حين ينطق الحبر... يسمعه الوطن

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
حنان الخلفان

في عالمٍ باتت فيه الحقيقة عُملة نادرة، والإعلام مساحة يتنازعها التزاحم والصخب، تظل الصحافة البحرينية حارساً لهوية الوطن، ومرآة لضميره، ومنبراً حراً يحاول – رغم التحديات – أن يقول ما يجب أن يُقال. لا يُمكن فصل الصحافة عن مسيرة هذا الوطن، ولا عن تحوّلاته السياسية والاجتماعية، فهي كانت دائماً شاهدة على لحظات النهوض والتجديد، ولاعبة الدور الحاسم في تشكيل الوعي، وصناعة الرأي العام.

الصحافة البحرينية ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لتاريخ من الكلمة الحرة المسؤولة، التي كُتبت في ظروف مختلفة، لكنها ظلّت تحمل بداخلها انتماءً لا يُشترى، وولاءً لا يُفرض. فمنذ بداياتها الأولى، شكلت الصحافة جزءاً من ملامح الهوية البحرينية، وفضاءً رحباً عبر فيه المواطن عن رأيه، ونقلت من خلاله مؤسسات الدولة رسائلها، وانعكست فيه تطلعات مجتمع دائم الحركة.

هذا المشهد لم يكن ليتبلور لولا وجود قيادة آمنت بالكلمة، واحتضنتها، ومنحتها متّسعاً من الحرية المسؤولة، وأكدت في كل مناسبة أن الإعلام شريك لا تابع، ومكوّن أساسي لا يُمكن تجاوزه في أي مشروع وطني. فجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله، لطالما أكّد في خطاباته على أهمية الإعلام الحرّ كركن من أركان الدولة الحديثة، وجاء دعم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ليرسّخ ذلك من خلال السياسات والمبادرات التي حرصت على تعزيز مكانة الإعلام ضمن منظومة التنمية المستدامة.

ولأن الإعلام لا يُبنى فقط بالرؤى الكبرى، بل بالتنفيذ اليومي والدعم المباشر، فإن سعادة وزير الإعلام كان ولا يزال حاضراً في تفاصيل هذا المشهد، داعماً للمؤسسات الصحفية، مشجعاً للصحفيين، ومبادراً بتوفير منصات جديدة ومساحات أوسع تواكب التحول الرقمي، دون أن تفقد جوهر الرسالة الصحفية. هذا الدور لم يقتصر على البنية التقنية أو المؤسسية، بل شمل أيضاً النهوض بالمحتوى، وإطلاق حوارات وطنية حول مستقبل الصحافة، وهي خطوات تعكس فهماً حقيقياً لطبيعة التحديات التي يواجهها القطاع.

وفي خضم هذه التحولات، لا يمكن إغفال دور جمعية الصحفيين البحرينية، التي تمثل القلب النابض لهذه المهنة. لقد نجحت الجمعية في أن تكون بيتاً للصحفيين، لا فقط من خلال الدفاع عن حقوقهم أو تنظيم شؤونهم المهنية، بل من خلال تعزيز روح الانتماء بينهم، وإبراز صوت البحرين الصحفي في المحافل الإقليمية والدولية. لقد أثبتت الجمعية أن قوة الصحافة لا تأتي فقط من المنصة، بل من وحدة الصف، وتماسك الجسم الصحفي في مواجهة التحديات، وصيانة أخلاقيات المهنة من الداخل.

وعلى الجانب العملي، تجسّد صحيفة الوطن هذا الحضور بثبات واحتراف. فمنذ انطلاقتها، اختارت أن تكون جزءاً من الوعي اليومي للبحرينيين، تكتب بلغتهم، وتلامس قضاياهم، وتفتح المجال أمام الأقلام الوطنية الجادة. لم تكتفِ الوطن بنقل الحدث، بل انخرطت في تحليله، وربطته بسياقه المحلي، وقدّمت عبر صفحاتها منصّة للرأي الحر المتزن، مما جعلها تمثّل نموذجاً لما يجب أن تكون عليه الصحافة: مهنية، قريبة من الناس، ومنفتحة على التحول دون التنازل عن القيم.

وفي هذا الإطار، تظل الأعمدة الصحفية – ومنها هذا العمود – مساحة للبوح المسؤول، ونافذة يطل منها القارئ على ما وراء الخبر، على نبض المجتمع، وقلق الكُتّاب، وحسّهم النقدي. إن المقال ليس لحظة ارتجال، بل بناءً متأنياً، يشارك فيه الكاتب قارئه في صياغة الأسئلة الكبرى، وفي تخيل الأجوبة الممكنة. وهو ما يجعل من الصحافة رأيًا عامًا حيًا، لا جمهورًا صامتاً.

وإذا كان التحول الرقمي قد فرض على الصحافة تحديات جذرية، من تسارع الخبر إلى انفجار المحتوى، فإن الصحافة البحرينية أظهرت قدرتها على التأقلم الذكي. لم تكتفِ الورق بالتحسّر على الماضي، بل انطلقت نحو المستقبل بأدوات جديدة، وخطاب أكثر انفتاحاً، واستثمار واعٍ في التكنولوجيا لخدمة المهنة، لا إفراغها من جوهرها. وهنا تتجلّى مسؤولية الكتّاب والصحفيين أنفسهم: أن يُحافظوا على خط المهنية، وأن يُعبّروا عن مجتمعاتهم بلغة تليق بها، وأن يُعيدوا للصحافة مكانتها كمنبر للمعرفة لا الإثارة، وللوعي لا التلقين.

إن يوم الصحافة البحرينية ليس مناسبة للاحتفال فقط، بل لحظة تأمل وامتنان وتقييم. امتنانٌ لأولئك الذين كتبوا رغم كل شيء، وتأملٌ في مستقبل مهنة تتقاطع فيها المسؤوليات، وتقييمٌ لجودة ما يُقدَّم، وموقعه من ضمير القارئ.

وبصراحة.. وفي هذا اليوم، نقف احتراماً لكل قلمٍ لم يتردد في قول ما يراه حقاً، ولكل صحيفة اختارت أن تكون مع الناس لا فوقهم، ولكل مؤسسة تبنّت الصحافة لا كأداة، بل كقيمة. ونجدّد العهد، بأن نكتب لا لمجرد أن نكتب، بل لنحفظ للحقيقة مكانتها، وللكلمة شرفها، وللوطن صوته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق