«العاطفة والعقل شراكة»

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
أميرة البيطار

كثيراً ما يُساء فهم العاطفة في المجتمعات، خاصة حين تُوضع في كفة ميزان مقابل العقل. فنحن نميل بطبيعتنا إلى اعتبار العقل هو الأداة الأهم في اتخاذ القرارات السليمة، بينما يُنظر إلى العاطفة على أنها نقطة ضعف، قد تؤدي إلى أخطاء جسيمة، خصوصاً في ميادين السياسة والإدارة. وهذا الاعتقاد له ما يبرره، إذ إن الانفعالات القوية، كالغضب أو الاندفاع، قد تدفع بالبعض إلى تصرفات لا تُحمد عقباها.

لكن هذه النظرة، وإن كانت شائعة، ليست عادلة تماماً. فالعاطفة، إذا ما وُجهت بالشكل الصحيح، قد تكون قوة بناء لا يستهان بها. وفي قضايا الوطن والمجتمع، يظهر الدور الإيجابي للمشاعر بوضوح، فحب الوطن والانتماء الحقيقي له ليسا مجرد أفكار عقلية، بل مشاعر راسخة في القلب تدفع الإنسان للتضحية والعطاء والعمل المخلص من أجل مستقبل أفضل.

وقد عبّر المفكر الدكتور مصطفى محمود عن هذه الفكرة حين قال: «العقل دون عاطفة لا يصنع إنساناً، والعاطفة دون عقل لا تصنع إلا غرائز.»، وهذا يلخّص بدقة أهمية الموازنة بين الاثنين.

في الواقع، تُظهر التجارب التاريخية أن الأوطان لا تُبنى إلا حين تتوحد مشاعر أبنائها حول هدف واحد. فعلى سبيل المثال، عندما مرت اليابان بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لم تكن العقول وحدها من أعادت بناء الدولة، بل كان الحب العميق للوطن والتكاتف المجتمعي هو الوقود الحقيقي للنهضة.

وفي عالمنا العربي، نجد أن المبادرات الوطنية التي تنجح غالباً ما تكون مدفوعة بمشاعر قوية من الانتماء، مثل حملات التبرع في الكوارث، أو تطوع الشباب في خدمة المجتمع، وكلها أمثلة على كيف تلعب العاطفة دورًا إيجابيًا في تشكيل وعي وطني سليم.

لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح دون أن يستند إلى مشاعر المحبة والتآلف بين أبناء المجتمع. فالوطن لا يُبنى بالعقول فقط، بل يحتاج إلى قلوب مؤمنة به، تنبض بالمحبة لكل ما ومن فيه. ومن هنا، تأتي مسؤولية الحكومات والمؤسسات في ترسيخ هذه القيم، عبر نشر ثقافة التسامح، وتعزيز روح المواطنة، وتقدير المشاعر النبيلة التي تدفع بالأفراد نحو العمل المشترك.

إن الدمج بين العقل والعاطفة هو السبيل الأمثل لبناء مجتمعات متوازنة. فعندما تسير العاطفة مع العقل جنباً إلى جنب، تتحقق قرارات واعية وعادلة، تصب في مصلحة الجميع، وتُرسّخ دعائم وطن لا يقوم فقط على الخطط والأرقام، بل على المحبة والرحمة أيضاً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق