loading ad...
لم تبدأ الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والدول المتقدمة الاخرى كالاتحاد الاوروبي والنامية كالصين مع صدور قرار ترمب الجديد بفرض رسوم " المعاملة بالمثل"، بل هي قائمة منذ عقود أمام هيئات فض المنازعات في منظمة التجارة العالمية، واشتدت في العام ٢٠١٨ عندما رفع ترمب الرسوم على واردات الحديد والألمنيوم بنسبة 25% بداعي حماية الأمن القومي.اضافة اعلان
وعلى الصعيد الدولي، فإن الحمائية المتمثلة في قضايا الإغراق ومكافحة الدعم تصاعدت بشكل كبير خلال الأعوام الأربعة الماضية؛ مع توالي الأزمات الاقتصادية التي عصفت باقتصادات العالم بدءا من ازمة الكورونا.
الذي اختلف في قرار ترمب الجديد هو أنه أوجد أرضية واسعة للحمائية ستتعايش من خلالها جنبا الى جنب مع مفهوم التجارة الحرة في مستقبل التجارة الدولية.
حيثيات القرار
يقضي القرار بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على واردات أمريكا من دول العالم، وذلك من خلال زيادة التعرفة الجمركية على واردات ما يزيد عن 180 دولة، تم إخضاع معظمها لزيادة جمركية عامة مقدارها 10%، ودول أخرى محددة خضعت لنسب أعلى (10% - 48%)، بينها الأردن، الذي تم إخضاع صادراته إلى تعرفة جمركية عامة مقدارها 20%؛ بعد أن كانت معفاة بموجب اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين في العام 2001.
السبب المعلن لهذا القرار هو معالجة العجز في الميزان التجاري الذي تعانيه الولايات المتحدة مع العديد من دول العالم والذي وصل خلال السنوات الخمس الماضية إلى ما نسبته 40%، وبلغ عام 2024 ما مقداره تريليون ومئتي مليار دولار لصالح الواردات، مما أدى إلى "فقدان أكثر من 5 ملايين فرصة عمل في أمريكا من العام 1997 وحتى 2024" وإلى تراجع قدرات صناعات أمريكية هامة؛ كالصناعات العسكرية وصناعة السيارات والأدوية والصناعات التقنية؛ الأمر الذي أصبح يهدد الأمن القومي الأمريكي.
وذكر القرار بأن الولايات المتحدة أصبحت تعتمد كثيرا على المنتجات الأجنبية، مما جعلها عرضة لأزمات اقتصادية ناتجة عن انقطاع سلاسل الإمداد فيها كما حصل خلال أزمة كورونا، وأن مثل هذه الزيادة ستساعدها أكثر في الاعتماد على نفسها في الأزمات.
القرار هاجم أيضا في مقدمته نظام التجارة الدولي الممثل بمنظمة التجارة العالمية؛ على اعتبار أنها ساهمت في عجز الميزان التجاري الذي لحق بالولايات المتحدة، بداعي أن أحكام اتفاقياتها لا تلزم الدول الأعضاء بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في فرض الرسوم الجمركية على تجارتها البينية، وإن الولايات المتحدة الأمريكية تطبق متوسط تعرفة جمركية منخفض على واردات الدول الأعضاء يبلغ 3.3% مقارنة بباقي الدول كالبرازيل التي تفرض متوسطا يبلغ 11.2%) والاتحاد الأوروبي (5%) والصين (7.5%) والهند (17%)، وبأن أحكام المنظمة لا تلزم هذه الدول بتخفيض معدلات التعرفة بالقدر الذي تطبقه الولايات المتحدة أو الشركاء التجاريين، طالما أن هذه المعدلات هي ضمن الحدود القصوى المسموح بها في المنظمة.
كما هاجم القرار الدول الأعضاء في المنظمة؛ لأنهم فشلوا في التوصل إلى اتفاقات في جولات مفاوضات المنظمة بما يؤول إلى تعديل الأحكام للحد من العوائق الفنية أمام صادرات الدول الأعضاء، ومنها صادرات الولايات المتحدة.
كما برر القرار زيادة الرسوم الجمركية بأنه لا يتعلق فقط بالرسوم الجمركية التي تفرضها الدول على الصادرات الأمريكية؛ بل أيضا بالعوائق الفنية غير الجمركية التي تقف أمامها في أسواق دول العالم، وتتمثل في قيود منح تراخيص استيراد السلع الامريكية ومواصفاتها، وفي فرض ضرائب قيمة مضافة وضرائب خاصة عالية على الصادرات الأمريكية، وانتهاكات الملكية الفكرية وبرامج الدعم التي تفضل السلع المحلية على الأمريكية، والممارسات التجارية غير المشروعة، والفساد والرّشى.
وبدأ تطبيق القرار في 5/4/2025 بفرض رسم جمركي عام مقداره 10% على كل المنتجات الواردة من دول العالم على أن يتم زيادة هذا الرسم بتاريخ 9/4/2025 على دول محددة ضمن قائمة الملحق 1 للقرار.
كما ستُضاف الرسوم الجديدة لأية رسوم سابقة كانت تفرض على السلع الواردة كتلك التي تخضع لرسوم مكافحة الإغراق أو الرسوم التعويضية أو غيرها من الرسوم.
واعتبر القرار أي قرار رئاسي أو أمر تنفيذي سابق متعلق بالتجارة البينية مع أي دولة من الدول الخاضعة أصبح لاغيا. ومنح وزارة التجارة الأمريكية صلاحيات تقديم توصيات إضافية للرئيس باتخاذ إجراءات إضافية في حال التوصل إلى عدم كفاية الإجراءات الحالية لمعالجة العجز في الميزان التجاري.
كما منح القرار الرئيس الأمريكي صلاحية زيادة الرسوم بشكل أكبر على أي دولة تقدم بفرض رسوم جمركية (انتقامية) على الصادرات الأمريكية، وتخفيض الرسوم الجمركية على الدولة التي تزيل القيود المفروضة على الصادرات الأمريكية.
استثناءات القرار.
استثنى القرار في ملحقه الثاني قائمة من السلع المستوردة من كافة الدول من قرار زيادة الرسوم الجمركية، وهي في أغلبها معادن لا يتم انتاجها في أمريكا مثل البوتاس والفوسفات والنحاس والأدوية وأشباه الموصلات وسلع كانت تخضع أصلا لرسوم إضافية وفقا لمبررات الحفاظ على الأمن القومي. كما استثنى العديد من مدخلات الإنتاج التي تستخدمها الصناعة الأمريكية.
كما استثنى القرار الواردات الكندية والمكسيكية التي تم إخضاعها مؤخرا لرسوم جمركية تبلغ 25%. كما لن يسري القرار على السلع المستوردة التي لا تقل نسبة المكون الأمريكي فيها عن ما نسبته 20%.
آلية احتساب الزيادة في الرسوم الجمركية
أما المعادلة التي استخدمتها الإدارة الأمريكية في احتساب الرسوم الجمركية للدول المحددة في ملحق 1 للقرار، فكانت بقسمة مقدار العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة مع تلك الدولة على إجمالي قيمة صادراتها إلى الولايات المتحدة لآخر سنة، ومن ثم تحويلها إلى نسبة مئوية! وهو ما لا يتلاءم على أرض الواقع مع مسببات القرار؛ الذي ذكر أن النسب تم تحديدها وفقا لتقديرات شملت العوائق غير الجمركية أيضا.
القرار وأحكام اتفاقيات منظمة التجارة العالمية
يلقي قرار ترمب مجددا الضوء على أحكام المادة 21 من اتفاقية الجات 1994 [1]، التي لا زالت محل خلاف تفسيري بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، و الدول الأعضاء في المنظمة من جهة أخرى.
تعتبر المادة 21 أحد أهم الاستثناءات التي وردت في نصوص اتفاقيات منظمة التجارة العالمية على التجارة الحرة. إذ تقضي هذه المادة بأن للدول الأعضاء الحق في تعليق التزاماتها الجمركية في مواجهة الدول الأُخرى الأعضاء في المنظمة إذا كان هناك ظروف طارئة تهدد أمنها القومي. الأمر الذي استغلته سابقا الولايات المتحدة تحديدا في العام 2018، عندما رفعت الرسوم الجمركية على واردات الألمنيوم والحديد بنسبة بلغت 25% والتي لا زالت سارية حتى اليوم. وقد بررت الولايات المتحدة آنذاك فرض هذه الرسوم بأن إحلال الحديد والألمنيوم المصنعين محليا بالمستورد أضعف الاقتصاد الأمريكي؛ مما شكل تهديدا كبيرا لأمنها القومي وصناعاتها العسكرية.
وقد خلصت هيئة فض المنازعات لمنظمة التجارة العالمية التي نظرت في المسألة بأن الإجراء الأمريكي قد خالف أحكام المادة 21؛ على أساس أن نص المادة لا يمنح الدولة العضو الحرية في تقييم ما يعد خطرا على الأمن القومي بشكل ذاتي، وانما من خلال التشاور والتوافق مع الدول الأعضاء في المنظمة. الأمر الذي لا زالت ترفضه الولايات المتحدة؛ بل ووضعته شرطا على الدول الأعضاء لتقبل الانخراط في مشاورات ومفاوضات إصلاح أحكام اتفاقيات المنظمة وتفعيل هيئة فض المنازعات الاستئنافية التي عطلتها سابقا.
وبالعودة إلى القرار الجديد، نجد أيضا أن أمريكا تذرعت مجددا بأن هذه الإجراءات جاءت لتوافر شروط حماية أمنها القومي؛ لأن العجز في الميزان التجاري قد أضعف الاقتصاد الأمريكي، وأضعف صناعاتها بما فيها الصناعات العسكرية. وبالتالي اعادت وضع غطاء المادة 21 من اتفاقية الجات على القرار الجديد ووفقا لتفسيرها الخاص لنصوص المادة.
أما فيما يتعلق بالمبررات التفصيلية للقرار المتعلقة بالمعاملة بالمثل، فلا يوجد في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية ما يسمى بمبدأ المعاملة بالمثل؛ بمعنى أن الدول لا يجوز لها أن تميز بين الرسوم الجمركية التي تفرضها على السلع بين دولة وأخرى، وهو مما يتطلب أن يكون نسبة الرسم الجمركي الذي تفرضه الدولة العضو على أي سلعة واردة من دولة عضو أخرى موحدا لواردات كافة الدول الأعضاء ووفقا للالتزامات الجمركية التي تعهدت بها أمام المنظمة عند الانضمام (المادة 1 من الجات 1994). وإذا رغبت أي دولة عضو تعديل جداولها الجمركية، فإنه لا يجوز لها إجراء أي تعديل على التزاماتها الجمركية، إلا بعد تقديم طلب رسمي؛ ومن ثم التفاوض مع الدول الأعضاء للحصول على موافقاتها لتعديل هذه الرسوم أو زيادتها وفقا لأحكام المادة 28 من اتفاقية الجات 1994 المتعلقة باحكام تعديل جداول التعرفة الجمركية.
وحيث إن قرار الولايات المتحدة يعد أيضا "تعليقا" لالتزاماتها الجمركية في مواجهة الدول الأعضاء، فإن نصوص اتفاقيات منظمة التجارة العالمية لا تجيز هذا التعليق إلا إذا صدر قرار بذلك عن هيئة فض المنازعات كإجراء عقابي في مواجهة الدولة التي يثبت مخالفتها لأي من أحكام الاتفاقية.
وبالتالي فإن مبدأ المعاملة بالمثل لا يعد مبدأ قانونيا قائم بحد ذاته في المنظمة وانما وجوده ضمني، ويتم إما بالتوافق بين الدول الأعضاء، أو بإصدار قرار عن هيئة فض المنازعات يتيح للدولة العضو الحق في تعليق التزاماتها الجمركية في مواجهة الدولة الأخرى التي يثبت مخالفتها لأحكام أي من اتفاقيات المنظمة، وهو ما لم يتم مراعاته في إصدار القرار الأمريكي.
وفي مواجهة الأردن، خالف القرار أحكام اتفاقية التجارة الحرة الأردنية-الأمريكية الموقعة في العام 2001. إذ تخالف الزيادة بشكل صريح نصوص المادة 2 من الاتفاقية التي تحظر مثل هذا التعديل. وعمليا لا يمكن إلزام الولايات المتحدة بنصوص الاتفاقية؛ لأنها تستطيع تعطيل نص فض المنازعات بعدم تعيينها لعضو لجنة فض المنازعات التي تنشأ عن الاتفاقية (المادة 17 من الاتفاقية)، وهو مما يجعل فعليا تطبيق مثل هذه الاتفاقيات مناط بارادة الأطراف ونفوذها السياسي.
التبعات المحتملة للقرار دوليا وأمريكيا.
دون أدنى شك أن القرار الأمريكي يلخص مرحلة جديدة اقتصادية عالمية تدفع فيها الولايات المتحدة الاقتصاد العالمي نحو التوسع في استخدام الحمائية إلى جانب التجارة الحرة.
يشكل القرار في المقام الأول هزة لمنظمة التجارة العالمية وأحكامها من قبل الولايات المتحدة؛ عراب نظام التجارة الحرة الدولية، الذي يعد أبرز ملامح النظام الرأسمالي الدولي الذي قادته أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، تحت ذريعة تحقيق السلم العالمي، بدءا من اتفاقية الجات في العام 1947، مرورا بجولاتها التفاوضية الثمانية؛ ووصولا إلى إنشاء منظمة التجارة العالمية في العام ١٩٩٤. وقد أوجدت الولايات المتحدة هذا النظام فعليا لإزالة العوائق الجمركية والفنية أمام صادراتها.
أما الآن، نراها تنقلب على هذا النظام بعد أن فرضت قواعده وأحكامه ومبادئه على معظم الأنظمة الاقتصادية والقانونية لمعظم دول العالم.
وعلى الرغم من محاولات الولايات المتحدة تحييد أحكام اتفاقيات منظمة التجارة العالمية في مواجهتها، بعد أن عطلت انتخاب قضاة هيئة فض المنازعات الاستئنافية في المنظمة، وجمدت مساهمتها المالية للمنظمة مؤخرا؛ ومن ثم إصدارها لهذا القرار، إلا أنها تستخدمكل ذلك كوسيلة ضغط لفرض واقع جديد في المنظمة.
فهي ترغب في الحفاظ على المنظمة؛ لأنها تتيح لها التدخل لحماية صادراتها وحقوق شركاتها التصديرية، وتبقي ممثليها حاضرين في أروقة المنظمة مع الدول الأخرى. ولكن في نفس الوقت؛ هي لا تريد أن تلتزم بأحكام المنظمة بشكلها الحالي، لذلك قامت أولا بتعطيل منظومة فض المنازعات في المنظمة في درجتها الاستئنافية تجنبا لإصدار قرارات عقابية قطعية في مواجهتها. فهي تريد الإبقاء على المنظمة ضمن سياق الحفاظ على حقوقها وممارسة نفوذها السياسي والاقتصادي، على أن تعطلها في سياق التزاماتها إلى أن تتمكن من فرض شروطها الخاصة، خصوصا المتعلقة بتفسير النصوص التي تمنحها حرية زيادة الرسوم الجمركية، وهو ما يعد حاليا أقرب إلى المستحيل؛ بسبب نظام التصويت القائم في المنظمة الذي لا يتيح لها فرض مقترحاتها وتعديل الاتفاقيات دون إجماع باقي الدول الأعضاء.
أما الآثار الاقتصادية المتوقعة للقرار على المستوى الدولي، فإنه من الواضح أن آثاره السلبية المباشرة على الأسواق المالية الأمريكية والعالمية كبير مع هروب الأموال منها، والتي يمكن ان تتحسن مع استقرار العمل بالقرار. وقد يعود القرار بالفائدة على القطاعات الصناعية الأمريكية في المدى المتوسط، وقد يساهم في توسع الاستثمارات الصناعية في أمريكا، وهو ما يأتي ضمن خطة أمريكية (مُبالغ في طموحها) لزيادة دخل الخزينة بمقدار سبعمئة مليار دولار سنويا، لمواجهة مشكلة الدين العام للعام 2025 والتي من المتوقع ان تبلغ حوالي تسعة تريليونات دولار ، في الوقت الذي تقوم به إدارة ترمب، بحسب ادعائها، بتخفيض الإنفاق العام بمقدار أربعة مليارات دولار يوميا من خلال مدققي "إيلون مسك".
ولكن من المؤكد أن مثل هذا القرار قد يحد من الاستيراد، وفي وقت قد لا تتدفق في الاستثمارات الصناعية الجديدة بسرعة بعد هذا القرار، مما قد يُدخل الولايات المتحدة في المزيد من الأزمات الاقتصادية، ويجعل من هذا القرار مجازفة بالغة الخطورة على الاقتصاد الأمريكي.
عموما أستبعد أن تنشأ "حربا تجارية" بمفهومها الواسع على المستوى الدولي، بل إن الكثير من الدول، خصوصا النامية والأقل نموا، قد تلجأ للتفاوض مع الولايات المتحدة لتلبية مطالبها لإلغاء زيادات الرسوم على صادراتها أو تخفيضها. ولكن لا شك أن الحرب التجارية ستشتد مع الدول الكبرى خصوصا الاتحاد الأوروبي والصين، وسيكون لمثل هذه الحروب آثارا واضطرابات للأسواق تُأرجح الأسواق المالية، وستساهم في زيادة التضخم العالمي على المديين القصير والمتوسط، وفي تنامي "الحمائية" الدولية من خلال تزايد قضايا مكافحة الإغراق والمعالجات التجارية حول العالم.
إذ أظهر تقرير صدر مؤخرا عن منظمة التجارة العالمية عن وجود زيادة كبيرة في تحقيقات مكافحة الإغراق والدعم من قبل الدول الأعضاء وصل إلى 169 تحقيقا خلال العام 2024 على حجم تجارة سلعية بلغت قيمتها ثمانمئة وثمانية وثمانين مليار دولار، وبزيادة بلغت ثلاثمئة وسبعة وثلاثين مليار دولار عن قيمة التجارة السلعية التي خضعت لتحقيقات الإغراق والدعم في العام 2023.
التبعات المحتملة للقرار أردنيا وعربيا
أردنيا فإن الصناعة المتضررة أولا هي صناعة الملابس المخصصة للتصدير إلى السوق الأمريكي في المناطق الصناعية المؤهلة؛ والتي جاءت أصلا بحوافز أمريكية بعد اتفاقية السلام الموقعة في العام 1994. صادرات المناطق الصناعية المؤهلة شكلت، وفقا لبيانات دائرة الإحصاءات العامة، ما يقارب 78% من مجمل الصادرات الأردنية إلى السوق الأمريكية التي بلغ مجملها في العام 2024 ما مقداره مليارين ومئتي مليون دينار، بفائض بلغ تقريبا تسعمئة مليون دينار لصالح الصادرات الأردنية. وعلما أن معظم هذه الصناعات هي رؤوس أموال أجنبية، وتشغل عمالة أجنبية بنسبة تتجاوز ثلاثة أرباع إجمالي العمالة المحلية، إضافة إلى أن هذه الاستثمارات مخصصة حصرا لسد النقص في الطاقات الإنتاجية لصناعات كبريات "الماركات" التجارية الأمريكية!
