لآلئ بحرينية في بحر التقنية

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عثمان عادل العباسي

خلال لقاءٍ دُعيت إليه بصفتي الشخصية والمهنية من قِبل رئيس تحرير صحيفة الوطن، جمعني مع الدكتورة منيرة الفاضل والأخ خالد خلف من هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية ضمن فريق «برنامج تنمية الكوادر التقنية»، كنتُ مستمتعاً بالحديث التقني الشيّق، حتى وجدتُ نفسي فجأةً أغوص في عمق مشروعٍ بحريني خالص، لم يأخذ حقه الإعلامي بعد، تماماً مثل الغواص البحريني الذي ينزل بحثاً عن اللؤلؤ في قاع البحر، دون أن يعرف أحد قيمة ما جمعه إلا بعد عرضه بشكل لائق. وهنا تحديداً أدركتُ أننا أمام كنزٍ تقني حقيقي يحتاج فقط لمن يعرضه في واجهة إعلامية مشرقة، مع لوحة كبيرة تقول: «هكذا يكون التدريب الصحيح».

الحوار كان جميلاً، لكن أفكاري حلّقت بعيداً، فتذكّرتُ على الفور تلك المكالمات التي تصلني بين فترة وأخرى، تبحث يائسة عن خريجين بحرينيين «جاهزين» لسوق العمل، وكأنهم يطلبون مني استخراج لؤلؤة جاهزة من بحر لم يغص فيه أحد من قبل. المشكلة ليست في شبابنا، فالبحرين دائماً أرض خصبة للكفاءات المتميزة، إنما تكمن المشكلة الحقيقية في بعض الجامعات التي تُخرّج طلاباً يحفظون المناهج دون فهم، كأنهم قضوا سنوات دراستهم في تعلّم السباحة على الرمل، دون أن تلامس أقدامهم ماء البحر ولو مرة واحدة.

سرعان ما أعادتني الذاكرة إلى أيام دراستي الجامعية، عندما كنتُ ممثلاً لطلبة كلية تقنية المعلومات بمجلس الطلبة في الدورة الخامسة بجامعة البحرين. في تلك الأيام، كانت شكوى الطلاب من التدريب العملي تشبه تذمّر البحارة من رياحٍ لا تهبّ، فتترك سفنهم عالقةً وسط البحر، دون أن تصل إلى وجهتها. يدخل الطالب إلى جهة التدريب بحماس شديد، متوقعاً أن يبحر في مشاريع تقنية حقيقية، فيكتشف سريعاً أنه مجرد «متفرج»، يقضي الأشهر التالية، وهو يشاهد العمل من بعيد، دون أن يُسمح له بلمس شيء فعلي، خوفاً من أن يغرق المكان في مشاكل بسبب قلة خبرته. وبعد انتهاء التدريب، يخرج الطالب وهو لا يستطيع التفريق بين «السيرفر» و«السويتش»، وقد يعتقد أن «الماوس» ماركة جديدة من العصائر الصيفية المنعشة!

لذا، عندما سمعتُ اسم البرنامج لأول مرة، ابتسمتُ وقلتُ لنفسي بسخرية: «هذا فيلم قديم شاهدناه من قبل». لكن بعد التعرّف على التفاصيل ومشاهدة النتائج، تفاجأتُ بحق: شباب يدخلون البرنامج، يعملون على مشاريع حقيقية، يتخذون قرارات فعلية، بل قد يناقشون موظفي الهيئة بثقة كبيرة، وكأنهم أصحاب خبرة تمتد لسنوات، وليس بضعة أسابيع فقط.

البرنامج لم يكتفِ بإعداد الشباب تقنياً فقط، بل حرص أيضاً على تنمية مهارات التواصل لديهم. نعم، ذلك التواصل الذي كنا نعتقده بعيداً عن جيلٍ كامل قضى معظم حياته بين الشاشات والكودات. صاروا يتحدثون بطلاقة، يعرضون أفكارهم بكل ثقة، وأصبح واضحاً تماماً أنهم ليسوا مجرد «كائنات تقنية»، بل هم كفاءات حقيقية تستحق لقب «لآلئ تقنية»، بشرط توفير التدريب الصحيح.

لذا أقول لكل خريج بحريني اليوم، هذه فرصتك الذهبية، لا تكن رقماً إضافياً في قائمة الباحثين عن عمل، بل كُن لؤلؤةً تلمع في سوق العمل. فالبحرين اليوم ليست بحاجة إلى مزيدٍ من الغواصين الذين يعودون من البحر بحكاياتٍ دون لؤلؤ، بل هي بحاجةٍ لشبابٍ يجيدون فعلياً استخراج كنوز «الداتا».

* خبير تقني

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق