في السابق أو ما مضى من أعوام عديدة أو حتى عبر مئات السنين، كانت عادة النميمة أو بالمعنى العامي "العقرة" مقتصرة على فئة الإناث دون غيرهن عندما كان الرجال لهم اهتمامات الرجال بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وكانت أدوارهم أدوار رجال واهتماماتهم اهتمامات الرجال، وبسبب وقت الفراغ كانت بعض النساء يتنقّلن من بيت لآخر، ومن حفل زواج لغيره، ومن تجمّع لآخر حاملاتٍ معهنّ أحاديث منقولة، مع زيادة بعض "البهارات والنكهات"، لتتحوّل من أحاديث إلى حديث الساعة في الفريج أو الحيّ أو المنطقة.
اليوم تعود هذه الظاهر بشكل جديد بناء على التطور بوسائل الاتصال الإعلامي وتطبيقاته، لكن التطور لم يشمل أسلوب نقل الأحاديث، بل تعدّاه ليطال جنس ناقل الحديث، فبعد أن كانت العملية مقتصرة على الجنس الناعم تحولت إلى الجنس الخشن أو بالأحرى الذكور، فباتوا هم من ينقل الأحاديث، ويتفنون في الإبداع الخاص بـ"البهارات والحبكات الدرامية"، وبعد أن كانت المنازل مسرحاً لتلك المواضيع باتت وسائل التواصل الاجتماعي هي المحتضن لتلك الظاهرة، فمنهم من يكتب، ومنهم من يتحدّث عبر تقنية الفيديو، ومنهم من يستغلّ "البود الكاست"، فلكلٍّ أسلوبه وطريقته ودوره في إحياء هذه العادة المتوارثة عبر القِدم.
هل يعلم أولئك "العقّارون" كم من منازل تُهدم، وكم من مشاكل تكبر، وكم من صداقات تنتهي بسبب تلك الخصلة أو العادة الذميمة، هل يعلمون بأن أخبارهم الكاذبة التي يسوقونها تتسبّب في ضياع مستقبل العديد من الناس. أصبح رمي الناس بسهم النميمة من الظواهر المنتشرة في مجتمعاتنا العربية، أصبح الجميع يبحث عن أي محتوى، حتى لو كان فارغاً، ليتحدّث ويظهر عبر المنصات الإلكترونية وفي المجالس، بصورة الخبير والعارف بمجريات الأحداث والأمور، يعلم خباياً الأسرار، ويقرأ ما بين السطور، يفقه في الطب والرياضة والسياسة وعلوم الفضاء، يتحدّث عن هذا ويغتاب ذاك، يعلم ما سيحدث وما سيكون.
الأمر الآخر أنه ومع خالص الأسف والأسى والحزن، باتت مجتمعاتنا حاضنة لتلك الشخصيات، بل بات منهم من يعتاش على هذه الأمور، حتى أطل علينا العرّافون ليكونوا أبطالاً على القنوات التلفزيونية ومنصات التواصل، ولأن الأرضية خصبة باتت مقاطعهم تنتشر بكثرة، والكل يترقّب الأحداث بناء على ما ذكره أولئك العرافون.
عودةً إلى ذي بدء، يجب أن ننظّف مجالسنا من أولئك النمّامين، وبعدها نبدأ بمحاربتهم في مواقع التواصل التي انتشروا بها، ونقف أمام إشاعاتهم و"عقرتهم" على هذا وذاك، حتى وإن بدأنا متأخرين، فنحن من يتحمّل ذلك التفاقم في هذه العادة التي كانت حصراً على جنس معيّن، وتحولت إلى ظاهرة بين الجنسين.
أخيراً وليس آخراً، لا نصنع من النمّامين وأصحاب الغيبة والبهتان والافتراء أبطالاً ونمنحهم مكانةً بيننا، فإن استماعنا يُعتبر دافعاً لهم وحافزاً للمُضيّ قُدماً في هذه الخصلة.
0 تعليق