول العالم إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفق قوائم وهي الحمراء والبرتقالية والصفراء.

وهناك مشكلات داخلية في المجتمع الأمريكي مما يعني أننا نشهد عالما في مفترق طرق.

على صعيد الحروب والصراعات في السودان واليمن وفلسطين وحالة عدم اليقين في سوريا والحرب الروسية الأوكرانية والخلافات الحادة بين حلف الناتو وإدارة ترامب والحرب التجارية التي أطلقها ترامب والصراع في البحر الأحمر كلها صراعات وحروب ستشكل مرحلة فارقة في المشهد الدولي وهناك تحذيرات من عدد من المفكرين وكبار الكتاب في الولايات المتحدة الأمريكية من انزلاق الإدارة الأمريكية إلى أبعد من ذلك، ولعل عدد من المقالات المهمة في الصحف الكبرى كواشنطن بوست ونيويورك تايمز تعطي دلالة على القلق من خطوات الإدارة الأمريكية التي قد تؤدي إلى صراعات أكبر ولعل النموذج اليمني يشير إلى اندلاع صراعات أكبر في ظل تمادي نتنياهو وعصابته في قتل المدنيين في قطاع غزة.

الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت جزءا من مشكلات العالم ولم تعد جديرة بقيادة العالم وهنا تبرز أهمية وجود عالم متعدد الأقطاب يعيد التوازن والسلام إلى العالم وحل القضايا وفق أسس ومعايير القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، ولعل وجود أصوات من المنظمات الحقوقية والمفكرين والجامعات حول ضرورة تغيير المشهد السياسي الدولي في ظل أنانية إدارة ترامب التي تبتز العالم ماليا وتجاريا حتى مع أقرب الحلفاء، ولعل نموذج كندا واضح كما أن الدول الأوروبية أصبحت تتحدث عن مستقبل الناتو والأمن الأوروبي وهناك توتر كبير من قرارات ترامب التي تصدر بشكل غير متوقع وتؤثر حتى على الأسواق المالية وأسعار النفط.

ومن هنا فإن الإدارة الأمريكية سمحت للكيان الصهيوني أن يعبث مجددا بأرواح الأبرياء ويرسم مستقبلا قاتما للأجيال في ظل البحث المتواصل عن المال من الدول الغنية بالترغيب والترهيب والنماذج واضحة ولا تحتاج إلى بيان.

إن الدول العربية في مفترق طرق ولعل التصريحات الأمريكية حول الإشكالات التي قد تمر بها عدد من الأنظمة العربية ليس صدفة فهناك مخططات حقيقية للوصول للغايات والتحالفات الخفية موجودة.

ومن هنا فإن الحد الأدنى من التضامن العربي مطلوب لأن الجميع قد يكون في وضع صعب وتاريخ التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية ليس إيجابيا حيث إن أمريكا وفي فترات تاريخية محددة ضحت بأقرب الحلفاء ولعل النموذج الأبرز هنا هو شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي والذي يعد أقوى الحلفاء لواشنطن في المنطقة على مدى عقود وهناك نماذج أخرى شاهدها العالم خلال الثورات العربية عام ٢٠١١.

الأمن القومي العربي في مفترق طرق أيضا وإذا كان البعض يعتقد بأن التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية هو ضمانة فإنه واهم وتاريخ العلاقات الأمريكية مع عدد من دول العالم يعطي مؤشرا خلال القرن الماضي بأن أمريكا تقيس الأمور بالمصالح وأن صديق اليوم على صعيد الأنظمة قد يتحول إلى عبء لا بد من التخلص منه على الطريقة الأمريكية، ولنا في التاريخ كما يقال عبرة.

وسوف يسجل التاريخ القريب والبعيد أن هناك من ثبت على الأسس الأخلاقية والقانونية ونصرة القضايا العادلة رغم التشويه والحملات الإعلامية التي سوف تكون نتيجتها مزبلة التاريخ.

عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق