السقوط للأعلى: كيف نحول الإخفاقات إلى فرص للنجاح

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
أ.د. جهان العمران

إن الحياة التي نعيشها ليست مفروشة بالورود والأزاهير كما كنا نحلم ونحن أطفال صغار، بل هي صعبة ومليئة بالتحديات. وكل منا له أسلوبه في مواجهة التحديات.. البعض منا عندما يواجه فشلاً أو يصاب بانكسار أليم يهوي بالسقوط إلى الأسفل. وهذا النوع من الانهيار لا يحمل في طياته بذور النهوض، بل يسحب الإنسان إلى دوامة من الإحباط، واليأس، وربما فقدان المعنى. هو لحظة يتوقف فيها العقل عن التفكير الإيجابي، ويتحول فيها الألم إلى استسلام داخلي. يحدث هذا السقوط عندما لا يجد الإنسان من يُمسك به، أو عندما يفقد ثقته في نفسه وفي من حوله.

من أمثلته: شخص خسر عمله فاستسلم، ولم يحاول النهوض مجدداً، بل أغلق على نفسه باب الفرص. أو امرأة تعرضت لصدمة عاطفية، فانسحبت من كل العلاقات، موقنة بأن لا رجل يستحق الثقة. أو مريض تراجع في حالته الصحية، ففقد الرغبة في العلاج، وكأن المرض التهم معه أمله.

السقوط إلى الأسفل ليس فقط موقفاً صعباً، بل هو خيار داخلي، حين يقرر الإنسان أن يبقى في القاع. وهذا النوع من السقوط لا يُترجم إلى وعي أو تغيير، بل إلى شلل نفسي.

لذلك، فإن أخطر ما في هذا السقوط هو الإقامة فيه طويلاً، حتى يظنه البعض قدراً لا يمكن تغييره، وليس مرحلة مؤقتة يمكن تجاوزها.

كلنا نواجه في حياتنا لحظات فشل وإحباط، ولكن ما يحدد مصيرنا ليس الفشل نفسه، بل كيفية استجابتنا له. هذه الفكرة هي جوهر مبدأ «السقوط للأعلى» الذي يطرحه شون آكور Shawn achor في كتابه «ميزة السعادة» the advantage of happiness « أي بدلاً من النظر إلى الإخفاقات على أنها نهاية الطريق، يمكننا تحويلها إلى نقاط انطلاق نحو النجاح. يشرح آكور أن الفشل ليس عائقاً، بل فرصة للتعلم والنمو، مشيراً إلى مفهوم «النمو ما بعد الصدمة»، حيث يخرج بعض الأشخاص من التجارب الصعبة أقوى وأكثر حكمة. المفتاح هنا هو إيجاد المعنى في الشدائد. عندما نواجه الفشل، لدينا ثلاثة خيارات: إما أن نبقى عالقين في حالة من اليأس ونلوم الظروف، أو نتجاهل الدرس، ونمضي قدماً دون استفادة، أو نختار الطريق الثالث: «السقوط للأعلى»، حيث نستخدم الفشل كوقود للتحسين والتقدم. على سبيل المثال، قد يفقد شخص وظيفته، ولكن بدلاً من الاستسلام للقلق، يمكنه أن ينظر إلى هذه التجربة كفرصة لتطوير مهارات جديدة أو استكشاف مسارات مهنية أفضل، والمرأة التي تصاب بصدمة عاطفية بسبب خيانة زوجها لها والارتماء في أحضان امرأة أخرى تدرك أنه لايستحقها، وتبدأ تفكر بالاستثمار في ذاتها وتعزيز استقلاليتها وتنمية قدراتها ومواهبها

الأمر هنا لا يتعلق بتجاهل الألم أو التظاهر بأن كل شيء على ما يرام، بل على العكس يجب أن نشعر بالألم، وأن نمر بلحظات الحزن فهذا شيء طبيعي. ولكن الأمر هنا يتعلق بتغيير طريقة تفكيرنا. عندما نرى الفشل كجزء طبيعي من رحلة النجاح، نصبح أكثر مرونة واستعداداً للتحديات المستقبلية.

لتحقيق هذا التحول، يقترح آكور ممارسة « إعادة الصياغة الإيجابية» reframing حيث ننظر إلى الفشل من زاوية مختلفة. بدلاً من القول: «لقد خسرت كل شيء»، يمكننا أن نقول: «لقد تعلمت درساً قيماً». بالإضافة إلى ذلك، يساعدنا دعم الآخرين في تحويل الإخفاقات إلى فرص، لأن العلاقات القوية تمنحنا القوة والأمل.

في النهاية، «السقوط للأعلى « «falling up» ليس مجرد شعار، بل هو طريقة حياة تمكننا من تحويل كل عقبة إلى خطوة في السلم نحو النجاح.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق