في منتصف مارس الماضي، أكد وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، نواف المعاودة، أمام مجلس النواب، أن الآلية الإلكترونية الحديثة التي اعتمدت لتسجيل الحجاج ساهمت في خفض الأسعار بمقدار يتراوح ما بين 400 إلى 1000 دينار، مشيراً إلى وجود حوالي 14 ألف بحريني يتطلعون إلى أداء فريضة الحج.
حتى هذه اللحظة، بدا كل شيء مبشراً، فمصلحة المواطن يجب أن تكون أولوية، وأي تخفيف في التكلفة خطوة تستحق الإشادة. فقد فتح باب التنافس بين الحملات، وارتفعت التطلعات بأن يصبح الحج متاحاً لشريحة أوسع من الناس.
ولكن، وكما هي العادة، بين التخطيط والواقع مسافة طويلة.
تقرير جريدة «الوطن»، الصادر يوم أمس، كشف عن مفارقة صادمة، إذ شهدت أسعار حملات الحج في البحرين ارتفاعاً غير مبرر، لتتراوح بين 1490 و6500 دينار بحريني، حسب موسم 2025.
كل ذلك في ظل تسويق مغلف بمسميات براقة: باقة الـVIP، باقة رجال الأعمال، الباقة العائلية، الباقة الشبابية. وكأننا أمام عروض سياحية فاخرة، لا أمام رحلة إيمانية إلى أطهر بقاع الأرض!
لقد تم تحويل موسم الحج إلى سباق رفاهية مفتوح؛ غرف فندقية فاخرة، وجبات خمس نجوم، نقل خاص ومميزات ترفيهية لا تمت إلى روح الحج بصلة. وكأن المقصود أن تؤدى المناسك بأقل قدر من الجهد، وكأن التعب الذي جعله الله جزءاً من مشقة الحج أصبح عيباً ينبغي التخلص منه.
أين الخشوع؟ أين التواضع؟ أين المعاني التي تقوم عليها هذه الفريضة العظيمة؟
فهل أصبح الحج، الركن الخامس، متاحاً للأغنياء المحظوظين فقط؟ بينما تتراكم خيبة الأمل في قلوب الآلاف ممن لا يملكون رفاهية دفع آلاف الدنانير مقابل «رحلة» كان يفترض أن تكون للجميع، لا للأثرياء وحدهم.المؤلم أن الحملات التي تسوق لرفاهية مبالغ فيها، تسلب الحج معناه الحقيقي.
لا يعود الإنسان يشعر بالمساواة مع الآخرين، ولا يعيش لحظة التجرّد من الدنيا كما أرادها الله عز وجل. بل يجد نفسه يعيش في فقاعة من الخدمات والرفاهيات التي تطمس جوهر هذه العبادة المقدسة.ما يحدث اليوم يستدعي دق ناقوس الخطر.
لا بد أن تكون هناك وقفة جادة؛ فالحج ليس مشروعاً استثمارياً ولا منتجاً سياحياً فاخراً. الحج عبادة عظيمة، عنوانها التواضع والخشوع والتجرد من زخرف الدنيا.
يجب على الجهات المعنية أن تضع حدوداً واضحة لهذه المزايدات، وعلى المواطنين أنفسهم أن يدركوا أن قيمة الحج ليست في نوعية الغرفة ولا مستوى الضيافة، بل في لحظة وقوفك أمام الله، وأنت متجرد من كل شيء إلا من إيمانك وخضوعك له.
فلنحمِ هذا الركن العظيم من أن يتحول إلى سلعة تباع وتشترى.. فبعض الأحلام لا يجب أن تباع بثمن.
0 تعليق