لم تكن هذه الرسالة التي وردت من إحدى الأمهات هي الشكوى الوحيدة والفريدة من نوعها، بل أسجلها كثيرا في عيادتي والكفة متعادلة في هذا الجانب بين الأطفال الذكور والإناث، فمشكلة الحلويات ليس في تناولها، ولكن في مخاطر الإدمان عليها، فالحلويات بلا قيمة غذائية يستفيد منها الجسم، إذ تحتوي بشكل أساسي على السكريات، بالإضافة إلى بعض العناصر الأخرى حسب نوع الحلوى مثل المواد الدهنية والمواد الملونة والنكهات الاصطناعية، ولا تمد الجسم بأي عناصر غذائية مثل البروتينات والفيتامينات والمعادن، وقد يرى البعض أن هذه الحلويات قد تمنح الأطفال الحيوية والنشاط بسبب السكر الذي تحتويه، ولكن ذلك لا يعني أن هذا المصدر يعتبر صحيا للأطفال، فهناك أطعمة صحية تمنح السكر لأجسادهم بعيدا عن المصادر غير الصحية.
ونأتي هنا إلى المشاكل المترتبة على كثرة تناول الحلويات التي تتضمن نسبة كبيرة من السكر، وتبدأ أولا بتسوس الأسنان، فقد يؤدي تفاعل السكر الموجود في الحلوى مع البكتيريا الموجودة في الفم، فالبكتيريا تستخدم السكريات لإنتاج أحماض تهاجم مينا الأسنان (الطبقة الخارجية التي تحمي الأسنان)، وغالبا ما تكون الحلوى اللزجة المحلاة بالسكر أكثر ضررا؛ لأنها تلتصق بالأسنان لفترات طويلة، مما يمنح البكتيريا وقتا أطول لإنتاج الأحماض المسببة للتسوس، ومن المشاكل أيضا سوء التغذية وللأسف يساء فهم عبارة سوء التغذية بشكل عام على أنه يعني المجاعة، ولكن الصحيح المقصود بسوء التغذية هو عدم تناول الأكل الصحي رغم توفره وليس الحرمان من عدم وجوده، كما لا ننسى أنه مع الإفراط في استهلاك الحلويات السكرية تزداد فرص زيادة الوزن والتي تعتبر من مشكلات العصر الصحية، وهي ليست ناتجة عن استهلاك السكريات والحلويات فقط، وإنما بسبب استهلاك الطاقة بشكل عام وقلة الحركة.
كما أن الإفراط في تناول الحلويات خاصة الغنية بسكر الفركتوز المعروف أيضا بسكر الفاكهة وهو جزء من السكر الأبيض قد يسبب مشاكل هضمية لدى الأطفال؛ مثل الانتفاخ والتقلصات، بسبب صعوبة امتصاصه من الأمعاء، إضافة إلى تأثير السكريات على توازن البكتيريا النافعة في الأمعاء، وتعزيز نمو البكتيريا الضارة، وأيضا يؤثر تناول الحلويات بإفراط سلبا على نوم الأطفال، بسبب تأثير السكر على هرمونات النوم مثل الميلاتونين المسؤول عن الشعور بالنعاس، إذ يمكن أن يقلل السكر من إنتاجه، مما يجعل الطفل يواجه صعوبة في النوم وجودته، وبالتالي يؤثر على صحته ونشاطه خلال النهار.
ومن العادات والسلوكيات الخاطئة المتبعة في بعض البيوت ولدى الوالدين مكافأة الأطفال الصغار بالحلويات والمشروبات السكرية عندما ينجزون أي عمل أو لتشجيعهم الدراسي، وهنا يبدأون تدريجيا بالتعود على تناولها وينتهي الأمر بهم إلى الإدمان على تلك الحلويات والمشروبات السكرية، فعند مكافأة الأطفال بتقديم الحلويات والمشروبات السكرية يوميا تزداد رغبتهم وتعلقهم بها، مع ربط سعادتهم بتلك الأطعمة غير الصحية ومقاومة الأطعمة الصحية التي يجب أن يحرصوا عليها وتمنحهم الفوائد كالفواكه والخضراوات والفواكه المجففة، أو المنتجات الصحية الغنية بالمكسرات، والمحلاة بالعسل وغيرها من الأطعمة المفيدة وذات قيمة غذائية.
ومن الأمور المهمة التي يجب مراعاتها أن الحلويات تؤثر على شهية الأطفال، وبذلك تؤثر على خياراتهم من الأطعمة وتقلل من النوعيات الصحية التي يجب عليهم تناولها، وتحرم أجسامهم من عناصرها، فيفضلون تناول الحلويات بكثرة لكونها تشبعهم بالسكريات مما يؤثر على نظامهم الغذائي بشكل عام وعلى مراحل نموهم الصحي.
الخلاصة: لا يمكن منع الأطفال من تناول الحلويات نهائيا، لكون إغراءاتها أقوى من مقاومتها، ولكن يمكن تقنينها وحثهم على تجنب الإفراط في تناولها، مع ضرورة المراعاة والانتباه لكميات الحلوى التي يتناولونها، وتشجيعهم على النظام الغذائي المتوازن الذي يشتمل على الخضراوات والفواكه والبروتينات، بجانب ممارسة الرياضة، فمع التمارين المفيدة يتم إفراز الأندروفين وبالتالي تحسين المزاج والشعور بالراحة والاسترخاء وتقليل الرغبة بتناول السكريات، وأيضا تجنب استخدام الحلوى كمكافأة، لكون ذلك يجعل الطفل يستمر في الاعتياد على تناول المزيد من الحلويات السكرية، ونصحهم بتناول الماء للمحافظة على رطوبة الجسم وتقليل الرغبة بتناول السكريات.
0 تعليق