أميرة صليبيخ
تصنّفُ إحدى قريباتي الناس إلى فئتين، أناس في الجنة وآخرين في النار ولا مجال لهم في مكان آخر. فمنذ اللحظة الأولى التي تراهم تحدد مصيرهم بلا رحمة، واكتشفتُ خلال حديثي معها أنها وضعت الأغلبية منا في النار، حتى أنا! كنت ألاحظ أنها كلما جلست مع جماعة -لا تتفق مع مبادئها المتشددة- فإنها بعد فترة تتوقف عن مجالستهم والاختلاط بهم، فتبدأ في انسحابها التكتيكي حتى تختفي، ثم تأخذ في انتقادهم وإظهارهم بأسوأ شكل ممكن حتى تقنع الآخرين بأفكارها وبالتالي يؤكدون لها صحة اختيارها وأنهم بالفعل يستحقون جهنم.
صار مكان الناس في الآخرة بالنسبة لها هاجساً، فتراها تتعمق في نواياهم وتحليل تصرفاتهم وربط الأحداث وتفسيرها حسب نظرها وظنونها. فالمرأة التي تصلي لكنها لا ترتدي الحجاب في النار، والتي تعمل في مكان مختلط فهي وجميع من في الشركة في النار، ومن يصافح النساء في النار ومن يستمع للموسيقى في النار. وفي حال اكتشفت أن أحدهم سيكون في النار فإنها تبتعد عنه وتهرب قبل أن تطالها ناره، فحتى هاتفها النقال أطفأته لأنه قد يكون سبباً في دخول النار، وآثرت البقاء وحيدة ومعزولة في انتظار قيام الساعة ودخول الجنة التي تنتظر استقبالها لوحدها.
متعبٌ هذا الشعور ومتعبٌ هذا التطفل الوقح والسافر على حياة الآخرين، ومع ذلك لا شيء أسوأ من أن ينصبّ الإنسان نفسه كإله يحاكم الآخرين ويختار لهم مقاعدهم في الآخرة حسب مقاسه. بعد فترة لم يبق معها أحد، وكنت حزينة لأجلها. فهي لم تكن تعيش الحياة بقدر ما كانت تمرر الأيام وتتسرب من خلالها بانتظار الموت. لم تكن حية بل كانت ميتة مع وقف التنفيذ. ولو لا أن تداركتها رحمة الله بعد فترة لأصيبت بالجنون.
قلت لها: لا تعيبي على أحد ولا تشمتي بأحد وتعايشي بإحسان مع الآخرين. الإحسان فقط. عندها ستتغير نظرتك إلى الجميع. فحتى أنت هناك من يصنفك في النار! وفي النهاية جميعنا عبيد الله ولا نملك حق الحكم على الآخرين. فدعيهم يعيشون بسلام ودعي نفسك تعيش أيضاً.
تقول هذه القريبة عندما حانت لحظة إفاقتها من ظلمها لنفسها وللآخرين، بعد أن أنهكها التجسس على نواياهم، أنها أدركت أنها مخلوقة مثلهم ولا شأن لها بمصيرهم واختياراتهم في الحياة. فمن منا يعلم ستكون خاتمته!
0 تعليق