نهضة تعليمية برؤية بحرينية

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
حنان الخلفان

حين نتأمل المشهد التعليمي في البحرين اليوم، لا يسعنا إلا أن نقف وقفة إشادة واعتزاز بما تحقق من نقلات نوعية تُجسّد رؤية واضحة وطموحة في تطوير التعليم الوطني، فمن تمكين الطالب وإشراكه في مسار اتخاذ القرار التربوي، إلى توسيع أفقه الأكاديمي عبر برامج عالمية متقدمة، نلمس تحولاً فعلياً يعكس نضج الفكر التربوي ورغبة صادقة في صناعة تعليم أكثر وعياً وجودة، من هنا نلمس واقعاً تعليمياً لا يكتفي بالمحافظة على المسار، بل يصنع التغيير ويقوده بثبات.

وقد لفتني مؤخراً حدثان يعكسان هذا التحول، ويجسدان بوضوح أن البحرين لا تكتفي بتطوير التعليم شكلياً، بل تدخل في عمق العملية التعليمية بمفاهيم حديثة تضع الطالب في قلب المعادلة، أولهما اجتماع سعادة وزير التربية والتعليم مع اللجنة الاستشارية الطلابية التي تمثل مختلف المدارس الثانوية الحكومية. هذا الاجتماع، في مضمونه وتوقيته، يعكس صورة جديدة من العلاقة بين الطالب والمسؤول علاقة تقوم على الاحترام المتبادل، والثقة، والإيمان، بأن الطالب ليس مجرد متلقٍّ للقرارات، بل طرف فعّال في صناعتها. ولعل السماح للطلبة بالمشاركة في إعداد جدول الامتحانات، واعتماد جدول رسمي بناء على مقترحاتهم، يشكل نقلة نوعية في أسلوب إدارة الشأن التربوي، ويعكس مدى انفتاح الوزارة على أفكار أبنائها وبناتها.

أما الحدث الثاني، فهو إعلان دراسة برنامج الدبلوما الوطنية الدولية «International Baccalaureate- IB» ضمن المسارات التعليمية المتاحة لطلبة المدارس الثانوية الحكومية، وهذا بحد ذاته قفزة تربوية ذات بُعد استراتيجي، إذ يفتح أمام الطلبة مستقبلاً آفاقاً تعليمية واسعة، تتوافق مع المعايير العالمية، وتُعدهم فعلياً لمواصلة دراستهم في أرقى الجامعات الدولية.

تبَنّي مثل هذا البرنامج في مدارس حكومية ليس مجرد قرار إداري، بل يُتاح لأبناء الوطن كافة، إيماناً بأن فرص التعليم النوعي لا ينبغي أن تكون حكراً على فئة دون أخرى.

ما يحدث اليوم في مدارس البحرين هو أكثر من جهود متفرقة أو قرارات مؤقتة، إنه مشروع وطني جامع، ينطلق من إيمان راسخ بأن تطوير التعليم لا يكتمل إلا بتكامل الأدوار: طالب يُمكَّن، ومعلم يُؤهَّل، ومسؤول يُنصت، ومجتمع يُساند. هذه الرؤية المتقدمة، وهذه الروح التشاركية التي باتت تطبع العملية التعليمية في البحرين، تؤكد أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل، من الإيمان على سد فجوات عبر مبادرات واقعية، عميقة الأثر، بعيدة عن الاستعراض، قريبة من جوهر العملية التعليمية.

وبصراحة.. أن نتابع الشأن التعليمي بشغف واهتمام، أرى في هذه الخطوات المتقدمة مدعاة للفخر، بل وأكثر من ذلك، أراها رسالة عربية مشرقة في وقت يحتاج فيه عالمنا العربي لنماذج ناجحة تُلهمه وتُثبت أن التغيير ليس مستحيلاً. لقد أثبتت مملكة البحرين أن التعليم لا ينهض فقط بالقوانين والمناهج، بل بالعقول التي تؤمن، وبالقيادات التي تسمع، وبالكوادر التي تُدرَّب، وبالطلبة الذين يُشاركون في صنع القرار. هي تجربة وطنية تستحق أن تُروى، لا لأنها وقعت، بل لأنها ببساطة تحمل بين طياتها وعوداً حقيقية بمستقبل أكثر إشراقاً لجيل يعرف جيداً أنه ليس مجرد متلقٍّ، بل صانع لتاريخه، ومهندس لمستقبله، ومواطن ينتمي لوطن يؤمن به.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق