بلطجة دولية

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في زمنٍ تتهاوى فيه المبادئ، وتُداس فيه العهود تحت أقدام الغطرسة، يقف العالم شاهداً على مسرحيةٍ مكررة، أبطالها الصهاينة بدعمٍ أمريكيٍ سافر، ومسرحها أرض غزة المكلومة. لم يكن يوماً سرّاً أن الكيان الصهيوني لا يعرف للعهد وفاءً ولا للاتفاق التزاماً، فالتاريخ يشهد والحاضر يؤكد أن كل ورقةٍ وقّعوا عليها لم تكن سوى حبرٍ يجفّ سريعاً أمام نيران طموحاتهم الاستعمارية.

اتفاقياتٌ شهد عليها العالم، وضمنتها دولٌ كبرى، كان المفترض أن تكون جسراً للسلام، لكنها تحولت إلى مجرد ستارٍ يخفي خلفه وجه الغدر والخيانة.

كل ما طالب به الفلسطينيون في غزة، تلك البقعة المحاصرة التي تئن تحت وطأة القصف والدمار، كان وقف إطلاق النار، وفتح ممرٍ للمساعدات الإنسانية، وإجلاء المصابين الذين ينزفون على أرضٍ لم تعد تطيق المزيد من الدماء. مطالبُ بسيطة، إنسانية، لا تتجاوز حدود الحد الأدنى للحياة، لكنها لم تشفع أمام آلة الحرب الصهيونية التي وجدت في الدعم الأمريكي اللامحدود مبرراً لتطلق العنان لمزيدٍ من القتل والتدمير.

لم يعد الأمر يقتصر على خرق الاتفاقيات، بل أصبح إعلاناً صريحاً من إسرائيل وحليفتها أمريكا أن قتل الفلسطيني – رجلاً كان أو امرأة، شيخاً أو طفلاً – هو أمرٌ جائزٌ، بل ومطلوب، طالما أنه يخدم أمن دولة الاحتلال.

لم يعد الرأي العام اليوم يشكل هاجساً لا لأمريكا ولا لإسرائيل. فقد تجاوزت واشنطن حدود السياسة إلى أسلوب البلطجة الدولية العلنية، تفرض على العالم رؤيتها بمنطق الخصومة والعقاب، فإما أن تتماهى الدول والشعوب مع هواها، أو تواجه سياط العزل والتهديد. ومن خلفها، تسير ربيبتها إسرائيل، متخذةً من هذا الدعم غطاءً لتنفيذ أحلامها التوسعية، تلك التي تُسميها في مخططاتها «إسرائيل الكبرى».

حلمٌ يقوم على محو معالم الحياة والحضارة في كل أرضٍ تطأها، لتثبت لنفسها – وللعالم الذي لم يعد يقتنع – أن هذه الأرض كانت ولا تزال لهم وحدهم، وأن كل من عاش عليها منذ فجر التاريخ لم يكن سوى وهمٍ يجب أن يزول.

في هذا السياق، أصبح التهجير أمراً ثانوياً في حسابات الكيان المحتل، فلماذا يُرهق نفسه بترحيل شعبٍ بينما القتل أصبح أسهل وأسرع؟ لم يعد الدم يسبب لهم حرجاً، والداعم الأمريكي يبارك لهم كل رصاصةٍ تُطلق وكل قنبلةٍ تُلقى. أما العالم، فاكتفى بدور المتفرج الذي يندد ببياناتٍ جوفاء، ويعقد اجتماعاتٍ عاجلة قد تأتي بعد أسابيع أو شهور، لتخرج في النهاية بنفس الكلمات المكررة التي لا تغير واقعاً، ولا توقف نزيفاً.

إن ما نشهده اليوم ليس مجرد حربٍ على غزة، بل محاولة لمحو شعبٍ بأكمله، بدعمٍ من قوةٍ عظمى فقدت كل مظاهر الأخلاق، وبمساندة كيانٍ لا يعرف للإنسانية معنى. ومع ذلك، يبقى السؤال، إلى متى سيظل العالم يكتفي بالمشاهدة، بينما الغدر الصهيوني يُكتب بدماء الأبرياء، والدعم الأمريكي يُشعل ناراً لا تبقي ولا تذر؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق