تخيّل نفسك في مجلس عائلي بحريني هادئ في ليلة جمعة، «استكانة» الشاي في يدك وأنت تسمع سوالف «الشيّاب» التي لا تخلو من طرائف الزمن الجميل، وفجأة يباغتك أحدهم بسؤال لا تتوقعه: «بومحمد، وش سالفة هالحوسبة الكمومية اللي مطيرين فيها العالم؟». تعدّل جلستك وتجيب بكل احترام: «طال عمرك، الكمبيوتر اللي عندنا اليوم كأنه سيارة كورولا موديل 95، يمشي على مهله ويودّيك الجمعية ويرجعك البيت، أما الكمبيوتر الكمومي فهو مثل لامبورغيني تطير بسرعة جنونية!». يضحك الحضور ويعلّق أحد الشباب ساخراً: «معقولة! مع كل هالتطورات للحين حاطنا على كورولا 95!». تبتسم وتردّ بسرعة: «نعم يالغالي، فالحقيقة إننا للحين في أول السالفة، والحوسبة الكمومية هذه سالفة غريبة عجيبة تستخدم مبادئ فيزيائية معقدة علشان تحل مسائل بسرعة تفوق الخيال. يعني بدل ما الكمبيوتر العادي يعتمد على البِت (bit) اللي تكون قيمته يا 0 أو 1 فقط، الكمبيوتر الكمومي يعتمد على الكيوبت (qubit) اللي ممكن يكون 0 و1 في نفس اللحظة! يعني يقدر يختبر عدداً هائلاً من الاحتمالات بنفس الوقت، فيوصل للنتيجة بسرعة البرق!».
المسألة قد تبدو مسلّية، لكنها أعمق من مجرد تطور تقني؛ فهذه التقنية ما زالت تجريبية وفي مراحلها الأولى، ولكنها لو نضجت ستغير حياتنا جذرياً. تخيل مثلًا أن هذه الحواسيب تستطيع أن تخطط بدقة مذهلة لاستغلال أفضل للمشاريع الإسكانية أو تقنيات تحلية المياه في البحرين، أسرع حتى من «توصيل طلبية البرياني» في ليلة العيد.
لكن مهلاً، كما هو الحال في أي تطور كبير، هناك وجه آخر ساخن قد لا يعجبنا، سخونته لا تقل عن «شاي الكرك» وقت الغروب على سواحل المحرّق. هذه الحواسيب الكمومية الخارقة تمتلك قدرة مرعبة على فك الكثير من أنظمة التشفير اللي نعتمد عليها اليوم لحماية خصوصيتنا وبياناتنا، من حسابك البنكي إلى دردشاتك في الواتساب وحتى «سناباتك» اللي تحطها وأنت مطمئن بأن أحد ما راح يشوفها. تصوّر معي أن هناك جهة ما (حكومة، شركة، أو حتى مخترق مجهول) تجمع الآن كل بياناتنا المشفرة وتنتظر بصبر مثل صبر الصيّاد البحريني عند الفشوت في عز الصيف، تنتظر اللحظة التي تستطيع فيها كسر هذه التشفيرات بسهولة فائقة، عندها تصبح بياناتنا «سالفة» مكشوفة للكل!
الجديد في الموضوع أنه مؤخرًا تمكّنت شركات عالمية مثل «جوجل» و«آي بي إم» من تحقيق إنجازات مذهلة في الحوسبة الكمومية. جوجل، مثلاً، كشفت عن شريحتها الكمومية الجديدة «Willow» والتي تضم 105 كيوبت وحققت اختراقاً فعلياً في تصحيح الأخطاء، مما يسرّع بشكل هائل قدراتها الحوسبية. أما «مايكروسوفت»، فقد أعلنت عن معالجها الكمومي التوبولوجي «1 Majorana» والذي قد يكون الأكثر استقرارًا في هذه التكنولوجيا الغريبة، ما يجعله مرشحاً ليكون «البعبع» القادم في فك التشفيرات المعقدة.
وبسبب كل هذا، أصبح من الضروري أن نأخذ مسألة الأمن الرقمي على محمل الجد. لا يمكن أن نؤجّل الأمر مثلما نؤجّل قرار الذهاب للنادي الرياضي بعد كل وجبة دسمة. نحن بحاجة إلى بُعد استراتيجي وطني واضح لحماية أمننا وخصوصيتنا. مثلما نحب السيارات السريعة والحديثة، يجب أن نحرص على أن نواكب التكنولوجيا المتطورة، ولكن دون أن ننسى «حزام الأمان» الذي يحمي خصوصياتنا الوطنية.
لذلك دعونا نضحك مع التكنولوجيا ونستمتع بمزاياها، لكن لا نتركها تضحك علينا يوماً ما!
* خبير تقني
0 تعليق