وأقبل عيدنا

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ورحل رمضان سريعاً كما رحل سابقه، ورحلت أيامه ولياليه وذكرياته، وبقي أثره الإيماني في النفوس، والتغيير الذي أحدثه في جميع جوانب حياتنا، وبخاصة لتلك النفوس التي صدقت في نواياها، وأقبلت على المولى الكريم بصدق التوجه، وكان لها النصيب الأكبر في التفرغ الصادق للعبادة، واستثمار الليالي في الطاعة، وإدراك أجور ليلة القدر المباركة. كل واحدٍ منا جَدَّ واجتهد، وكل واحدٍ منا له نصيبٌ من الخير بحسب قوة إقباله على الله تعالى، واستثماره لأوقاته. نسأل المولى الكريم أن يتقبل منا رمضان، وأن يجعلنا ممن صامه وقامه إيماناً واحتساباً، وممن أدرك ليلة القدر وقامها إيماناً واحتساباً، وأجزل له الخير والعافية، وأوفر له الرزق فيها، وأن يعيد علينا رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ونحن في صحة وعافية وسعة رزق.

أقبل العيد وأقبلت معه الفرحة والسعادة التي تعم القلوب بمقدمه، وأقبلت روح التآخي والتسامح وصفاء التلاقي في الله ومن أجل الله. أقبل العيد وأقبلت بشائر الخير للصائمين والقائمين، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه». أقبل العيد وأقبلت النفس تتألق في عطاءات الخير، بعد شهرٍ كاملٍ من التدريب والتغيير الحياتي عن روتين الحياة الممل. فهنيئاً لمن طابت نفسه بالخير في شهر الخير، ولمن عاش لتغيير نفسه واستفاد من كل لحظات رمضان، من أجل أن يتجدد إيمانه ويزداد قرباً من مولاه. هو العيد الذي نعانق فيه الخير، ونفرح بالبلاغ، بلاغ صيام وقيام شهر الخير، ونفرح بالطاعة، ونفرح بصور العطاء التي رسمناها في كل حين.

يحق لنا أن نفرح بالعيد، لأنه عيد السعادة والشوق لما عند الله الكريم، فهو انطلاقة أملٍ وعطاءٍ جديدة في محافل الخير وميدان الإحسان. فمن لم يُعطِ بالأمس، فقد آن أوان العطاء بإحسان، وصدق التوجه إلى المولى الكريم، من أجل أن تتجدد الحياة بالخير وبرسائل الأثر المستدام.

ودائماً ما أشبّه العيد بـ»ميلاد جديد» لحياة أخرى من أعمارنا، إن استطعنا بالفعل أن نحسن نوايانا ونعلقها ببارئها الكريم. فالميلاد هنا بمعنى التحرر من الماضي، والتحرر من كل العقد السلبية، وإسدال الستار عن تلك المزعجات والمنغصات، وغفران الذنوب. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام وقام رمضان إيمانًا واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه». من هنا يأتي الإحساس بالميلاد الجديد، فالمولى الكريم هيّأ لنا مواسم الخير السنوية، لكي تتجدد فيها علائم الإيمان، ونغسل نفوسنا من التقصير والذنوب التي تلازم المرء في حياته. يحق لنا أن نفرح بالعيد، لأنه من إشراقات التغيير والارتقاء.

ومع ذلك، لايزال البعض يعيش في بحور «المنغصات» وعدم احترام المشاعر، فلا يأبه لمكانة مواسم الطاعات، ولا يعطيها حقها من خلال احترام الغير وتقديره، والتلذذ بالسعادة معه في مثل هذه المواسم الجميلة. ولأنه تعوّد على أن ينظر إلى السلبيات الصغيرة أو الأمور الهامشية على أنها قضايا كبرى تحتاج إلى إصلاح، فقد اعتاد بذلك أن يكون «عديم الإحساس» بغيره، الذي عاش العطاء بكل معانيه. مثل هذه الشخصيات عليها أن تعود إلى رشدها، فهي قد أخطأت طريق الصواب، ولم تعرف جمال الأحاسيس المتبادلة مع المحبين.

عندما نستذكر مواسم الطاعات في رمضان والعيد، فإنما نستذكر روح التواصل والتزاور والتلاقي، التي يكون لها أثرٌ بالغٌ عند أولئك الذين اعتادوا أن يلتقوا على مائدة رمضان وفي العشر الأواخر، يعين بعضهم بعضاً على الخير والطاعة، ويتواصلون لعهدٍ قضوه على أنفسهم منذ سنوات طويلة، بأن يكونوا في ذلك المكان الذي تعودوا أن يجتمعوا فيه، ويعين بعضهم بعضاً على العبادة. وفي العيد يتزاورون، ويتبادلون التهاني، ويلتقون على الخير.

هناك من الأوفياء من لايزال يعشق جمال التواصل، وجمال اللقاء مع أحبته، ومع معلميه ومشايخه الذين أخذوا العلم منهم، وكانت لهم معهم صولاتٌ وجولاتٌ في عمل الخير. الوفاء الأصيل يجعل لمعاني التزاور أثرًا في نفوس الكبار، وبخاصة في أجمل الشهور على الإطلاق، فهي زيارة وفاء وتجديد للمحبة، وقبلةٌ على جبين من ذاقوا معهم أجمل الأحاسيس في زمانٍ مضى.

الوفاء في مواسم الخير هو الأثر الباقي، وهو من شيم النبلاء، وإلا فإن «الأحاديث الفضفاضة» تبقى بعيدة عن الخير الذي عهدناه. فتحية إجلالٍ لأولئك الأوفياء الذين تعنّوا لأجور الآخرة «أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً» فهم الأثر الدائم في حياة معلميهم ومشايخهم وأصحاب الفضل.

ومضة أمل

نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعله عيداً سعيداً مباركاً عامراً بالخير والمحبة والتواصل وصفاء القلوب. عيدكم مبارك وعساكم من عوّاده، وكل عام وأنتم بخير.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق