loading ad...
تجعل مساعي إيران الدؤوبة إلى امتلاك أسلحة نووية منطق الضربة الوقائية أمراً لا خلاف عليه في نظر كثيرين من الإسرائيليين والأميركيين. وكانت إسرائيل تعتقد أن ترامب سيعتبر تدمير البرنامج النووي الإيراني خطوة مبررة تماماً، لكن محادثاته مع طهران عكست فكرة مغايرة.اضافة اعلان
***
لم يتفاجأ أحد أكثر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما علم بنية دونالد ترامب إعادة إطلاق المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي. في اجتماع عقد بين الرجلين في السابع من نيسان (أبريل) في واشنطن، كان نتنياهو شبه واثق من أنه سيتمكن من استكمال خططه لتوجيه ضربة محتملة إلى البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين، ربما بمشاركة الولايات المتحدة. وقد تضمنت أجندة المحادثات بين الرجلين بطبيعة الحال مسائل أخرى، لا سيما الحرب التجارية التي يخوضها ترامب ضد الأصدقاء والخصوم على حد سواء، لكنّ التهديد النووي الإيراني الذي يعد تهديداً وجودياً لإسرائيل كان المسألة الأبرز والأكثر إلحاحاً.
لكن ترامب، بحسب روايات صحفية عديدة، صدّ نتنياهو. ولم تسفر المفاوضات الأميركية الإيرانية الأولى والثانية، في 12 و19 نيسان (أبريل)، عن أي تقدم ملموس، على الرغم من اتفاق الطرفين على الاجتماع مجدداً في 26 نيسان (أبريل) بعد إجراء محادثات "تقنية". ولعل من الأفضل لترامب أن يتذكر إحدى أهم قواعد لعبة البيسبول: "إذا أخفق لاعب ثلاث مرات، فإنه يستبعد من المباراة".
إن مساعي إيران الدؤوبة إلى امتلاك أسلحة نووية قابلة للإطلاق، والتهديدات الخطرة التي ينطوي عليها ذلك، تجعل منطق الضربة الوقائية لهذه القدرات أمراً لا خلاف عليه في نظر نتنياهو وكثيرين من الإسرائيليين والأميركيين. لذلك، كانت إسرائيل تعتقد، ولأسباب وجيهة، أن ترامب سيعتبر تدمير البرنامج النووي الإيراني خطوة مبررة تماماً.
لا يسع أحد القول بأن إسرائيل تتصرف باستعجال أو تهور؛ فقد سعت إيران على مدى ثلاثة عقود من الزمن إلى امتلاك أسلحة نووية، وكان الخطر يتعاظم مع مرور الوقت. ولم يغير أي عامل قرار الملالي الاستراتيجي في هذا الاتجاه، لا الدبلوماسية، ولا العقوبات، ولا حتى التهديد باستخدام القوة. وقد أحرزت إيران تقدماً واضحاً وخطراً على صعيدي البرنامجين النووي والصاروخي، وأصبح اتخاذ قرار بخصوص استخدام القوة العسكرية، وهو قرار تأخر اتخاذه كثيراً، أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
على الرغم مما يعرفه العالم الخارجي عن قدرات إيران، وهو أمر مقلق بحد ذاته، فإن الأخطر هو ما لا نعرفه بسبب ضعف المعلومات الاستخباراتية والرقابة الدولية. كانت طهران تُمعن في عرقلة عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتمنع مفتشيها من دخول المنشآت العسكرية الحساسة التي تشهد جهوداً حاسمة لتطوير أسلحة نووية. وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن تكون إيران أقرب إلى امتلاك السلاح النووي مما يعتقد الكثيرون، بالنظر إلى تعاونها الوثيق مع كوريا الشمالية. وهذا ما تؤكده، على سبيل المثال، مساهمة كوريا الشمالية في بناء مفاعل دير الزور النووي في سورية، الذي دمرته إسرائيل في العام 2007. كما زود العالم النووي الباكستاني، عبد القدير خان، كلاً من طهران وبيونغ يانغ بالمخططات الأولية لتخصيب اليورانيوم وتصميم الأسلحة، مما يعني أن ما يكتشف في إيران قد لا يكون إلا جزءاً من برنامج أوسع، نُقلت منشآته وأخفيت تحت الأرض في كوريا الشمالية بطرق يصعب رصدها.
لذلك، لا يدور السؤال المطروح في إسرائيل حول ما إذا كانت ستضرب البرنامج النووي الإيراني، بل متى ستفعل ذلك، وما إذا كانت ستنفذه بمفردها أم بمساعدة الولايات المتحدة. من الناحية الاستراتيجية، تمتلك واشنطن كل المبررات للتحرك عسكرياً ضد طموحات إيران النووية. إن خطر هذا البرنامج لا يهدد إسرائيل فحسب، بل يعرض العالم أجمع إلى خطر. على مدى 30 عاماً، سعى الملالي إلى تحويل إيران إلى قوة نووية، غير عابئين بتداعيات ذلك على الآخرين. وتمتلك الولايات المتحدة الوسائل الكفيلة بالقضاء على هذا التهديد، ولديها المبررات السياسية والأخلاقية الكاملة إذا قررت استخدام تلك الوسائل. ولذلك، فإن دعم إسرائيل في إبطال التهديد الإيراني له منطقه الكامل.
لكن ترامب ربما يفتقر إلى العزم أو الشخصية اللازمة لاتخاذ هذا القرار الصعب. وتشير تقارير إلى وجود انقسامات داخل إدارته بشأن استخدام القوة ضد إيران، إذ يعارض العديد من كبار المسؤولين، الذين لا يتمتعون بكفاءة عالية هذا التوجه. وعلى الرغم من أن ضربة أميركية إسرائيلية مشتركة ستكون على الأرجح أكثر فاعلية، فإن مشاركة واشنطن غير ضرورية لأن القوات الإسرائيلية قادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني أو شله بدرجة كبيرة في الأجل البعيد، حتى لو أمكن لإيران القيام بأعمال صيانة لاحقاً. وإذا قررت إسرائيل التحرك، فلا ينبغي أن تسعى فقط إلى إلحاق ضرر جزئي بالبنية التحتية النووية الإيرانية، بل إلى تدميرها بالكامل. وربما لن يكون هناك وقت أنسب من الآن.
أما ما قد يخشاه آيات الله فعلياً بعد الضربات الإسرائيلية، سواء بدعم أميركي أو من دونه، فهو رد فعل الشعب الإيراني. لقد فقد هؤلاء كثيراً من نفوذهم في الشرق الأوسط، وهم يسعون الآن بشكل عاجل إلى إعادة بناء شبكاتهم من الوكلاء الإرهابيين، بالتوازي مع محاولاتهم تثبيت النظام في الداخل. وقد أدى سقوط الأسد في سورية، إضافة إلى الضربات المتتالية التي تلقاها "حزب الله" و"حماس" و"الحوثيون" منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، إلى خلق أجواء من التوتر وتبادل الاتهامات داخل إيران نفسها.
لقد أصبحت أسس ثورة العام 1979 أضعف الآن من أي وقت مضى. وقد يكون تدمير البرنامج النووي هو الشرارة التي تفجر الغضب الشعبي داخل إيران، فينهض الشعب أخيراً ضد النظام ويطيح بقيادته العليا. إن آيات الله في أمس الحاجة إلى تفادي الضربات الإسرائيلية والعقوبات الدولية. ومن شأن الدخول في مفاوضات مطولة مع واشنطن أن يمنحهم شريان حياة.
أما بالنسبة لأولئك الذين يقفون في وجه أخطر دولة تسعى إلى امتلاك أكثر الأسلحة فتكاً، فهذا ليس وقت التردد، كما نصحت مارغريت تاتشر ذات يوم. يجب وضع حد للمفاوضات العقيمة مع طهران، والإقدام على فعل ما يلزم لحماية العالم من إيران النووية.
*جون بولتون John Bolton: المستشار السابق للأمن القومي الأميركي. معروف بأنه من أنصار الحرب على إيران.
0 تعليق