تضطلع جامعة البحرين إلى جانب وظيفتها التعليمية والتربوية بتقدير الموروث الفني وإبرازه للطلبة والعالم، ومن هذا المنطلق احتفلت جامعة البحرين باليوم العالمي للتراث، الذي يوافق 18 أبريل من كل عام، وذلك بإقامة ندوة نظمتها اللجنة الثّقافية والاجتماعية بكلية الآدب، تحت عنوان «محمد بن فارس: رائد فن الصوت البحريني».
فقد سلّطت النّدوة الضوء على علامة في تراث الفن البحريني، وهو الراحل محمد بن فارس رائد الصوت البحريني، بمشاركة ألمع نجوم فن الأغنية البحرينية المعاصرة الفنان القدير إبراهيم حبيب، وأبرز الأكاديميين والباحثين المهتمين بحقل التّراث الفني البحريني تحديداً، والخليجي عموماً، في مجال الفن الصوتي والغنائي، الذين تحدثوا عن الريادة الابتكارية الاستثنائية لمحمد بن فارس، ومسيرته في ظل تخطي العقبات التي تحكم تلك الحقبة، إلى جانب مشاركة رمزية لفرقة «محمد بن فارس» بأداء لوحات لمعزوفات من موروث فارس فن الصوت البحريني.
أعرب الفنان إبراهيم حبيب عن ترحيبه بهذه الفعالية متطلعاً إلى المزيد لمثل هذه الندوة في مبادرة جامعة البحرين في تسليط الضوء على أرشيف الفن الصوتي والموسيقي بمملكة البحرين، من خلال رائد فن الصوت البحريني محمد بن فارس، وقد أثرى الفنان إبراهيم حبيب النّدوة بمداخلة مبنية على أسس فنّية، شكّلت توثيقاً لمعالم فارس الصوت البحريني محمد بن فارس.
وقد استدلّ الفنان إبراهيم حبيب ضمن مداخلته في عدّة مواطن على ريادة هذا العلامة في تأسيس مدرسة فن الصوت البحريني، وإسهاماته في عمل «الكوبلي» و«التوشيحة»، وتحديد مسمّيات للأصوات، وتبويبها إلى صوت حجازي، وصوت يماني، وصوت صنعائي، مثال أغنية «دمعي جرى»، إلى جانب قيامه بتطوير الأصوات الكويتية، إضافة إلى ذلك، السّبق الذي حقّقه كأول تسجيل صوتي في المنطقة، وإقدامه على السفر إلى دول الخارج، للتعرّف على التجارب الفنية في ثقافات مختلفة وتبادل الخبرة.
إنّ هذا الاستدلال قد ترشَّحَ عن زُبدة تراكم معرفي لمتخصّص في المجال، وعمق وجدان لفنان عريق، مثل إبراهيم حبيب الذي ينحدر من نفس البيئة، ويحمل وشاح النجومية للأغنية البحرينية، لذلك كانت مداخلته عبارة عن شهادة مرجعية مُوثّقة، في فن الصوت البحريني، أضفى إلى جانبها التّعريف بفنانين بحرينيين قدامى مثل الفنان سعيد النوبي.
وقَدّم الدكتور عصام الجودر عرضاً لبحثه في مسيرة الفنان محمد بن فارس تحت عنوان «من الشغف إلى تحقيق الهدف»، متناولاً فيه أبرز المحطات التي خطّت وجهة الفنان، ومبيناً خلالها المؤهلات والخصال التي يتمتع بها فارس الصوت الفنّي، من شغف بالفن لازمه منذ نعومة أظافره، ومكّنه من تعلّم الغناء في سنّ مبكرة، ومن عزيمة وإصرار على مواجهة المحاذير الاجتماعية، في بيئة لا ينظر فيها للفنّان باحترام، حيث كان التحدي في حالته أكبر، باعتبار انتمائه العائلي.
كما تناول الدكتور الجودر، أبعاد اهتمام ابن فارس بالنّصوص الشعرية وانتقائها وإرساء نمط خاص في العلاقة بين اللّحن والنّص الشّعري، وظاهرة تطويعه لحناً معيناً لقصائد مختلفة، إلى جانب تميُّزه بالأسلوبه الارتجالي في التّعامل مع الطبيعة الإيقاعية، التي في إطارها، لم يتمكن بعض الفنانين من مواكبته، مثال عازف الكمان سامي الشوا، حيث عمل بن فارس على نقلها مع مجمل تجاربه في إطار تعاونه مع الفنانين المقبلين على أسلوب مدرسته، والوافدين عليها مثل عبدالرحيم صالح العسيري الذي جاء إلى البحرين للاستفاد من بن فارس.
وأشاد الجودر بإسهامات أخرى لمحمد بن فارس، تمثّلت في إدراج آلة القانون إذ لم يكن يستخدم في البداية إلّا آلة العود، إلى جانب توظيف حروف المد، بأطوال زمنية مختلفة، كوسيلة يعزّز بها المعنى، ويعمق اللّحن، إضافة إلى ذلك قيامه بالتّعرف على فن «البستة»، الذي يشكّل جزءاً من التّقاليد الخاصة، التي تُقام بعد انتهاء مراسم الدزة والزفاف في منطقة الخليج العربي، ذلك لما يتميّز به هذا الفن من إيقاعات بسيطة تبثُّ البهجة والسرور بالمناسبات السعيدة.
فهذه النّدوة التي أقيمت بِصرح جامعة البحرين، ليست مجرد احتفاء وإنّما ترسيخ للموروث الثقافي والهوية الفنية، وتأصيل للمواطنة، وإبراز الأعمال الأكاديمية التي تُعنى بشأن التراث البحريني، في فن الصوت والمدارس الفنية، وإسهام في تعزيز مكانة البحرين، كبيئة مبدعة وحاضنة للفن الأصيل المتوارث جيلاً عن جيل، ومُلهِمة للثقافات الأخرى.
0 تعليق