لماذا نحتاج في كل مرة أن نثبت لهم إسلامنا ؟.. عبثية الحراسة الشكلية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

في كل مرة يُطرح فيها قانون يمس المرأة، أو ينفتح على قيم العدالة والمساواة، ينبري بعض النواب تحت قبة البرلمان ليقترحوا ما يبدو في ظاهره «ضمانة دينية»، وهو في حقيقته قيد رمزي يفتقر إلى أي فاعلية حقيقية، قد تكون غايته: إرضاء الجمهور الانتخابي، وتثبيت صورة «الحارس الأمين» على بوابة الدين، وكأننا نعيش في بلد لم يعلن في دستوره أن دين الدولة الإسلام، وكأن هذه القوانين تصاغ في فراغ قيمي لا يستند إلى تراث أو أخلاق.اضافة اعلان
هذا ما شهدناه مؤخرا في الجدل الذي أثاره نواب إسلاميون، حين اقترحوا إضافة عبارة «بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية» إلى الفقرة (ب) من المادة الرابعة في مشروع قانون اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، لا يعدو أن يكون استعراضا رمزياً، لا يضيف شيئاً حقيقياً للمجتمع، ولا تحمي الشريعة، بل تُظهر الإسلام بصورة الضعيف الذي يحتاج دائما إلى أوصياء وحرّاس.
فهل نحن فعلًا بحاجة إلى هذه العبارة؟ وهل غاب عنهم أن التشريعات تمرّ عبر منظومة قانونية لا يمكن منطقيًا ولا عمليًا، الاصطدام مع ثوابت الشريعة التي هي ثوابت المجتمع الأردني.
تبدو العبارة المضافة في ظاهرها محمّلة بالورع والغيرة على الدين، لكنها في العمق تعكس تشكيكاً ضمنيا في كل من لا يحمل هذه العبارات، وكأن الإسلام لا يكون حاضرا إلا إذا سجلت عبارة «بما يتوافق مع الشريعة» وفق تأويلهم هم، لا تأويل مؤسسات الدولة ولا فهم الأمة الواسع، إنها ليست غيرة على الدين، بل على السلطة الرمزية لتمثيله.
كم أتمنى أن أن يبادر النواب الإسلاميون هم بتقديم مشاريع لسن قوانين مستمدة من شريعتنا السمحة تعزز مكانة المرأة في العصر الحديث، قوانين تحارب العنف الأسري، وتضمن تمثيل المرأة السياسي العادل، وتُجرّم التمييز الذي يقلل من إنسايتها، وتوسع مشاركتها الاقتصادية.
 لماذا لا يبادرون؟ 
هذا هو السؤال الأهم في معادلة الإسلام والسياسة، بحيث يظهرون أن الشريعة تحمل في جوهرها قيماً قادرة على مواكبة العصر بل وتتجاوزه، بدل أن يظهروا الدين بأنه في موقع دفاعي دائم، إن أخطر ما في هذا السلوك هو افتراض التفوق الأخلاقي والديني، كأنهم يخوضون حرباً مع تيار لا يمت إلى الإسلام بصلة، ، أم أنهم يريدون فقط أن يعيدوا إنتاج أنفسهم في كل مشهد بوصفهم «الأمناء على الدين» الذي لا تُطمئنه مؤسسات الدولة، ولا مناهجها، ولا حتى مجتمعها المسلم بطبعه؟.
الذين يصرون على أن يكون لهم ختم الإسلام على كل مادة قانوينة يتناسون أن الإسلام ليس ملكية حزبية، ولا ماركة مسجلة، بل منظومة أخلاقية روحية حضارية، تتسع لكل من يخلص في خدمتها من موقعه، وباجتهاده وصدقه، وإن محاولة فرض هذه الإضافات الشكلية التي ليست إلا طقسا رمزيًا يُراد منه تذكير الناس بالوجود السياسي، وتسجيل نقاط في معركة «الهُوية» المزعومة، لكنها لا تضمن شيئًا حقيقيًا للدين، ولا تضيف شيئًا ذا قيمة للقانون، بل قد تخلق التباسًا يُستغل لاحقًا لتقييد الحقوق أو تأخير الإصلاح.
إن هذا التوظيف السياسي بهذه الطريقة لا يخدم الدين، بل يُضعفه، فالدين لا يحتاج إلى من يحرسه من القوانين، بل من يحاول فهمه في ظل متغيرات العصر، ولا يحتاج إلى من يتخذه شعاراً، بل من يجسّده في العدل والرحمة والمساواة في المجتمع.
نحن في بلد مسلم، ومجتمع مسلم، لا يتآمر على دينه، ولا يخجل منه، فمن يخشى عليه يجب أن ينتقل من المزايدات إلى قوانين المؤسسات، ومن الجمود إلى التطوير، ومن الركود إلى الاجتهاد.
إذا كانت الغيرة على الدين حقيقية، فلتكن معركة هؤلاء في جوهر السياسات، لا في قشورها، فليدافعوا عن كرامة المرأة وحقوقها باسم الإسلام، لا أن يشكّكوا في كل مبادرة تتعلق بهذه الحقوق.
أما ما سوى ذلك، فليس إلا محاولات مستمرة لتطويع الدين، واستخدامه كوسيلة لشرعنة الحضور السياسي لا أكثر، فعلى من ينصبون أنفسهم «حراسا للشريعة» أن يتركوا مفاتيح البوابة، ويشاركوا في بناء البيت.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق