أكد عدد من التربويين أن تدريس القيم الأخلاقية في المناهج الحالية ما زال متفاوتًا؛ ويكتفي بالطرح النظري دون ربطه بتطبيقات عملية، مما يحد من تأثيره الحقيقي، داعين إلى العمل على مراجعة شاملة للمناهج لضمان توازن وشمولية أكبر في غرس القيم، مشيرين في استطلاع أجرته "عمان" إلى أن المؤسسات التعليمية تلعب دورًا جوهريًا في ترسيخ هذه القيم، وأن التحديات الحديثة تتطلب تعاونًا أوثق وشراكة أعمق مع الأسرة للحفاظ على السلوكيات الإيجابية للطلبة.
تقول الدكتورة فاطمة بنت عبدالله الحمادية، أخصائية تربوية: للمؤسسات التعليمية في سلطنة عُمان دور محوري في ترسيخ القيم الأخلاقية لدى الناشئة، فهي ليست مركزًا للعلم والمعرفة فقط، وإنما بيئة تربوية تسهم في إعداد جيل واعٍ ومتمسك بأصالته وهويته الوطنية والدينية، ويُعدّ غرس القيم مثل الأمانة، والاحترام، والتعاون، وحب الوطن من الأسس التي تقوم عليها العملية التعليمية، مشيرة إلى أنه بالرغم من أهمية هذا الدور، فإن فعالية تدريس القيم الأخلاقية في المناهج الحالية ما زالت متفاوتة؛ فبعض المناهج تكتفي بالطرح النظري دون ربطه بتطبيقات عملية، مما يحد من تأثيرها الحقيقي، إذ نلاحظ أن قيمًا مثل الانضباط والاحترام تلقى اهتمامًا كبيرًا داخل المدارس، لكن تبقى الحاجة قائمة لتعزيز قيم الحوار والتفكير النقدي.
وتضيف: إن سلوك المعلمين والإداريين يلعب دورًا جوهريًا في ترسيخ هذه القيم كونهم يعكسون القدوة الحسنة، خاصة في ظل التقاليد المجتمعية التي تولي للمعلم مكانة مرموقة، لكن تبقى الحاجة قائمة لتعزيز هذا السلوك بما يواكب تطلعات الشباب، ويضاف إلى ذلك دور الأسرة العُمانية المكمل في دعم هذه القيم، موضحة أن التحديات الحديثة تتطلب تعاونًا أوثق وشراكة أعمق بين الأسرة والمؤسسات التعليمية؛ وذلك لوجود اختلاف في درجات الوعي الأسري، واختلاط المجتمع العُماني بثقافات مختلفة تمتلك قيمًا غير القيم التي يؤكد عليها المجتمع العُماني، الأمر الذي يؤكد أهمية تعزيز الشراكة بين الطرفين.
من جانب آخر، تُعد وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مؤثرة بدرجة كبيرة، سواء في دعم أو إضعاف الرسائل التربوية، مما يتطلب تعزيز الوعي الرقمي، موضحة أهمية سد الفجوة بين الجانب النظري والممارسة الفعلية التي تفرضها المستجدات والمؤثرات الحالية على أفراد وقيم المجتمع، التي يمكن تقليصها من خلال تعزيز التفاعل العملي عبر الأنشطة اللاصفية مثل المسرح، والعمل التطوعي، والحوار المفتوح، حيث تثبت هذه الأنشطة فعاليتها في ترسيخ القيم عبر التجربة المباشرة، واقترحت لتعزيز التعاون بين المدرسة والأسرة، تنظيم لقاءات دورية وورش توعوية مشتركة، لتعميق الحوار وبناء شراكة فاعلة في تربية جيل متمسك بقيمه العُمانية الأصيلة.
بيئات حيوية
من جهتها تقول الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية، أخصائية تربوية ونفسية: تعد المدرسة والجامعة بيئات حيوية لبناء الشخصية المتوازنة وتعزيز الهوية الوطنية، التي من خلالها تُساعد على نشر مبادئ الاحترام، والتسامح، والانتماء الوطني، مما ينعكس إيجابًا على سلوكيات النشء والمجتمع بأسره، مشيرة إلى أن المناهج التعليمية تسعى إلى تضمين القيم الأخلاقية، خاصة في مواد التربية الإسلامية واللغة العربية، ومع ذلك، تشير بعض الدراسات إلى وجود تفاوت في تقديم هذه القيم، مما يستدعي مراجعة شاملة للمناهج لضمان توازن وشمولية أكبر في غرس القيم الأخلاقية، كما أن المعلمين والإداريين يُعتبرون قدوة للطلبة في المؤسسات التعليمية، ويُتوقع منهم تجسيد القيم الأخلاقية في سلوكهم اليومي.