عموما إذا كانت هذه الصناعات تستخدم مكونا أمريكيا في إنتاجها لا يقل عن 20% من مجمل مكونات الإنتاج، فإنها لن تخضع للزيادة، إذ استثنى قرار ترمب صراحة الصناعات التي تستخدم المكون الأمريكي من الزيادة.
ولا شك أن هذه الصناعة قد تتأثر بشكل كبير في حال الإبقاء على الرسوم في مواجهة صادراتها، ومن المحتمل أن تنتقل إلى المناطق الصناعية المؤهلة في مصر للحفاظ على تنافسيتها، والتي فُرِض على صادراتها رسما جمركياً أقل بنسبة بلغت 10%.
أما فيما يتعلق بالصادرات الأردنية الهامة من معادن الفوسفات والبوتاس، فوفقا لقائمة الاستثناءات، فإن سلعة البوتاس والفوسفات مدرجة في ملحق القرار لقائمة السلع المستثناة من الرسوم؛ وبالتالي قد لا تنطبق عليها الرسوم الجديدة.
كما أنه من غير الواضح إذا كان قرار ترمب قد ألغى العمل باتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الأردنية؛ لأنه نص في بنوده على أن أية قرارات رئاسية سابقة تخص تحديد الرسوم الجمركية بين أمريكا وأي دولة خاضعة للقرار أصبحت لاغية. وهذا أمر بحاجة إلى الحصول على توضيحات بخصوصه؛ لأنه يترتب عليه تبعات وآثار قانونية على الصعيد المحلي على الأقل.
ومن الوارد أن يؤدي القرار إلى تحول الكثير من المنتجات الصينية إلى أسواق الشرق الأوسط، ومنها السوق الأردني بأسعار مخفضة جدا، مما قد يلحق ضررا كبيرا بالصناعات الأردنية التي ستواجه المصاعب، إضافة إلى المصاعب الحالية التي تعاني منها بسبب ارتفاع كلف الطاقة، في التنافس مع الأسعار المنخفضة للواردات.
أما عربيا، فإن الرسوم المنخفضة التي فُرِضَت على دول مجلس التعاون ومصر هي أيضا فرصة لزيادة الاستثمارات الصناعية المحلية والأجنبية لغاية التصدير إلى أسواق الولايات المتحدة. ولا يستبعد تدفق الاستثمارات الصناعية الصينية إلى دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، والتي بدأت فعلا في التزايد فيها خلال السنوات القليلة الماضية في العديد من القطاعات. كما أنه من المتوقع أيضا زيادة قضايا مكافحة الإغراق في دول مجلس التعاون ومصر لمواجهة التحولات المحتملة لفوائض الإنتاج في الدول التي خضعت لنسب جمركية عالية، وتعتمد على التصدير للسوق الأمريكي.
وقد فُرِض نسب مرتفعة على كل من سوريا والجزائر وتونس وليبيا والعراق (28% - 41%)، ولا شك أن هذا أيضا قد يصب في خانة الدعوة إلى التفاوض على العديد من الملفات التي قد تكون سياسية في المقام الأول.
الإجراءات المتاحة لمواجهة القرار
لا شك أن رسوم ترمب هي بمثابة دعوة إلى الدول الخاضعة للتفاوض، سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية. لذلك أبقى القرار على الأقل الباب مفتوحا أمام إزالة أو تخفيض الرسوم إذا قامت الدولة الخاضعة بإزالة العوائق أمام الصادرات الأمريكية التي تدعيها إدارة ترمب. كان هناك تصريح لافت للرئيس الأمريكي أمس أبدى فيه ترحيبه بتواصل الحكومة الفيتنامية مع إدارته، والتي أبدت استعدادها لإزالة كافة الرسوم الجمركية عن الصادرات الأمريكية، وهو بدوره أبدى استعداده لإزالة الرسوم عن الواردات الفيتنامية بالمقابل إن حدث ذلك بعد أن فرض عليها نسبة جمركية مرتفعة بلغت 46% بموجب قراره الجديد.
وعليه لا بد للحكومة الأردنية من المبادرة في التواصل مع وزارة التجارة الأمريكية، لتوضيح أن صناعات الملابس في المناطق الصناعية المؤهلة تخدم في الأساس الماركات التجارية الأمريكية الشهيرة، ولا تعكس حقيقة خللا في الميزان التجاري مع أمريكا، لأنها في غالبها استثمارات أجنبية مخصصة للتصدير إلى السوق الأمريكي، وتحتاج إليها الشركات الأمريكية، وتعمل ضمن مناطق صناعية مؤهلة معفاة ضريبيا تساهم في زيادة تنافسية الشركات الأمريكية.
أما فيما يتعلق بباقي السلع، فلا بد للحكومة من الاستفسار أولا عن كيفية احتساب الرسوم على الصادرات الأردنية، خصوصا أن الأردن لا يطبق رسما مقداره ٤٠٪ على الواردات الأمريكية - (وهو المقدار الذي نص عليه قرار ترمب، وتم بناء عليه تحديد نسبة الرسم الجمركي المفروضة على الصادرات الأردنية-، وتقديم كافة الأدلة التي تدعم ذلك، وفي ظل أن التجارة البينية معفاة من الرسوم الجمركية بموجب اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
وإذا استطاعت الحكومة إزالة الرسوم عن الصادرات الأردنية أو تخفيضها إلى الحدود المفروضة على الصادرات المصرية أو أقل، فإن هذا سيشكل فرصة لزيادة الاستثمارات الصناعية الأجنبية في الأردن المخصصة للتصدير إلى أمريكا، وخصوصا قطاع الملابس، في ظل الرسوم العالية التي فُرِضَت من قبل الولايات المتحدة على الدول الفاعلة في إنتاج الملابس كالصين، والتي بلغت 34% وسيريلانكا بنسبة 44% والهند بنسبة 27% وبنغلادش بنسبة 37%.
ومن جانب آخر، فإنه قياسا على ما تقوم به دول العالم من جهود ترمي إلى رفد وتطوير أجهزتها الحمائية الداخلية لمواجهة آثار الحروب التجارية التي زادت في الأعوام القليلة السابقة لمواجهة الواردات التي تباع بأسعار مغرقة أو مدعومة، فلا بد للحكومة الأردنية من تفعيل قانون حماية الإنتاج الوطني في مواجهة الاضطرابات التي ستشهدها الأسواق المحلية والدولية، والتي ستؤدي إلى تدفق البضائع ذات الأسعار الإغريقية أو المدعومة إلى الأسواق المحلية، والتي ستؤدي إلى الأضرار بشكل كبير بالصناعات الأردنية التي تنتج سلعا مشابهة.
[1] تنص المادة 21 من الجات 1994 على انه:" لا يوجد في هذه الاتفاقية ما:
أ. تطلب من الدولة العضو تقديم اية معلومات يعتبر الكشف عنها مخالف لمصالحها الأمنية
ب. يجنب أي دولة عضو من اتخاذ اية إجراءات تعتبرها ضرورية لحماية مصالحها الأمنية تتعلق:
بالمواد القابلة للانشطار او بالمواد المشتقة عنها
) بحركة نقل الأسلحة وأدوات الحرب كذلك تلك المتعلقة بحركة أي نقل يتعلق باي بضاعة الأخرى يتم نقلها بشكل مباشر او غير مباشر لغايات امداد جهة عسكرية
) التي تطبق وقت الحرب او في أي حالات طارئة أخرى في سياق العلاقات الدولية."
* خبير تشريعات تجارة دولية
0 تعليق