في إطار الجهود الرامية إلى تسليط الضوء على المشهد الأدبي العماني الشاب، ومدى حضوره وتأثيره محليًا ودوليًا، نظّمت اللجنة الثقافية في معرض مسقط الدولي للكتاب بدورته التاسعة والعشرين جلسة حوارية بعنوان "السرد العماني الشبابي"، شارك فيها أربعة من الكُتّاب وصنّاع المحتوى العمانيين، هم: شذى العبرية، حمد المخيني، هاجر العامرية، ومحمد الحراصي، وأدار الجلسة الكاتب محمد الشحري، وسط حضور من المهتمين بالشأن الثقافي.
افتُتحت الجلسة بمحور الهوية في السرد الشبابي، حيث أكدت الكاتبة شذى العبرية أن الهوية تبرز في النصوص حتى وإن لم تكن مقصودة، مشيرة إلى أن بعض الكتّاب يستخدمون اللغة الفصحى، لكن لهجتهم العمانية تتسلل بعفوية إلى النص، ما يُعد مؤشرًا إيجابيًّا، مع ضرورة أن يعي الكاتب أهمية استحضار الهوية العربية والإسلامية في كتاباته.
أما الكاتب حمد المخيني، فقد ذهب إلى أن الهوية في السرد تتجاوز البُعد الجغرافي واللغوي، معتبرًا أنها تعبير عن وعي الكاتب بذاته وبالعالم، مضيفًا أن الشباب العماني تجاوز في كتاباته الحدود المحلية متجهًا إلى الفضاء العالمي. وفي ذات السياق، أكدت الكاتبة هاجر العامرية على أهمية تناول القضايا الإنسانية بصدق وعفوية، مستشهدة بسلسلتها الصوتية "حياة ما بعد الجامعة" التي لامست مشاعر المتلقين، وعبّرت عن تحديات الخريجين من قلق وتشتت، ونجحت في تحقيق تفاعل واسع عبر منصات البودكاست المختلفة.
وتحدث الكاتب محمد الحراصي عن الخصوصية في السرد، مشيرًا إلى أن الشخصية تظل العنصر الأبرز في النص السردي، سواء من الناحية الجسدية أو النفسية، لافتًا إلى أن الهوية العمانية لم تتغير كثيرًا، وإنما طرأ عليها تطور يتماشى مع القضايا المعاصرة التي تشغل الجيل الجديد من الكُتّاب. وأشارت العبرية إلى أن أبرز القضايا التي يتناولها السرد الشبابي العماني تشمل القضية الفلسطينية، والقضايا الاجتماعية، والهوية العمانية بماضيها وتضاريسها.
أما في محور "وسائل التواصل الاجتماعي"، فقد أكدت "العبرية" أن هذه الوسائط أداة مهمة لتوسيع نطاق التأثير، لكنها تساءلت عن مدى مصداقية التفاعل الرقمي، مشيرة إلى المفارقة بين التفاعل الإلكتروني وحجم المبيعات الفعلية للكتب. وبدورها، عبّرت العامرية عن صعوبة ظهور الكُتّاب الجدد في ظل طغيان شهرة بعض الشخصيات المعروفة على وسائل التواصل، وأشارت إلى أن الكاتب الصادق في لغته وأفكاره سيجد جمهوره الحقيقي مع الوقت، مهما كانت البداية متواضعة.
وفي محور الفنتازيا والواقعية السحرية، اعتبر "المخيني" أن استخدام عناصر مثل السحر والشعوذة أحيانًا يعكس واقعًا معاشًا، وأن الفنتازيا أصبحت تُوظف تجاريًا لجذب الجمهور، لا لتعزيز الرسالة الأدبية. وأوضح أن ثمة فارقًا بين الكاتب "الجماهيري" الذي يخاطب شريحة واسعة من الجمهور، و"النخبوي" الذي يكتب بدافع شخصي وفكري، معرّفًا نفسه ككاتب نخبوي يفضّل العمق على الانتشار.
من جهته، علّق "الحراصي" على هذا النقاش قائلاً: إن الصراع بين أنصار الكتابة الجماهيرية والنخبوية قائم منذ وقت طويل، وإن الثقافة العمانية يغلب عليها الطابع النخبوي الذي لا يعترف كثيرًا بالإنتاج الجماهيري، معتبرًا أن الكتابة الجماهيرية تمثّل مرحلة أولى في نضج القارئ قبل انتقاله إلى مستويات أعلى من التلقي الأدبي.
وتطرقت الجلسة إلى موضوع الذكاء الاصطناعي وتأثيره على مستقبل السرد، حيث عرض الكاتب محمد الشحري تجربة دار نشر مصرية نشرت كتابًا كُتب بالكامل بالذكاء الاصطناعي. وفي هذا الإطار، رأت "العامرية" أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه كأداة تنظيمية فقط، كالتدقيق وترتيب الأفكار، لكنه لا يصلح لصناعة السرد الإنساني، وهو الرأي الذي أيّدته العبرية، مؤكدة أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه محاكاة الأحاسيس أو الوصول للمستوى الشعوري الذي يلامس القارئ الحقيقي.
وفي ختام الجلسة، استعرض الكتّاب تجاربهم مع دور النشر المحلية والعربية، مشيرين إلى تحديات التوزيع والتسويق، وكذلك إلى الحاجة الماسّة لدعم المؤلف العماني من الجهات المختصة، بما يسهم في استدامة المشهد الأدبي وتطويره. أعقب ذلك فتح باب النقاش للجمهور، الذي تفاعل مع الطروحات المطروحة، وطرح أسئلة حول مستقبل السرد الشبابي العماني ودوره في تمثيل الهُوية الأدبية والثقافية لسلطنة عمان.
0 تعليق