وتوضح الدكتورة وفاء أن الأسرة العُمانية تُعد شريكًا أساسيًا في ترسيخ القيم الأخلاقية، حيث تُعد المصدر الأول لتنشئة الأبناء على المبادئ السليمة، ومع ذلك، تواجه الأسر تحديات في مواكبة التغيرات الاجتماعية والثقافية، مما يتطلب تعزيز التعاون بين الأسرة والمدرسة لضمان تنشئة متوازنة، مبينة أن هناك فجوة بين التعليم النظري والتطبيق العملي للقيم الأخلاقية في بعض المؤسسات التعليمية، ويُعزى ذلك إلى نقص في الممارسات العملية والتدريب المستمر، مما يستدعي تطوير استراتيجيات تعليمية تُركز على التطبيق العملي للقيم.
وحول سؤالنا، كيف يمكن تحسين دور المؤسسات التعليمية في ترسيخ القيم الأخلاقية بشكل أعمق وأكثر تأثيرًا، تُفيد الدكتورة: لا بد من تطوير المناهج لتشمل أنشطة تطبيقية تُعزز القيم الأخلاقية، وتدريب المعلمين والإداريين على القيادة الأخلاقية، إلى جانب تعزيز الشراكة بين المدرسة والأسرة والمجتمع المحلي، واستخدام التكنولوجيا ووسائل الإعلام بشكل إيجابي لنشر القيم، كما تُعد الأنشطة غير الصفية مثل المسرح، والعمل التطوعي، والنقاشات المفتوحة أدوات فعالة في ترسيخ القيم الأخلاقية، حيث تُوفر بيئة تفاعلية تُعزز من فهم الطلبة وتطبيقهم للقيم في مواقف حياتية حقيقية، إلى جانب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير على سلوكيات وقيم الشباب، حيث يمكن أن تُعيق الجهود التعليمية في ترسيخ القيم، لذا من الضروري توعية الطلبة بكيفية استخدام هذه الوسائل بشكل إيجابي، وتضمين التربية الإعلامية في المناهج الدراسية.
وتقترح الدكتورة وفاء ضرورة تعزيز التعاون بين الأسرة والمدرسة لترسيخ القيم الأخلاقية في نفوس الناشئة، من خلال تنظيم حلقات عمل وندوات مشتركة بين الأسرة والمدرسة، وإنشاء قنوات تواصل فعالة بين أولياء الأمور والمعلمين، وتطوير برامج توعوية تُعزز من دور الأسرة في التنشئة الأخلاقية، وتشجيع المشاركة الأسرية في الأنشطة المدرسية.
وفي السياق ذاته، تقول كلثم بنت حمود المقبالية، أخصائية توجيه وإرشاد أسري: المؤسسات التعليمية ليست مجرد مكان لتلقي العلوم والمعرفة، بل بيئة يتعلم فيها الطالب كيف يكون فردًا صالحًا في المجتمع، وذلك من خلال التفاعل اليومي مع المعلمين والزملاء، بالإضافة إلى اكتساب الخبرات من الأنشطة المدرسية، التي من خلالها يكتسب الطلبة سلوكيات إيجابية مثل التعاون، والاحترام، وتحمل المسؤولية، كما أن المدرسة تسهم في الحد من الظواهر السلبية كالعنف والغش، وتغرس في نفوسهم أهمية الصدق والانتماء للمجتمع، لذلك، فإن دور المؤسسات التعليمية في هذا الجانب لا يقل أهمية عن دورها الأكاديمي، بل هو الأساس في إعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات الحياة بقيم راسخة وسلوك قويم.
طرق التدريس
وتشير إلى أن فعالية تدريس القيم الأخلاقية تختلف بين المناهج التعليمية حسب تصميمها وطريقة التدريس واهتمام المعلمين بتطبيقها عمليًا، ففي بعض الأنظمة تُدمج القيم بوضوح، مما يسهل فهمها وتطبيقها، بينما في أخرى تكون محدودة أو غير مباشرة، مما يقلل من تأثيرها، كما أن دور المعلم كقدوة مهم جدًا لتعزيز هذه القيم بشكل فعال، فبالرغم من وجود تقدم في بعض الأماكن، لا تزال هناك حاجة لتحسين طرق التدريس وجعلها أكثر واقعية وتأثيرًا، وأعتقد أن المناهج في المؤسسات التعليمية في السلطنة بحاجة إلى تطوير وإعادة صياغة بحيث يكون هناك وضوح أكبر وارتباط أقوى بالقيم الأخلاقية.
وهناك عدد كبير من القيم الأخلاقية المهمة ولا يمكن حصرها في قيمة أو اثنتين فقط، فالقيم مثل الصدق، والاحترام، والمسؤولية، والتعاون وغيرها من القيم تحظى باهتمام كبير داخل المدارس والجامعات، وتتفاوت التوعية بهذه القيم من مؤسسة لأخرى، ولا عجب في ذلك، فكلها تلعب دورًا أساسيًا في بناء شخصية الطالب وتهيئة بيئة تعليمية إيجابية، ولا ننسى دور المعلمين كقدوة في تطبيق هذه القيم بشكل عملي.
وتوضح أن دور الأسرة ليس تكميليًا فحسب، بل هو أساسي في هذا الأمر، حيث إن لها الدور الأكبر في دعم غرس القيم لدى الطالب، بمعنى آخر، إن الأسرة هي البيئة الأولى التي يتعلم فيها الطفل المبادئ والسلوكيات الأخلاقية من خلال القدوة والتربية اليومية، بالإضافة إلى التعاون المستمر مع المدرسة، والذي بدوره يعزز ترسيخ القيم والسلوكيات الإيجابية، مضيفة: "لا نستطيع إنكار أنه في كثير من الأحيان توجد فجوة بين ما يُدرس نظريًا من قيم أخلاقية وما يُمارس فعليًا داخل المؤسسات التعليمية، فالمناهج قد تركز على شرح القيم بشكل نظري، لكن التطبيق العملي لها قد يكون محدودًا أو غير متسق مع ما يُقال، ويعود أحيانًا إلى أن الضغوط الأكاديمية والبيئة الاجتماعية قد تؤثر على التوسع في تطبيق هذه القيم وقياسه على سلوك الطلبة، مما يجعل من الصعب ترجمة القيم النظرية إلى ممارسات فعلية، لذلك، من المهم أن تكون هناك جهود مستمرة لتعزيز التوافق بين التعليم النظري والسلوك العملي، من خلال بيئة مدرسية داعمة، وتدريب المعلمين، وتشجيع الطلبة على تطبيق القيم في حياتهم اليومية".
التفاعل الصحي
وعرجت قائلة: لا بد من تطوير المناهج لتشمل القيم بشكل واضح وعملي، مع توفير بيئة مدرسية إيجابية تشجع التفاعل الصحي بين الطلبة والمعلمين، يمكنه تحسين دور المؤسسات التعليمية في ترسيخ القيم الأخلاقية بشكل أعمق وأكثر تأثيرًا، بالإضافة إلى تنظيم أنشطة تربوية تطوعية وتعاونية تتيح لهم تطبيق القيم عمليًا، وتعزيز التعاون بين الأسرة والمدرسة يعد أيضًا أمرًا ضروريًا ولا يقل أهمية لضمان استمرارية غرس القيم، بالإضافة إلى تدريب المعلمين بشكل مستمر على مهارات التربية الأخلاقية وأساليب غرس القيم بفعالية، مما يساهم في بناء شخصية الطالب وتنشئة جيل قادر على المساهمة في مجتمع متماسك ومستقر.
وترى أن دمج الأنشطة غير الصفّية يُعد من أفضل الطرق لترسيخ القيم الأخلاقية، حيث إنها توفر بيئة حقيقية يستطيع فيها الطلبة ممارسة القيم بشكل عملي، وبالطبع، فإن ما يتم ممارسته بشكل عملي يعزز من فهمه له ويسهل جعله جزءًا من سلوكهم اليومي، مضيفة إن وسائل الإعلام الرقمية تسهم في نشر قيم جديدة وتعزز الوعي الاجتماعي والثقافي، مما يدعم منظومة القيم في المجتمع ويتيح فرصًا لتنمية التفكير والعلاقات الاجتماعية البناءة بين الشباب، ومن جهة أخرى، قد تؤدي بعض المحتويات السلبية أو الاستخدام غير المنضبط لهذه الوسائل إلى ظهور سلوكيات غير أخلاقية.
وتختتم حديثها بقولها: يجب تعزيز التواصل المستمر والمفتوح بين الأسرة والمدرسة، وذلك لمتابعة سلوك الطالب وتوجيهه بشكل فعال، كما يجب أن يكون هناك توافق في الرسائل والقيم التي تُغرس في المنزل والمدرسة، إلى جانب دعم المدرسة للأهل من خلال تقديم إرشادات تربوية تساعدهم في تعزيز تأثير التربية الأخلاقية. بهذا التكامل والتنسيق، يمكن بناء بيئة متكاملة تدعم نمو الناشئة على أسس أخلاقية قوية ومستدامة.
0 تعليق