أسطورة حب تُرجمت مسرحيا برائحة اللبان..

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تعددت قصص الحب الخالدة، وغالبا ما كان خلودها إلا بسبب نهايتها، النهاية التي كتبت في أسطر التاريخ، فماذا إن كانت نهاية الحكاية أسطورة تناقلتها الأجيال، مع اختلاف الإيمان إن كانت الأساطير حقيقة أم خرافة، إلا أن بقاءها مرهون بالأبدية.

هكذا كانت الصورة التي رسمها المخرج يوسف البلوشي في مسرحية "أسطورة شجرة اللبان" التي رفعت الستار عن النسخة الخامسة عشر من مهرجان المسرح العربي مساء أمس، لتكون فرقة مزون المسرحية هي المنافسة العمانية لنيل اللقب، ومواجهة العروض العربية المشاركة في هذه النسخة.

تروي الحكاية قصة حب ملحمية، حيث تتجرد "موشكا" من القبيلة والأصل، وتجري خلف قلبها الذي قادها للحب، وربما ليس بجديد ما فعلته موشكا، ولكن الجديد ألا تكون "موشكا" إنسانا، ولكن قلبها ينبض لـ"غديّر" الإنسان، فهذا حتما يقود في النهاية إلى البقاء كأسطورة، وليست بأي أسطورة، بل هي جذر من جذور التراث العماني، وأيقونة محفورة في أصالة هذا البلد.

يواجه الحبيبان معركة دامية، حيث تتصدى "موشكا" لملك الجان، تقبل أن تعذب بعد اكتشاف الروح التي تنبض في داخلها، وأنها وقعت في ذنب لا يمكن غفرانه، ليتم تعذيبها، وما كان موتها بعد ذلك إلا بقاء كأسطورة خالدة، حيث تتحول إلى شجرة لبان، تفوح بعطرها كلما قطع منها جزء.

وليس بجديد ما يحكى على لسان الأجداد من قصص الحب بين الإنس والجن، وما تفعله تلك المشاعر من صراع طويل، ولعنة كبرى تحل على العاشق الإنسي، فماذا لو أن مسرحية "أسطورة شجرة اللبنان" لم تسلط الضوء على صراع كلنا استطعنا رؤيته أو سماعه متناقلا بين الأجيال كحكايات الأساطير والقصص الشعبية، بل اختارت "مزون" أن تسرد قصة الصراع في عالم الجن، العالم اللامرئي والمجهول والغيبي، بتفاصيل تلفت المشاهد، من اختيار للألوان والأزياء، واختيار طبقة الصوت وطريقة الحديث والإيحاءات الجسدية.

ولم يكن الاكتفاء بالتوغل لعالم حساس جدا للبشر، يستلزم الدقة والتركيز على التفاصيل، إلا أن اختيار أن تعنون المسرحية بما يمس عمق التراث العماني "شجرة اللبان" وما يمثله هذا الرمز من رسالة عظيمة، كان إيصالها عبر مختلف الدول شيئا وجب تحية "فرقة مزون" على اختياره، كما أن اختيار كلمة "أسطورة" كان أمرا مثيرا للجمهور، وداعيا للمهتمين بالأساطير لكشف حكاية الأسطورة والبحث عن تفاصيلها.

قصة عاطفية درامية مقتبسة من رواية "موشكا" للكاتب محمد الشحري، وأعدها مسرحيا نعيم نور، لتوضع في يد المخرج يوسف البلوشي، الذي استعان بإمكانيات طاقم عمل فرقة مزون، ليخرج بجمالية مغذية للبصر، فمن النجاح في اختيار الأزياء والديكور والإضاءة، إلى تكاملية الأداء التمثيلي، وإشراك الموسيقى المقتبسة من التراث العماني، صنعت لوحة مسرحية فنية محبوكة بعناية.

استعان المخرج في مسرحية "أسطورة شجرة اللبان" بالفنون الشعبية، فكان حضور الرقصات الشعبية ملفتا، إضافة إلى استخدام فن النانا وفن هيلي مكبر من محافظة ظفار، وفن المحوكة من محافظة شمال الباطنة، كما ان العزف الحي والمباشر باستخدام الآلات الموسيقية أبرزها آلة القربة، والموسيقى التصويرية المصاحبة، أضفى رونقا مميزا للعرض.

كما كان لأداء الممثلة الرئيسية "نادية عبيد" والتي قامت بدور موشكا وهي التي قام عليها الأداء المسرحي الأكبر في العرض، ماأثار جذب الجمهور، لا سيما برشاقتها في الأداء، وتحكمها بطبقاتها الصوتية، ورقصاتها البارعة، وقدرتها الجسدية على تصوير سياط التعذيب الموجهة لها، ما رفع صوت التحية لها مرارا أثناء وبعد العرض.

وشارك المخرج يوسف البلوشي في مهرجان بغداد المسرحي في 2023 بـ"أسطورة شجرة اللبان"، ولكنه استعان بتغيير كبير في العمل، إضافة إلى تغيير في بعض طاقم الممثلين.

الندوة التعقيبية..

وقدمت الدكتورة داليا حمدان تعقيبا على المسرحية أكدت على عناصر نجاح العمل، وجذبه للجمهور، وعلى الاعتماد على البناء الزمني السليم، ووجود حالة من التكثيف الزمني والدرامي للعمل أكسبه مزيدا من القوة، وقالت: المخرج استطاع أن ينجح بمزج عالم الجن بعالم الإنس، كما أنه اعتمد على التكرار، والتكرار الكامل يعني الموت، وعالم الأشباح هو عالم الموت"، كما أشادت الدكتورة داليا بأداء أبطال العمل، والإضاءة واستخدام الدخان الفاعل، والفنون الشعبية والموسيقى التقليدية التي خدمت العمل.

وأشارت إلى أن المبالغة في الأداء في عالم الجن كان مبررا جدا لأن هذا العالم غير واقعي، فكانت المبالغة أمرا مناسبا لهذا العالم فقط، وختمت حديثها بأن العرض المسرحي يعد عملا عمانيا متقدما فكريا.

وعرضت مساء اليوم مسرحية "الملجأ" من الأردن في مسرح قصر البستان، وقدمت فرقة مسرح الصواري البحرينية عرضها "المؤسسة" في مسرح مدينة العرفان، كما قدمت المملكة العربية السعودية مسرحية "ذاكرة صفراء" وهي مع عروص المسار الثاني للمهرجان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق