"تأملات وذكريات مقدسية".. مشهديات يسردها أنور الخطيب

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كتاب بعنوان "تأملات وذكريات مقدسية: مع طيف صلاح الدين الأيوبي"، لرئيس بلدية القدس الأسبق والمحامي، أنور الخطيب التميمي.اضافة اعلان
أهدى التميمي كتابه، "إلى كل من سقى أرض القدس بقطرات من دمه الطاهر، فغذى شجرة الحرية الزاهرة والعطرة. إلى كل من حمل السلاح واستشهد على ثرى فلسطين منذ أن حررها العرب الأوائل، وحتى أضاعها العرب الأواخر. إلى الأجنة التي سقطت من الأرحام، فدفعت ضريبة الوطن قبل أن ترى نور الحياة. إلى الأطفال الرضع الذين سقطوا من أحضان الأمهات برصاص البطش والغدر. إلى السواعد الطرية والفتيّة التي حطمت حاجز الخوف وهي على عتبة الشباب.. إلى الرابضين في السجون الرطبة والعفنة ووراء الأسلاك الشائكة، الذين لم تضعف عزيمتهم ولم يهن صبرهم.. إلى الذين يقيمون من أجسادهم سورا منيعا أمام هجمات المسعورين على المسجد الأقصى وحرماته.. إلى الذين يتحملون القهر والعذاب، وتشتد عزائمهم مع الأيام قوة ومضاء، ويلتصقون مع ثرى الوطن صابرين صادقين ومؤمنين".
يقول المؤلف في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه: "إن هذا الكتاب يصدر بعد سنوات وسنوات من الكوارث والنكبات، وبعد ضياع أجزاء من الوطن العربي وتشتيت الآلاف من شعب فلسطين. ومع ذلك، فما تزال الظروف السياسية في الوطن العربي، قبل الكوارث وبعدها، على حالها. فلم نستفد من دروس الماضي ولم نتعظ من أخطائه، إذ ما نزال نكرر الأساليب القديمة نفسها التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من بلاء وشقاء وتيه وضياع. فالنوايا غير صادقة، والعزائم غير مخلصة، واللقاءات السياسية على جميع المستويات هي نفسها، ولا يصدر عنها إلا بلاغات تحمل كلاما كبيرا وعبارات إنشائية منمقة، التي أصبحت تؤذي أسماعنا لكثرة تكرارها، ولا تحتوي على ما يخدش مخالب الاحتلال وأثقاله".
ويبين التميمي أنه اختار لكتابه عنوان "مع صلاح الدين في القدس"، وليس المقصود منه كتابة سيرة هذا البطل المجاهد، بل لأن القدس، في محنتها وهي تعاني التهويد، لا تجد خلاصا إلا بقائد كصلاح الدين يحطم قيودها، ويحرر مسجدها، ويعيدها إلى حظيرة الإسلام. مبينا أن سيرة صلاح الدين هي التي ألجأ إليها أنا في أكثر من محبس وسجن، "كلما اعتصرني الهم، وحزبني الغم، وأهرمني اليأس، فأجد فيها العزاء والسلوى، وأستقي منها الصبر والجلد، وأستمد منها الأمل وأطارد اليأس والقنوط، وأجد فيها السكينة والطمأنينة".
يشير ولدا التميمي، هند وهاشم، في كلمة لهما بعنوان "امتداد.. كلمة الأبناء"، إلى أن والدهما كان شغوفا بالقراءة، بالتاريخ والسياسة والحضارة العربية الإسلامية. لقد "غرس فينا منذ الصغر شغف المعرفة والرغبة في الاطلاع على الثقافات المتعددة في حلنا وترحالنا. كان حديثه يميل إلى الاختصار والدقة في التعبير، ولكن بمضمون رحب وواسع.. نشر تفاصيل تجربته المرتبطة بأحداث احتلال المدينة المقدسة في حرب حزيران 1967، وتوسع في استدعاء مقدمات وتداعيات ذلك الحدث. وجاء الإصدار الأول لكتابه تحت عنوان "مع صلاح الدين في القدس: تأملات وذكريات". والآن، وبعد مضي خمسة وثلاثين عاما على هذا الإصدار، تقلبت خلالها القضية الفلسطينية عبر أحداث متشابكة، كانت آخرها تلك الحرب المستعرة القائمة في غزة والضفة الغربية، التي امتدت بكل همجيتها إلى لبنان الشقيق"، كما تحدثا حول فكرة الطباعة الثانية للكتاب.
في مقدمة الطبعة الثانية من الكتاب يقول نبال الخماش: "يتناول هذا الكتاب تدوينا وتحليلا لبعض الوقائع المتعلقة بالزمان والمكان، إضافة إلى التمثلات الشخصية، الرئيسية والثانوية، لحظة سقوط مدينة القدس بأيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي في السابع من حزيران (يونيو) 1967، من خلال رواية مؤلفه - أنور الخطيب التميمي - الذي عايش تلك اللحظات الصعبة من موقعه الوظيفي المهم، باعتباره محافظ منطقة القدس وممثل حكومة المملكة الأردنية الهاشمية فيها".
كما يوضح الخماش أن هذا الكتاب يمثل شهادة موضوعية للحدث التاريخي، إذ عرضت كثير من تفاصيله في سياق بناء سردي يتوفر فيه العناصر الأساسية للسيرة الذاتية. إلا أن مجمل العمل لا يعد سيرة مكتملة لصاحبها، بل هو أقرب إلى نموذج السيرة المجتزئة للراوي. وتلك طريقة لها خصائص عدة؛ ففي تأثير لحظة ما، يبسط صاحب التجربة مظاهر تلك التجربة وتأثره بها، وتأثره هو بأحداثها وتفاصيلها. وتجربة خير الدين الزركلي تعد خير شاهد على هذا النوع من كتابة السيرة عندما قدم من دمشق إلى عمان في العام 1921، وعمل موظفا في حكومة شرقي الأردن مدة عامين، وسرد تفاصيل تلك التجربة الذاتية في كتابه الشهير "عامان في عمان".
وفي هذه السردية، أسهب أنور الخطيب في استدعاء تفاصيل تجربته، واستحضار مشاعره وأحاسيسه وهو يرى زهرة المدائن تسقط بأيدي الغزاة الصهاينة. وسجل تلك اللحظة بفيض من الألم والتوجع، وتناول أيضًا تفاصيل دوره الوطني الذي كان من المفترض تأديته في هذا الظرف الصعب، باعتباره حاكم المدينة والمؤتمن على سلامة سكانها ومعالمها.
وكونه شرع في استحضار ذلك كله بعد قرابة عشرين عاما على حدوثه، وقد قارب عمره السبعين، فقد أضفى على تلك الذكريات العديد من أوجه التحليل الفاحص والدقيق، والناقد كذلك. فجاءت تلك التجربة غير محصورة بلحظة سقوط المدينة فقط، وإنما جاءت في سياق رؤية موضوعية للقضية التي اشتعلت في قلبه، واستحوذت على كامل اهتماماته وتفاعلاته الحياتية بشكل ملحوظ.
ويقول الخماش: "إن تمركزات المكان شغلت مساحة كبيرة في العمل الذاتي لصاحب السردية. ومحددات ذلك العنصر الذي عناه أنور الخطيب بتناول تفاصيله، مرتبطة بنطاق مدينة القدس ومحيطها. وقد استدعى التمركز في تناول المكان بالضرورة تنوعا وتعددا في عرض تفصيلاته، وهو جانب برع فيه راوي السردية بشكل لافت. فنجده يستعرض مجمل الأماكن الحيوية في المدينة المقدسة، ويكاد لا يغفل عن أي منها، مع شرح موجز أحيانا ومسهب أحيانا أخرى، حول دلالة ذلك المكان وأهميته".
ويشير الخماش إلى أن الراوي يضع بسلاسة أمامنا مشهدية واضحة المعالم للأبواب الرئيسية والفرعية لمدينة القدس، مثل "باب الأسباط، باب الغوانمة، باب المغاربة، باب حطة، باب الساهرة، الباب الجديد"، كما يشرح للقارئ تفاصيل عدة حول علاقة تلك الأسوار بالحدث التاريخي في السابع من حزيران  (يونيو) 1967، أو علاقتها بأحداث تاريخية مضى على وقوعها عهود طويلة. وبالطريقة ذاتها، يأخذ في استعراض أسواق المدينة كلما دعت الحاجة إلى ذلك، فذكر: "سوق الحسبة، سوق الخواجات، سوق العطارين، سوق القطانين، سوق الدباغة"، وبتفصيل غير قليل.
وتضمن السرد مشهديات حارات القدس: "حي النبي داوود، حي سانت هدريا، حي الشيخ جراح، حي عقبة الخالدية، حارة السعدية، المسكوبية"، إضافة إلى استعراضه عدد من معالم المدينة التراثية: "المدرسة التنكيزية، المدرسة الصلاحية، زاوية المحسنين المغاربة، زاوية أبي مدين الغوث، الخانقاه الصلاحية، الزاوية الفخرية"، والجبال والوديان المحيطة بالمدينة المقدسة. نصيب غير قليل، فذكر الأحداث التي شهدتها جبال القدس: "المكبر، الطور، الزيتون، جبل البيت (جبل موريا)"، إضافة إلى وادي الجوز. وللأماكن الدينية الحظ الأوفر من التناول والمعالجة، فنوشك أن نجد لقبة الصخرة ذكرا في معظم صفحات الكتاب، وكذلك المسجد الأقصى. إضافة إلى "كنيسة القيامة وكنيسة سانت آن"، وسائر الكنائس والأديرة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق