في المعنى العميق لزيارة السلطان هيثم للجزائر

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تكتسب الزيارة التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى الجزائر أهمية خاصة لأسباب تتعلق بوشائج العلاقات بين البلدين عبر التاريخ، وهو تاريخ سابق كثيرا للعلاقات الدبلوماسية الحديثة التي نشأت فـي سبعينيات القرن الماضي. فكانت عُمان والجزائر جناحين (مشرقي ومغربي) لمسار البناء الفكري والمعرفـي فـي العالم العربي، وهما أيضا جناحان مهمان من أجنحة الأمة العربية المتمسكة بمبادئها وقيمها الأصيلة، وهما بلدان ناضلا كثيرا فـي سبيل الاستقلال والحفاظ على الكرامة الإنسانية. هذا الشبه فـي مسارات التشكل التاريخي يعطي تصورا حول صلابة المواقف والتمسك بالمبادئ والقيم السياسية والإنسانية فـي هذه اللحظة التاريخية التي تشهد تغيرات عميقة تتجاوز هامش المتغير إلى عمق الثابت.

وإذا كانت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لمسقط فـي أكتوبر من العام الماضي قد أسست لمعالم علاقات جديدة بين البلدين فإن زيارة جلالة السلطان المعظم تعمل على ترسيخ تلك المعالم وتعميقها، وهي تسير فـي المسار التقدمي الذي يعمل عليه عاهل البلاد المفدّى والمتمثل فـي بناء شراكات عربية وعالمية تقوم على فتح ممرات سياسية واقتصادية على مبدأ وأسس من الحكمة والاتزان واحترام السيادة والقوانين الدولية والإنسانية.

وإذا كانت فـي الكثير من تجارب بناء العلاقات بين البلدان تبدأ بالعلاقات السياسية ثم تؤسس للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافـية فإن العلاقات السياسية بين عُمان والجزائر كانت نتيجة للعلاقات الثقافـية والاجتماعية والأيديولوجية بين الشعبين العماني والجزائري تلك العلاقات والروابط التي بدأت منذ لحظة مبكرة فـي التاريخ الإسلامي.

وذلك فإن تبادل الزيارات والوفود السياسية اليوم تعزز تلك العلاقات التاريخية وتضعها فـي مسار قادر على أن يعود على الشعبين بمزيد من الخير والرفاه وبناء الشراكات القادرة على الاستمرار والديمومة.

وما يعزّز هذا المسار هو ذلك التوافق العميق فـي الرؤى بين البلدين إزاء القضايا العربية والإقليمية والدولية؛ فمسقط والجزائر تتشاطران موقفا ثابتا ومبدئيا تجاه قضايا السيادة، وتؤمنان بالحوار سبيلا لحل النزاعات، وترفضان الانخراط فـي محاور التنازع الإقليمي. كما تتقدمان برؤية عربية مستقلة تدافع عن العدالة فـي فلسطين، وتحترم القانون الدولي، وتتمسّك بمبدأ الإنصاف والشرعية.

لكن الأهم أن هذه الزيارة تأتي فـي سياق اقتصادي وتنموي استثنائي يجعل العلاقات التاريخية ذات قيمة مضافة؛ فبعد التوقيع على ثماني مذكرات تفاهم فـي أكتوبر الماضي، تدخل العلاقة الثنائية اليوم مرحلة التنفـيذ الفعلي. هناك مشروعات استثمارية حيوية فـي الطاقة المتجددة، والبتروكيماويات، والزراعة، والتكنولوجيا، والسياحة، بل وتم إنشاء صندوق استثماري مشترك يرسم أفقا جديدا لشراكة قائمة على المبادرة لا الانتظار.

إنّ الرسائل التي تحملها هذه الزيارة السامية للجزائر تتجاوز سياقها الثنائي لتؤكد أن التعاون والشراكات العربية العربية باتت فـي هذا الوقت من التاريخ ضرورة وجودية خاصة عندما تكون الشراكات قائمة على المصالح المشتركة وعلى الاحترام المتبادل.

والزيارة التي ينظر إليها فـي البلدين باعتبارها تاريخية تستكمل تاريخا من العلاقات العميقة بين البلدين وربطا لا يمكن تجاوزه بين شرق العالم العربي وغربه وهي تأسيس جديد لعلاقات اقتصادية تتجاوز البعد الجغرافـي نحو أمل فـي مسار جديد من العمل العربي المشترك.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق