ماذا يعني «دانانتارا» لاقتصاد إندونيسيا؟

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نايجل غرين *

حققت إندونيسيا إنجازاً نادراً في عالم المال العالمي، فقد عيّنت شخصياتٍ بارزة وذات وزنٍ كبير في المجلس الاستشاري لصندوقها السيادي الجديد «دانانتارا»، الذي تبلغ قيمته 900 مليار دولار.
ومع ذلك، ورغم مكانة التعيينات - راي داليو، وجيفري ساكس، وآخرون - إلا أن الأسواق تفاعلت بتشككٍ حاد. فقد انخفض مؤشر جاكرتا القياسي بنسبةٍ تصل إلى 4.7%، وهذا ليس مجرد رد فعلٍ مفاجئ، بل هو خطأٌ فادح.
ولو نظرنا إلى هذه التعيينات بعين الحقيقة، لوجدنا أنها علامة مشجعة على جدية إندونيسيا في إضفاء الطابع الاحترافي والعولمي على نهجها تجاه الثروة السيادية، وينبغي للمستثمرين حول العالم الترحيب بهذا التطور، لا النفور منه.
يتمتع راي داليو بسمعة طيبة في أوساط المستثمرين، كما أمضى جيفري ساكس عقوداً في تقديم المشورة للحكومات بشأن التنمية المستدامة والسياسات الاقتصادية المستدامة، وهذا وحده يُشير إلى جدية المهمة ومكانة المبادرة.
إنها إشارة واضحة إلى أن إندونيسيا تسعى إلى تفكير عالمي المستوى، ولا تخشى محاسبة المسؤولين على أعلى المناصب. وينبغي أن نشهد المزيد من هذا في جميع أنحاء آسيا، فالقارة موطن للكثير من الصناديق والتكتلات المرتبطة بالدول، والتي هي في أمسّ الحاجة إلى الإصلاح، لكن القليل منها فقط بذل جهوداً حثيثة لاعتماد الشفافية أو الرقابة الدولية.
وتُعدّ خطوة إندونيسيا نموذجاً جديراً بالتكرار، لكن قلق السوق ينبع من تساؤلات حقيقية. فصندوق «دانانتارا»، الذي أنشأه الرئيس برابوو سوبيانتو وأُطلق في فبراير/شباط، يُوحّد أصول الشركات المملوكة للدولة، ويُعيد توجيه أرباحها، البالغة 5.4 مليار دولار العام الماضي، بعيداً عن الميزانية الوطنية، إلى الصندوق.
إنه تحوّل كبير في السياسة المالية. كما أنه يضع سلطة هائلة في يد الرئيس، الذي سيشرف مباشرةً على الصندوق. وهنا يحق للمستثمرين أن يكونوا على حذر من أي دلائل على تجاوزات أو تعتيم، لا سيما في المنطقة التي شهدت ولادة صندوق التنمية الحكومي الماليزي 1MDB، والذي وصفه البعض بأنه أكبر عملية سطو في التاريخ المالي. لكن الافتراض منذ البداية أن هذا الجهد خطِر أو محكوم عليه هو سوء فهم للصورة الأكبر. ولا بد من الإشارة إلى أن إندونيسيا تواجه تحديين اقتصاديين هيكليين، الأول يتمثل بشركاتها الحكومية غير المُستغلة بالشكل الأمثل، وهي مؤسسات عملاقة مترامية الأطراف ومولدة للنقد في قطاعات البنوك والطاقة والاتصالات، بأصول تزيد على 900 مليار دولار. فهي بالغة الأهمية بحيث لا يمكن أن تبقى مجزأة ومقيدة سياسياً.
وثانياً، تواجه البلاد تباطؤاً اقتصادياً وضغوطاً على الميزانية، تتفاقم بسبب التزامات الإنفاق الجديدة مثل برنامج برابوو السنوي المجاني بقيمة 28 مليار دولار. إنها مخاوف حقيقية بالفعل.
وصُمم «دانانتارا» لمعالجة كلا التحديين، إذ يسمح بدمج الشركات المملوكة للدولة باستثمار أكثر تنسيقاً، لا سيما في الصناعات الحيوية، مثل المعادن والذكاء الاصطناعي والطاقة والأمن الغذائي. ومع حوكمة أقوى، يُمكن أن يُحول الصندوق إندونيسيا إلى مُخصّص أكثر استراتيجية وكفاءة لرأس المال، انتقالاً من تحصيل الأرباح السلبي إلى خلق القيمة بشكل فعال.
وهذا تحديداً ما يُبرر أهمية التعيينات. فلا يُمكنك جلب داليو وساكس إلا إذا كنت جاداً. كما أن إشراك قادة محليين مُحترمين، مثل الرئيسين السابقين جوكو ويدودو وسوسيلو بامبانغ يودويونو، يُضفي مزيداً من الشرعية والاستمرارية. يجب أن تكون الرسالة الأوسع للعالم واضحة، وهي أن إندونيسيا لا تتجه نحو الاستبداد أو التهور المالي. بل تُحاول القفز إلى عصر جديد من رأسمالية الدولة الاستراتيجية، حيث لا تتعارض الإدارة المهنية والمصلحة العامة.
كثيراً ما يُطالب المستثمرون بالتغيير، لكنهم يتراجعون عندما يبدو التغيير غير مُعتاد. صحيح أن توجيه أرباح الشركات المملوكة للدولة من خلال هيكل جديد قد يكون غير تقليدي، لكن الوضع الراهن لم يكن مستداماً.
وبينما لا يزال هيكل الصندوق بحاجة إلى مزيد من التفصيل، تشير الدلائل الأولية إلى أن الحكومة منفتحة على التدقيق والتوجيه الخارجي، وهذا أمر جيد.
بالنسبة لآسيا عموماً، ينبغي أن يكون هذا بمثابة جرس إنذار. فالكثير من دول المنطقة تمتلك ثروات هائلة من أصولها - غالباً ما تُدار بشكل سيّئ، أو تُعاني من ضعف الاستدانة، أو تُسيّس. ويمكن لهذه الدول الاستفادة بشكل كبير من الاستعانة بمستشارين خارجيين.
لقد أخطأت الأسواق هذا الأسبوع في فهم الطموح على أنه عدم استقرار، والإصلاح على أنه مخاطرة. وهذا خطأ مكلف. ففي ظل وجود حوكمة سليمة وتعاون دولي، يمكن أن يصبح «دانانتارا» نموذجاً لنوع جديد من صناديق الثروة السيادية، صندوق لا يستثمر فقط في الأصول، بل في المستقبل أيضاً.
* المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية «آسيا تايمز»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق