ما وراء اللجام.. قيادة أخلاقية

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د.علياء اليوسف

في واحة خضراء، كان يعيش فرسٌ قوي وحر يُدعى جلمود، لا يرتدي لجاماً ولا يقبل أن يقيد نفسه به. في يوم من الأيام، وأثناء جريه السريع، اصطدم برجل يحاول ردم حفرة وسقط جلمود في تلك الحفرة المخفية، مما تسبب في إصابته وإصابة الرجل. قرر الرجل مساعدة جلمود، فأخرجه من الحفرة وأظهر له كيف يمكن للّجام أن يحميه بدلاً من تقييده. تعلم جلمود من الرجل كيف يستخدم قوته بأمان أكبر تحت إرشاد اللجام.

كثيراً ما نسمع مقولات مثل "أخلاقي لا تسمح لي بأن أنتقم" أو "أرد الإساءة بالإساءة" أو "التلفظ بما لا يليق" أو "أرفع صوتي على من أساء إلي". أليس اللجام في قصتنا الرمزية أشبه بلجام الأخلاق الذي يحمينا من الانزلاق في حفر الإساءة؟ وما أخلاقنا هنا إلا قيم راقية ومبادئ حقة تلجمنا من اتخاذ قرارات مبنية على الأهواء والرغبات والمصالح الشخصية والميول وبالتالي يمتثل القائد لقيمه وأخلاقه فيتخذ قرارات للصالح العام ولو على حساب مصالحه.

فيا ترى ما هي الحفر التي قد تعترض طريقنا؟ إنها التحديات التي تواجه القادة الأخلاقيين مثل المقاومة الداخلية النفسية لقرارات قد لا تكون لصالحهم أو تضر ببعض مصالحهم وغيرها من وساوس النفس التي تمنع عمل الخير. أو قد تكون من الضغوطات الخارجية التي تصدهم لقرار صائب ولا يجدون فيه مصلحة لهم. وهذه الحفر قد تدفع نحو التنازل عن القيم. وتحول دون اتخاذ القرار الأخلاقي بين الخيارات المتاحة. وهنا يبرز دور القائد الأخلاقي، بأن يكون قادراً على الوقوف في وجه الضغوط والإغراءات والمحافظة على مبادئه.

ولنا في قصة نيلسون مانديلا أنموذجاً، في لحظة تحوّل تاريخية واجه خيارات قد حددت أو (رسمت) مسار أمة بأكملها. كان بين ضغط الشعب المنجرف نحو موجة من الانتقام العارم وبين إرادته أن يلجم غضبهم ويحوّل دفة الغضب والانتقام إلى المصالحة. نجح في أن يمسك بلجام الفرس الجامح الذي إن لم يُسيطر عليه قد يندفع بعنف شديد نحو الهاوية.

مانديلا لم يُحكِم قبضته على اللجام ليكبح جماح شعبه فحسب، بل ليوجه طاقتهم نحو بناء مستقبل حيث يسود العدل والتسامح والأخوة. اختار مانديلا أن يؤثر على شعبه بشرف ففرض لجام الحكمة والمصالحة، ليظهر قوة الأخلاق والإنسانية في وقف دوامة من العنف والفوضى والانتقام. وهنا تتجلى مقولة مارتن لوثر كينغ جونيور حول الأخلاق والقيادة: "الإنسان الذي لا يمكنه أن يقف لشيء، سيقع لأي شيء".

في نهاية المطاف، سواء كان ذلك فرساً يتعلم الثقة في اللجام لحماية نفسه والآخرين أو أمّة تسعى نحو التعافي والوحدة، فإننا جميعاً نحتاج إلى تطبيق القيادة الأخلاقية في حياتنا، ونمارس قيمها الأساسية. ومن ضمن تلك القيم مبدأ "التأثير بشرف"، فذلك يجعلنا نعمل بدافع أخلاقي وقيمي للمصلحة العامة، وليس لتحقيق مكاسب شخصية. فالممارسة المستمرة للقيادة الأخلاقية تجعل السلوك الأخلاقي هو خيارنا الأول، لتحقيق مجتمعات متماسكة، تحترم القيم وتنعم بالسلام.

وختاماً، نسأل أنفسنا: هل أخلاقنا ومبادئنا هي لجامنا؟ أم أنّ قيادتنا "جلمودية" لا لجام لها؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق