طرح معالي المهندس سعيد بن حمود المعولي وزير النقل والاتصالات وتقنية المعلومات رئيس مجلس إدارة شركة الطيران العماني والشركة العمانية لإدارة المطارات في اللقاء الإعلامي المشترك الذي عقدته الشركتان الأسبوع الماضي واحدة من أبرز القضايا التي أثّرت على شركة الطيران العُماني، وضاعفت من تحدياتها وهي أن عدد الموظفين بالشركة يزيد عن حاجتها الفعلية بل وعن المعدل الطبيعي لأي شركة طيران، والأغرب من هذا أن 45% من الموظفين يعملون في وظائف مساندة وليس في الغرض الأساسي للشركة وهو الطيران، وبحسب الدراسات فإن النسبة المثالية لأي شركة تريد أن تنجح هي ألا يزيد عدد العاملين في الوظائف المساندة عن 20% وربما أقل من ذلك خاصة لدى شركات الطيران الاقتصادي.
هذا الخلل الذي عانت منه شركة الطيران العماني لسنوات عديدة أثر على قدرات الشركة وتنافسيتها وبدلا من أن تحقق أهدافها الأساسية في دعم الاقتصاد الوطني وتنشيطه أصبحت عبئا على الموازنة العامة للدولة، ولكم أن تتخيلوا أن ديون الشركة تمثل 10% من الديون السيادية لسلطنة عُمان، وهو أمر لا يؤثر على الاقتصاد الوطني فقط وإنما أيضا على مكانة الشركة وتنافسيتها، وبدلا من أن يحقق الطيران العماني دوره الاقتصادي أصبح يستنزف الموارد المالية للدولة بدون أي عوائد ملموسة.
وفي الحقيقة فإن هذه المشكلة لا يعاني منها الطيران العماني فقط وإنما هناك أيضا عدد آخر من الشركات الحكومية وشركات المساهمة العامة التي نجد فيها تضخمًا في الهياكل الإدارية وأعداد الموظفين دون تحديد واضح لما يجب على الموظف القيام به مع تداخل الاختصاصات والمهام وهو أحد أسباب خسائر الشركات، ولو عدنا بالذاكرة 6 سنوات إلى الوراء لوجدنا أن إحدى شركات الوساطة التي كانت عاملة في بورصة مسقط كانت مشكلتها الأساسية تكمن في ازدياد أعداد الموظفين في قطاعات لا تحقق دخلا للشركة وكانت امتيازات الموظفين ورواتبهم المرتفعة هي الهدف الأساسي الذي كان يسعى إليه الموظفون وعندما أراد أحد المستثمرين إعادة الحياة إلى الشركة لم يتمكن من حل هذه المشكلة وهو ما دفع الشركة في النهاية إلى التصفية وبالتالي لم يفقد الموظفون امتيازاتهم ومناصبهم فقط وإنما أيضا وظائفهم.
يربط الكثيرون بين خطط إعادة الهيكلة باعتبارها خططا طموحة لتصحيح أوضاع سابقة وبين ما ينتج عن هذه الخطط من فقدان بعض العاملين لوظائفهم، إذ إن خطط إعادة الهيكلة عادة ما تقتضي تقليص أعداد الموظفين الذين يشكل وجودهم في الشركات عبئا عليها، وقد لاحظنا أن الشركات التي لم تتمكن من تحقيق هذه المعادلة لم يكن أمامها في النهاية إلا خيار التصفية وهو خيار ذو نتائج سلبية على الموظفين والشركات والاقتصاد بشكل عام.
في حالة الطيران العُماني، فإن المشهد أفضل بكثير من السيناريوهات التي يتم العمل بها عادة في الخطط المماثلة، فقد تضمنت خطة إعادة الهيكلة -وفقا للقاء الإعلامي- حصول الموظفين الذين تأثرت وظائفهم بالخطة على رواتب تصل إلى 24 شهرا إذا اختاروا التقاعد، كما طرحت الخطة على الموظفين الآخرين الراغبين بالاستمرار في العمل الانتقالَ إلى شركة أخرى بنفس الرواتب الحالية.
وفي نظرنا فإن هذه الفلسفة التي تجمع بين إنقاذ الشركات من جهة وتخفيف الأعباء على الموازنات الحكومية من جهة ثانية من شأنها تعزيز تنافسية الشركات والقطاعات الاقتصادية، إذ إن إعادة توجيه الاستثمارات الحكومية إلى تأسيس مشروعات جديدة تستوعب مئات الموظفين أفضل بكثير من ضخه لشركات تستنزف المالية العامة دون أن تحقق عائدا اقتصاديا، ونعتقد أن توجيه المبالغ التي تستنزفها الشركات الحكومية إلى إنشاء شركات جديدة ومصانع تُسهم في تنشيط القطاعات الاقتصادية هو ما ينبغي التركيز عليه في المرحلة المقبلة. الإنتاج ينبغي أن يظل هو الهدف الأساسي لأي إدارة سواء كانت حكومية أو خاصة وليس مجرد دفع رواتب وامتيازات دون أن يكون لها مردود اقتصادي أو تنموي.
من المؤكد أن ازدياد أعداد الموظفين في الطيران العماني عن الحد المقبول عالميا لشركات الطيران هو واحد من مجموعة من التحديات الأخرى التي تواجه الشركة، ونتطلع إلى أن يأتي اليوم الذي يتمكن فيه الناقل الوطني لسلطنة عُمان من إغلاق هذا الملف ليحلق إلى مدن جديدة ويربط مسقط بمختلف دول العالم وأن يكون مساهما رئيسيا في الاقتصاد الوطني بل وداعما للموازنة العامة للدولة.
0 تعليق