دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يُلقّب المريخ بالكوكب الأحمر تيمّنًا بلونه الصدئ المميّز. والآن، ربما اكتشف العلماء المصدر المحتمل لهذا اللون ما أدّى إلى قلب نظرية شائعة في هذه العملية.
ويُعتبر المريخ أحد أكثر الكواكب التي خضعت للدراسة في نظامنا الشمسي، نظرًا لقربه من الأرض، وعدد المركبات الفضائية العديدة التي زارته خلال العقود القليلة الماضية. وقد زودت المركبات المدارية ومركبات الهبوط، العلماء ببيانات توضح أن اللون الأحمر للمريخ يأتي من معادن الحديد الصدئة الموجودة في الغبار الذي يغطي الكوكب.
في مرحلة ما، تفاعل الحديد الموجود في صخور المريخ مع الماء أو الماء والأكسجين، مع الهواء، ما أدى إلى تكوين أكسيد الحديد، بالطريقة ذاتها التي يتشكّل بها الصدأ على الأرض. وعلى مدى مليارات السنين، تحوّل أكسيد الحديد إلى غبار، واستقرّ في جميع أنحاء الكوكب بعدما حرّكته رياح المريخ، التي لا تزال تثير دوامات هوائية من الغبار، والعواصف الترابية الهائلة.
ولم تكتَشف التحليلات السابقة لأكسيد الحديد على المريخ التي اعتمدت فقط على ملاحظات المركبات الفضائية، أيّ دليل على وجود الماء، ما دفع الباحثين إلى الاعتقاد بأنّ أكسيد الحديد يجب أن يكون الهيماتيت. ويُعتقد أن المعدن الجاف، المكون الرئيسي لخام الحديد، قد تشكّل من خلال التفاعلات مع الغلاف الجوي للمريخ في عملية استمرت على مدى مليارات السنين. ولو كان الأمر كذلك، لتشكل الهيماتيت في وقت لاحق من تاريخ المريخ، بعد الاشتباه باحتوائه على بحيرات وأنهار على سطحه.
اقترح بحث جديد يجمع بيانات من بعثات عديدة وغبار المريخ المكرّر، أنّ المعدن الذي يتشكّل بوجود الماء البارد قد يكون مسؤولاً عن اللون الأحمر، بدل الهيماتيت، ما قد يغيّر الطريقة التي يفهم بها العلماء شكل المريخ منذ ملايين السنين، وإذا ما كان يُحتمل أن يكون صالحاً للسكن. ونشر فريق من العلماء النتائج في مجلة Nature Communications، الثلاثاء.
وأفاد مؤلف الدراسة الرئيسي أدوماس فالانتيناس، زميل ما بعد الدكتوراه بقسم علوم الأرض والبيئة والكواكب في جامعة براون، ببيان: "المريخ لا يزال الكوكب الأحمر. كل ما في الأمر أنّ فهمنا سبب لون المريخ الأحمر قد تغيّر".
غربلة الغبار
لقد تساءل العلماء حول التركيب الدقيق لأكسيد الحديد في غبار المريخ، لأن فهم كيفية تشكّله سيمكّنهم من النظر إلى الماضي في الوقت المناسب لمعرفة كيف كانت البيئة والمناخ على المريخ القديم.
لكن رغم أن الغبار يغطي كل شيء على المريخ، إلا أنه من الصعب دراسته ويشكل لغزًا، بحسب بريوني أورغان، الباحث المشارك في مهمة المركبة الجوالة بيرسيفيرانس، وأستاذ علوم الكواكب في جامعة بوردو بويست لافاييت، في ولاية إنديانا، غير المشارك في الدراسة.
وقال أورغان: "إن جزيئات (الحديد المؤكسد) صغيرة جدًا (نانومتر أو أقل) بحيث لا تحتوي حقيقة على بنية بلورية محدّدة، ولا يمكن تصنيفها ضمن فئة المعادن الحقيقية. هناك طرق لتكوين الحديد المؤكسد من دون ماء، وبعض العمليات الجافة المقترحة تشمل:
الأكسدة السطحية مثل قشور الأكسدة التي تتشكّل في الصخور وفي الوديان الجافة بالقطب الجنوبي، والأكسدة السطحية عبر التآكل ويتم تفجير السطح بحبيبات الرمل على فترات طويلة.لكن هناك أيضًا الكثير من الطرق للأكسدة بالماء أيضًا، بينها التربة والبحيرات.
ويشير التحليل الجديد إلى نوع مختلف من أكسيد الحديد الذي يحتوي على ماء يُسمى الفيريهيدريت، وهو يتشكّل بسرعة في الماء البارد، ويُحتمل أن يكون قد تشكّل على المريخ عندما كان وجود الماء ممكنًا على السطح قبل أن يصبح الكوكب أكثر برودة وغير مضياف.
وكانت الأبحاث السابقة اقترحت أنّ الفيريهيدريت هو السبب المحتمل لاحمرار المريخ، لكنّ الدراسة الجديدة جمعت بين الأساليب المختبرية وبيانات المراقبة لأول مرة لتقديم الأدلة.
وأشار أورغان إلى أنّ "هذه الورقة تحاول معرفة أيّ أكسيد الحديد ضعيف التبلور يمكن أن يكون مسؤولاً عن المكوّن الأحمر في غبار المريخ، وهو ما سيكون من المفيد اكتشافه، لأنّ ذلك يمكن أن يساعدنا على تحديد العملية التي أنتجت الغبار ومتى حدث ذلك".

استخدم فالنتيناس وفريقه البيانات التي تم جمعها بواسطة المركبة الفضائية Mars Express التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، والمركبة المدارية ExoMars Trace Gas، بالإضافة إلى المركبة الفضائية Mars Reconnaissance Orbiter التابعة لناسا، والمركبات الجوالة Curiosity وPathfinder وOportunity.
كشفت الكاميرا الملونة CaSSIS الخاصة بمركبة Trace Gas Orbiter، والمعروفة أيضًا باسم نظام التصوير الملون والسطحي المجسّم، عن الحجم الدقيق وتكوين جزيئات الغبار على المريخ، ما سمح للباحثين بعمل نسختهم الخاصة على الأرض.
ابتكر العلماء غبارهم المريخي في المختبر باستخدام أنواع مختلفة من أكسيد الحديد. تم وضع الغبار المتماثل في مطحنة متخصصة لتكوين حبيبات مساوية في الحجم لتلك الموجودة على المريخ بسمك يعادل 1/100 من شعرة الإنسان.
وقام الفريق بتحليل الغبار باستخدام أجهزة الأشعة السينية، ومقاييس الطيف الانعكاسية، على غرار التقنيات التي تستخدمها المركبات المدارية التي تدرس المريخ أثناء دورانها حول الكوكب. ثم قارن العلماء بيانات المختبر ببيانات المركبة الفضائية.
أظهر مطياف الانعكاس OMEGA الخاص بشركة Mars Express أنه حتى الأجزاء الأكثر غبارًا من المريخ تحتوي على دليل وجود معادن غنية بالمياه، في حين أشارت بيانات CaSSIS إلى وجود الفريهيدريت كأفضل تطابق للغبار على المريخ، عوض الهيماتيت، عند مقارنتها بالعينات المختبرية، وفق فالنتيناس.
وقال نيكولا توماس، الأستاذ في معهد الفيزياء بجامعة برن في سويسرا، الذي قاد الفريق الذي طور الكاميرا، إنّ الأداة تراقب المريخ منذ أبريل/ نيسان 2018، وتلتقط صورًا ملونة عالية الدقة لسطح المريخ.
وأوضح فالنتيناس، الذي بدأ بحثه في جامعة برن باستخدام بيانات Trace Gas Orbiter: "لقد وجدنا أن الفيريهيدريت الممزوج بالبازلت، وهو صخرة بركانية، يناسب بشكل أفضل المعادن التي تراها المركبات الفضائية على المريخ". وتابع أن "النتيجة الرئيسية تتمثّل بأنه نظرًا لأن الفريهيدريت لا يمكن أن يتشكّل إلا عندما كان الماء لا يزال موجودًا على السطح، فقد تعرّض المريخ للصدأ في وقت أبكر ممّا كنا نعتقد سابقًا. علاوة على ذلك، يظل الفيريهيدريت مستقرًا في ظل الظروف الحالية على المريخ.
آثار مائية قديمة
وقال فالنتيناس إن سر اللون الأحمر للمريخ استمر لآلاف السنين، وأنّ اكتشاف أنه قد يكون بسبب معدن صدئ يحتوي على الماء مثل الفيريهيدريت، بخلاف شكل الصدأ الخالي من الماء في الهيماتيت، فاجأ الباحثين، لافتًا إلى أنها توفر أدلة مثيرة للاهتمام حول التاريخ الجيولوجي والمناخي للمريخ.
وأضاف أنه "بما أن هذا الصدأ المحتوي على الماء يغطي معظم سطح المريخ، فإنه يشير إلى أن الماء السائل في الماضي القديم للمريخ ربما كان أكثر انتشارا مما كان يعتقد سابقا. ويشير هذا إلى أن المريخ كان يتمتع في السابق ببيئة يتواجد فيها الماء السائل، وهو شرط أساسي للحياة. وتكشف دراستنا أن تكوين الفريهيدريت على المريخ يتطلب وجود كل من الأكسجين، سواء من الغلاف الجوي أو من مصادر أخرى، والماء القادر على التفاعل مع الحديد.

ولم تركز الدراسة على تحديد متى تشكل المعدن تحديدًا، لكن نظرًا لأن الفيريهيدريت يتشكّل في الماء البارد، فيحتمل أنه تكوّن قبل حوالي 3 مليارات سنة، بخلاف الوقت الذي كان فيه الكوكب أكثر دفئًا ورطوبة قبل ملايين السنين.
وقال فالنتيناس: "كان هذا وقت النشاط البركاني المكثف على المريخ والذي يحتمل أن يؤدي إلى ذوبان الجليد والتفاعلات بين الماء والصخور، ما يوفر ظروفًا مواتية لتكوين الفيريهيدريت"، مردفًا بالقول: "يتماشى التوقيت مع الفترة التي كان فيها المريخ ينتقل من حالته السابقة الأكثر رطوبة إلى بيئته الصحراوية الحالية".
0 تعليق