الشيراوي _ القصيبي _ الأنصاري ما الذي جمعهم؟

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مقالنا الأسبوع الماضي والمنشور على هذه المساحة، تناولنا ظاهرة مقيتة تسمى "تعفن الدماغ" بحسب ما صُنِفت به عالمياً، باعتبارها آفة اجتماعية - ثقافية معدية تستدعي الكثير من التأهب والتيقظ في مواجهتها، وبطرق يجب أن تتفوق بذكائها على ذكاء العالم الافتراضي التي ترمي، بعض منصاته، مخلفاتها في رؤوس كل من لا سيطرة له على عقله. ويا ويل من يبحلق في أضواء قطارها المنطلق بسرعة الضوء والقادم في الاتجاه المعاكس، فتكون ضريبة التجاهل والتكاسل في احتوائها أقسى مما نتصور.

وسبب الإشارة للموضوع السابق، ليس من باب المواصلة في الترويع بمخاطر آفة من آفات الحداثة القادمة من خارج الحدود، بل لتناولها من زاوية أكثر إيجابية وتفاؤل، بحثاً عن ذلك النور في آخر النفق.

وجانب من ذلك البحث عن النور البعيد، قد يبدأ بالمحاولة الجادة في تفحّص جذور البيئة الفكرية التي نعايشها ونرتبط بها، وبالتنقيب في أعماق تربتها الخصبة عما ينهض بالقدرة الإنسانية لتحصين العقل ووقايته من أمراض العصر، ليكتسب قوة الصمود والثبات مهما تكاثرت عليه الآفات.

ولعلنا نجد بعضاً مما نبحث عنه، في قصص أولئك الذين مروا وتركوا أكبر الأثر وأعلاه صوتاً، لنتعظ ونتعلم من دروس هؤلاء "الكبار"، الذين تتصدر أسماؤهم عنوان المقال، وأكاد أجزم بأنهم قد نجحوا نجاحاً، لا يمكن إطفاء بريقه، حتى ولو تسلل نسيان ما قدموه وأنجزوه.. لذاكرة المكان والزمان.

ما جمع هؤلاء "الكبار" الذين تفتح وعيهم في ظروف تاريخية واحدة وتشاركوا نفس الهموم، وناقشوا ذات الآراء الفكرية والسياسية، وإن اختلفوا حول بعضها، كاختلاف خلفياتهم الاجتماعية ووزنها الاقتصادي، ما جمعهم، هو قناعتهم الكاملة بأن نهوض الأمة، وكل ما يُثري حاضرها ومستقبلها يكّمُن في "ثقافة العقل وصحته" للتخلص من دوامة الهزائم والنكبات، والتحرر من أسباب التخلف، لامتلاك مقومات التقدم الصناعي - الانتاجي.

وما تميزت به هذه الأسماء هو وعيها التام بمتطلبات الواقع، ونقدها الموضوعي لأسباب التأخر وبآراء اتسمت بالشجاعة والصراحة، ورؤى تميزت ببعد النظر واستشراف ما يعين مجتمعاتنا العربية على تجاوز أية حدود معيقة لعمرانها البشري كأساس للتحضر والمدنية، وكأنهم أدوا قسماً عظيماً أمام ضمائرهم لجعل تدفق المعرفة سبباً لإحياء العقل وازدهاره، بدل من اللطم على هزيمته النكراء.

وإلا كيف نفسر - مثلاً - العبقرية التي تحلى بها الراحل يوسف الشيراوي، رحمه الله. فالشيراوي، كما تؤكده مسيرته الوطنية الطويلة والثرية بالإنجازات التي سبقت زمانها، هو صاحب الإمكانيات الاستثنائية في الجمع بين معارف الكيميائي والفلكي ورجل الصناعة والتنمية، وعاشق المتنبي والمغرم بتاريخ حضارته الإسلامية، والمبشر بحتمية تكرار وحدة العالم الإسلامي التي استمرت لسبعة قرون، بناءً على ما استمده من شواهد مادية لسلطان العقل في زمن التنوير الإسلامي.

ولا أدري، إن كان تقصيراً منا أو من يهمهم الأمر، أن يعاد التذكير بكتابيه الشهيرين لأجيال اليوم، فالرجل على كثرة ما أحيط به من مشاغل إدارية، استطاع أن يخرج لعالم القراء بإضاءات فكرية تمثلت في كتابين متخصصين، وهما: "أطلس المتنبي"، و"الاتصالات والمواصلات في الحضارة الإسلامية"، وكلاهما مستحقان للتداول في فضاء الباحثين عن المعرفة وطلاب العلم، مع الحاجة إلى إعادة تأمل هذه الشخصية التي وفقت في الجمع بين كل مختلف فكري، وفي تقديم نموذجها الخاص لرجل السياسة المناضل بالفكر.

أما بالنسبة لصديق روحه، القصيبي، ونده في الكثير من القضايا، الأنصاري، فالاثنان انضما إلى الشيراوي للتصدي لأسباب "هزيمة العقل" بإشهار سلاح التعليم في وجه التجهيل، واعتباره "المفتاح الذهبي" للتنمية والتحضر، ومعقل قيام التفكير النقدي لدحر الأوهام والتعصب والفتن وآفات تأكل العقل وضمور إرادة النهوض الحضاري.

وفي الواقع، استطاع الثلاثي عبر تميزهم في عطائهم الوطني والقومي، وإنتاجهم العلمي، وأدائهم المهني أن يرّسخوا قاعدة الصدق في التجارب والإخلاص في الخدمة. والظريف بأنهم جميعاً اتفقوا على حب أبي الطيب المتنبي، فهم، على ما يبدو، انجذبوا لصولات قلمه الشجاع ونقده اللاذع، حيث كان الرأي - لديه ولديهم - قبل شجاعة الشجعان، "وفي الجهل قبل الموت موتٌ لأهله".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق