loading ad...
يؤشر إعلان الرئيس دونالد ترامب عن التعريفات الجمركية المتبادلة الشاملة، في ما وُصف بـ"يوم التحرير"، على تحول جذري في ديناميات التجارة العالمية. وتؤكد الخطة، التي تفرض تعريفة أساسية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة وتفرض معدلات أكثر حدة على شركاء تجاريين محدَّدين، التزامه بنظرة اقتصادية للعالم في القرن العشرين. وفي تجاهل تام للترابط المعقد للاقتصاد العالمي الحديث، يتجذر منظور ترامب حول التجارة في نظرية لعبة محصلتها صفر، حيث يُنظر إلى مكاسب دولة على أنها خسارة لدولة أخرى. وتمثل هذه السياسة خروجًا صارخًا عن عقود من الاستراتيجية التجارية الأميركية، والتي ستدفع بالتأكيد حلفاء اقتصاديين رئيسيين إلى اللجوء إلى إجراءات انتقامية.اضافة اعلان
التسويغ المنطقي المعطى وراء سياسة التعريفة الجمركية التي ينتهجها ترامب هو أنه إذا فرضت دولة ما تعريفة جمركية بنسبة 10 في المائة على السلع الأميركية، فيجب على الولايات المتحدة أن تردّ بالمثل. لكنّ هذا النهج يعكس سوء فهم أساسيًا لآليات التجارة الدولية. في الأساس، يعتمد المصنّعون الأميركيون بشكل كبير على المكونات المستوردة لتجميع المنتجات النهائية. ومن خلال تضخيم تكلفة هذه المدخلات بسبب التعريفات الجمركية، سيتم تقويض القدرة التنافسية للسلع أميركية الصنع في الأسواق العالمية بشكل كبير. وبالإضافة إلى ذلك، هناك شريحة كبيرة من القوى العاملة الأميركية تعمل في الصناعات التي تعتمد على التصدير -من الزراعة إلى تصنيع السيارات- التي تزدهر في الأسواق المفتوحة. ومن شأن السياسة التجارية الانتقامية أن تستفز حكومات أجنبية حتمًا وتدفعها إلى فرض تعريفات مضادة على الصادرات الأميركية، مما يعرض هذه الصناعات وعمالها للخطر بشكل مباشر.
كانت الاستجابة العالمية لهذا الإعلان بالغة الأهمية. وقد أشار حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيون، بمن فيهم أعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالفعل إلى نيتهم الرد. وألمح الاتحاد الأوروبي، الذي كان تاريخيًا شريكًا تجاريًا قويًا للولايات المتحدة، إلى فرض رسوم مضادة على الصادرات الأميركية الشهيرة، مثل المنتجات الزراعية والسلع الفاخرة والسيارات. ويمكن لمثل هذه الإجراءات أن تشل الصناعات الأميركية التي تعتمد بشكل كبير على الأسواق الخارجية. وبالمثل، تقوم الصين، التي تعد هدفًا متكررًا للمظالم التجارية الأميركية، بإعداد مجموعتها الخاصة من التعريفات العقابية التي تستهدف القطاعات الأميركية الحيوية، مثل التكنولوجيا والزراعة والطيران. كما أدانت أستراليا، وهي حليف تجاري وأمني وثيق للولايات المتحدة، هذه الخطوة، وقالت إنها تقوض النظام التجاري العالمي الذي تم بناؤه بشق الأنفس على مدى عقود. وحذرت البرازيل، وهي مصدر رئيسي للمواد الخام، من الآثار المزعزعة للاستقرار التي تخلفها الإجراءات الأميركية على أسواق السلع العالمية، وأبدت استعدادها لاستكشاف تدابير مضادة. وتشير ردود الفعل هذه إلى أنه بدلاً من إعادة معايرة العلاقات التجارية الأميركية، يمكن للتعريفات الجديدة أن تغرق العالم في دورة متصاعدة من الحروب التجارية.
بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، ستكون تداعيات هذه التعريفات ملموسة. مع استيراد الولايات المتحدة لما يقرب من 3.3 تريليون دولار من السلع سنويًا، ستؤثر التعريفات الجديدة على كل قطاع تقريبًا. من الإلكترونيات والملابس إلى السيارات والمنتجات الغذائية، سيتم نقل تكاليف الاستيراد المتزايدة حتمًا إلى المستهلكين. وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار في جميع المجالات، وتآكل القوة الشرائية، والتأثير بشكل غير متناسب على الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تشهد الإلكترونيات التي تعتمد على المكونات الآسيوية ارتفاعًا حادًا في الأسعار بطريقة تجعل العناصر اليومية، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة، أكثر تكلفة بكثير.
ولنأخذ صناعة السيارات كمثال. من المرجح أن تواجه صناعة السيارات زيادة كبيرة في الأسعار في الولايات المتحدة لأن ترامب فرض رسوما جمركية بنسبة 25 في المائة على السيارات المستوردة وقطع غيار السيارات. وقد يرتفع سعر السيارات الجديدة بين 5.000 و15.000 دولار بناء على الطراز المحدد. وحتى لو تم تصنيع السيارات محليًا، فإن غالبية مبيعات السيارات الأميركية تعتمد على مكونات مستوردة. وستقوم شركات صناعة السيارات بتحويل التكاليف المتزايدة إلى العملاء، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار لجميع السيارات التي تُباع في السوق.
وسوف تمتد الآثار المتتابعة إلى ما هو أبعد من السلع الاستهلاكية. بينما يتصارع المُصنّعون وتجار التجزئة مع ارتفاع تكاليف المدخلات، قد يضطر البعض إلى تقليص العمليات أو تقليل التوظيف، مما يؤدي إلى فقدان الوظائف، خاصة في الصناعات التي تعتمد على سلاسل التوريد العالمية المعقدة. ومن المفارقات أن العمال الأميركيين الذين تهدف هذه التعريفات إلى حمايتهم قد يتحملون العبء الأكبر من التداعيات. كما أن القطاع الزراعي على وشك أن يعاني هو الآخر. يمكن أن تؤدي التعريفات الانتقامية من المستوردين الرئيسيين للمنتجات الزراعية الأميركية، مثل فول الصويا والذرة، إلى تدمير المزارعين الذين يعملون مُسبقًا بهوامش ربح ضئيلة للغاية، مما يزيد من تفاقم التفاوتات الاقتصادية في المجتمعات الريفية.
غالبًا ما أسفرت السياسات الحمائية، تاريخيًا، عن عواقب غير مقصودة، ومن غير المرجح أن تكون هذه الحالة استثناء. وكان "قانون سموت-هاولي للتعريفة الجمركية للعام 1930"**، الذي تم سنه خلال فترة "الكساد الكبير"، قد أثار موجة من التعريفات الانتقامية من الشركاء التجاريين، مما أدى إلى انكماش حاد في التجارة العالمية وتفاقم الأزمة الاقتصادية. وعلى الرغم من اختلاف السياق الاقتصادي الحالي، إلا أن المخاطر تظل متشابهة. والحروب التجارية ليس فيها فائزون، وفي الاقتصاد العالمي المترابط اليوم، نادرًا ما تقتصر التداعيات على البلد الذي يبدأ الحرب.
بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية، فإن العواقب الجيوسياسية لهذه السياسة مثيرة للقلق بالقدر نفسه. في الوقت الذي تتطلب فيه التحديات العالمية، مثل تغير المناخ والأوبئة والاضطرابات التكنولوجية، عملاً جماعيًا، يعرض هذا النهج الأميركي أحادي الجانب خطر إبعاد الحلفاء وتقويض التعاون الدولي. وقد تبدأ الدول التي كانت تتطلع تقليديًا إلى الولايات المتحدة للقيادة في استكشاف تحالفات بديلة، مما قد يؤدي إلى تغيير ميزان القوى العالمي بطرق يمكن أن تكون لها عواقب دائمة. وبالإضافة إلى ذلك، تؤدي هذه التعريفات الجمركية إلى تآكل النظام التجاري الدولي القائم على القواعد الذي دعم الاستقرار الاقتصادي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية. من خلال تهميش المفاوضات متعددة الأطراف لصالح العمل أحادي الجانب، تضع الولايات المتحدة سابقة قد تحاكيها الدول الأخرى، مما يلحق المزيد من التصدع بالنظام التجاري العالمي.
كان الأساس المنطقي الاقتصادي لهذه التعريفات معيبًا للغاية. إن الاختلالات التجارية لا تجيء نتيجة للممارسات غير العادلة التي تمارسها الدول الأخرى فحسب؛ إنها تتشكل من خلال تفاعل معقد للعديد من العوامل، بما في ذلك تقييمات العملات، وأنماط الاستهلاك المحلي، والمزايا النسبية. وتفشل التعريفات الشاملة في معالجة هذه القضايا الأساسية، وتخاطر بدلاً من ذلك بخلق تحديات جديدة. وعلى الرغم من أن بعض الصناعات قد تشهد استرخاءً قصير الأجل، فإن المرجح هو أن تفوق العواقب طويلة المدى أي مكاسب فورية. وسوف يكافح المصدرون الأميركيون، الذين يواجهون تعريفات جمركية انتقامية، للمنافسة في الأسواق الدولية، مما قد يؤدي إلى فقدان الوظائف في القطاعات المعتمدة على التصدير وتعويض أي فوائد في الصناعات المحمية.
يضيف توقيت هذا الإعلان طبقة أخرى من التعقيد. مع استمرار معاناة الاقتصاد العالمي من الهزات الارتدادية التي أحدثتها جائحة "كوفيد-19"، بما في ذلك الضغوط التضخمية المستمرة واضطرابات سلاسل التوريد، يهدد انتهاج مثل هذه السياسة التخريبية في هذه المرحلة بمفاقمة عدم الاستقرار الاقتصادي، محليًا ودوليًا. إنها مقامرة عالية المخاطر وذات عواقب بعيدة المدى.
*عمران خالد Imran Khalid: محلل جيوستراتيجي وكاتب عمود في الشؤون الدولية. تُنشر أعماله على نطاق واسع من قبل المؤسسات والمنشورات الإخبارية الدولية المرموقة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: How Trump’s Tariffs Are Pushing the World Toward Economic Chaos
هامش المترجم:
**قانون سموت-هاولي التعرفة الجمركية للعام 1930 (The Smoot-Hawley Tariff Act of 1930): هو قانون أميركي فرض تعريفات جمركية مرتفعة على عدد كبير من السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة. سُمي باسم السيناتور ريد سموت والنائب ويليس هاولي، وأُقر في عهد الرئيس هيربرت هوفر. كان الهدف من القانون في البداية هو حماية المزارعين والصناعات الأميركية من المنافسة الأجنبية في ظل تفاقم الكساد الاقتصادي الكبير (الكساد العظيم). أثار ردود فعل انتقامية من العديد من الدول التي رفعت بدورها التعريفات على البضائع الأميركية. تسبب في انخفاض التجارة العالمية وزاد من حدة الكساد الاقتصادي العالمي. يعتبره الكثير من الاقتصاديين أحد الأخطاء الاقتصادية الكبرى في التاريخ الأميركي الحديث.
0 تعليق