إعلان الكشف عن خلايا الإرهاب، ما لم يُقَْل

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

كتب: الدكتور مهند العزة

 

 في الوقت الذي اندثر فيه أدب وفن الرمزية أو يكاد، نُصرّ على اجترار هذا الأسلوب البائد الذي بات توظيفه اليوم يأتي بنتائج معاكسة للغرض من استخدامه،  ففي حين كان يهدف مستخدمو أسلوب الأدب أو الفن أو الكتابة الرمزية البوح بطريقة غير مباشرة بأمور لا يمكن الحديث عنها صراحة، بات هذا الأسلوب مع فضاءات التواصل وتبادل ونشر المعلومات أقرب إلى التعريف بالمعروف وشرح المشروح وإبراز الظاهر عياناً بيانا.اضافة اعلان

 

  

انطوى المؤتمر الصحفي الذي تم الإعلان من خلاله عن وجود خلايا إرهابية تقوم بتصنيع الصواريخ والمسيرات في الأردن منذ مدة على حزمة من العبارات التي تنتمي إلى أدب الترميز أو التورية بحد أقصى، حيث قيلت وتم وضع خطوطاً افتراضيةً تحتها متروكةً لفهم وتأويل المتلقي لها. فقد قيل مثلا: “بدأت هذه الخلايا عملها سنة 2021، هذا عام مهم!! وتم ضبط مجموعات من بينهم مجموعة لتصنيع صواريخ قصيرة المدى يبلغ مداها من 3 إلى 5 كيلو مترات فقط!! هذا مؤشر كبير!".

 

بطبيعة الحال سوف يتساءل من هو خارج المشهد: “وما هي أهمية عام 2021؟ وما هو المؤشر الكبير للمدى القصير للصواريخ؟”. أما المعنيون بالقضية من مراقبين وصحفيين ومحللين؛ فسوف يصلون فوراً إلى الاستنتاج الذي تغيّته هذه العبارات، وهو بوضوح وبدون مواربة: “أن هذه المجموعات بدأت عملها قبل السابع من أكتوبر 2023 تاريخ بدأ هجوم حماس على إسرائيل وما تبعه من حرب إبادة على قطاع غزة، وأن الصواريخ بمدى 3 إلى 5 كيلومترات ما كان لها لتصيب أهدافاً في إسرائيل.. فالنتيجة إذن: أن هذه الخلايا لم تقم بما قامت به لدعم المقاومة في غزة، وإنما كانت تستهدف أمن الأردن ولديها بنك أهداف داخله”.


 هذا الأسلوب الحذر المتلمس لحساسيات بعضها موجود وجلّه إما مفترض أو مبالغ فيه، يضر -من وجهة نظري- كثيراً بأحقية القضية المعلن عنها التي لا ريب أنها قضية أمن وطني ومساس بسيادة الدولة حتى وإن كان قصد الجناة مما اقترفوه استخدام الأردن قاعدةً لقصف الغير ومقراً لتصنيع الأسلحة وتهريبها.
  هكذا وبوضوح يجب أن تتم مناقشة الأمور وطرحها على الرأي العام، إذ أن الخلاصة التي أرادها المؤتمر الصحفي الأول: هي “أن هذه المجموعة ليس هدفها إسناد المقاومة في غزة بضرب أهداف في إسرائيل من أراضينا، وإنما أرادت القيام بأعمال تخريب وإرهاب وترهيب داخل الأردن”، ليصل المتلقي إلى نتيجة مؤداها: “إذن لو كانت الصواريخ متوسطة أو طويلة المدى، ولو كان عمل هذه المجموعات قد بدأ بعد السابع من أكتوبر، لكان الأمر مقبولاً ومبرراً ولا تثريب على من قام به!”.


 محاولة الموازنة بين الشعور العام المتؤجج بسبب جرائم إسرائيل في قطاع غزة وبين المحافظة على الأمن القومي للبلد ومنع جرها عنوةً إلى أتون صراع اختارته حركة حماس برعونة دون أي حساب أو استراتيجية للمناورة.. أمر مفهوم وليس من السهولة بمكان، إلا أن المعالجة الإعلامية لقضايا الأمن القومي بهذه الطريقة سوف يأتي بنتائج عكسية تماما، حيث سوف يبدأ النقاش كما هو الآن في عديد المنصات والفضاءات حول “نزاهة ونبل” قصد الجناة، وتفنيد مسألة مدى الصواريخ وأثره، والقول مثلا: “حتى وإن كان مدى الصواريخ المصنعة  5 كيلومترات وتم إطلاقها من نقطة حدودية فإنها سوف تصل حتماً إلى هدف ما داخل إسرائيل..”، وهذا بالضبط هو فخ جرّ الضحية إلى ملعب الجاني. ما يجب توعية الناس به وقوله بصراحة ومناقشته بشكل علمي وهادئ بعيداً عن التشنجات والشعبويات هو: أنه يجب التفريق بجلاء بين واجب الوقوف إلى جانب سكان قطاع غزة المظلومين ودعمهم ومساندتهم ليحافظوا على حياة من تبقى منهم ولإنهاء معاناتهم التي يحتاجون عقوداً من الزمن ليتخلصوا من آثارها الجسدية والنفسية والاجتماعية، وبين دعم حركة حماس التي احتكرت المقاومة بطريقة غير شرعية ابتداءً حينما اختطفت قطاع غزة وقتلت وطردت السلطة الفلسطينية منه عام 2007. لماذا يجب على أي دولة أو جهة دعم اختيارات وقرارات حركة مستبدة غير متعقلة  أعطت غلاة التيار اليميني في إسرائيل الذي كان على وشك الانهيار قبلة الحياة بهجومها الأرعن غير المحسوب يوم السابع من أكتوبر، دون دراسة العواقب بشكل استراتيجي من خلال استقراء التاريخ وردات الفعل الدولية والوضع السياسي الداخلي في إسرائيل حينها. ظنّي أن أحدهم في مذكراته سوف يسدي لحماس شكراً موصولاً على منحها دولة إسرائيل ليس قبلة الحياة بل الحياة نفسها، إذ كانت إسرائيل بحاجة لمخططات ومليارات وعقود من الزمن لتحقق ما حققته خلال العامين الماضيين ليس فقط في غزة والضفة بل في عموم المنطقة.


 الواقع الذي تريده حركة حماس ونجحت في إيهام كثيرين به ثم تطالب الجميع بالانصياع له هو: “عارٌ على كل من يرفض تأييدنا ودعمنا،فنحن والشرعية والمشروعية سواء، إدانتنا خيانة وتأييد للعدو، وتأييدنا وطنية واصطفاف إلى جانب الضحايا في غزة”، هذا الواقع المخادع المفروض من الحركة ومؤيديها خصوصاً بعض وسائل الإعلام الإقليمية للأسف تتهيبه عديد الدول وتتعامل معه بحذر مبالغ فيه، ربما  بسبب فشل الجهود كافة في وقف المذبحة في قطاع غزة التي يتقدم وجوب إنهاؤها على كل ما عداه من أولويات.


 معادلة أن من ينتقد حماس يؤيد إسرائيل ولا يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، هي معادلة أخوانية حمساوية بائسة وإن اشتراها وشربها جموع المتعطشين للجهاد حتى آخر مدني في الضفة والقطاع، لذلك فإن المعادلة الصحيحة عندنا يجب أن تكون: “داعمون لسكان قطاع غزة بكل مورد ومُكنة وجهد متاح، أما استخدام الأراضي الأردنية لتصنيع الأسلحة والمتفجرات ووضع مخططات حربية هو إخلال صارخ بأمن الدولة وجريمة لا ينفيها عدم تقصد الجناة استخدام ما يصنعونه ضد أهداف محلية، وإنما مهاجمة دول مجاورة لدعم حركات تعتبرها مقاومة.

 

فالدولة سيدة قراراتها وصاحبة اختياراتها، وهي التي تحدد الحلفاء وكيفية التعاطي مع الأعداء، وهي التي تتخذ مواقفها من الأحداث والحركات والجماعات والمجموعات بناءً على مصالح عليا ورؤية طويلة الأمد ليس للشعارات والهتافات والشعبويات مساحة فيها”.

 

 

الدكتور مهند العزة
الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق