في عزاء إحدى الصديقات في وفاة أمها قالت لي وهي لا تكاد تتمالك نفسها: صورة أمي وهي تتألم في المستشفى بالأمس قبل وفاتها وصورتي وأنا عاجزة عن مساعدتها لا تفارقني، تؤرقني تؤلمني تعصر قلبي.
قلت لها عليك استحضار صورتها الثانية، صورتها وهي مبتسمة ومرتاحة وهادئة وراضية، وصورتك وأنت تسخرين كل وقتك لخدمة أمك المريضة فكلتا الصورتين موجدتان في ذاكرتك، الاثنتان أصبحتا من الماضي، هي الآن لا تتألم، لحظة الألم انتهت في الواقع، وأنت تملكين الصورتين صورتها وهي تتألم وصورتها وهي تضحك، وهما مخزنتان في الذاكرة، فإن لم تتمكني من محو صورة الألم فلا أقل من استحضار صورة الراحة والرضا لتوازن الذكريات، ويخف تأثير الصورة المؤلمة.
القدرة على التوازن في المشاعر ليست في متناول الجميع، كثير منا يفتقد هذه الملكة، بالرغم أنها ضرورية للصحة النفسية، البعض تسيطر عليه أفكار من لون واحد، ولا يستطيع الهرب منها، فتسيطر كل الوقت على أفكاره، فإن لم يكن التوازن يعمل بشكل تلقائي وعفوي ومحمل ذاتياً في عقليتك، ونظراً لأهميته لاستقامة حياتك وجب عليك أن تجبر نفسك على التفكير المتوازن إجباراً، حتى تستقيم أحوالك بعد أن تستقيم أفكارك، بمعنى واجه عقلك كأنك تواجه شخصاً آخر وأجبره على تذكر الصورة المعاكسة.
التوازن ضروري لرؤية الأمور بموضوعية والتقييم بعقلانية، فدون أن تضع المقابل، المعاكس، المتناقض في ذات اللحظة، فإنك ستميل وتقع في المحظور، وتخطئ في التقييم.
هي ذات النصيحة قدمتها كحل منذ زمن لصديقة كانت تشتكي من زوجها، وتعدد لي سلبياته التي هي عبارة عن أطباع متأصلة فيه، يصعب تغييرها مهما حاولت نظراً لقدمها، وأكثر خلافاتهما جرت بسببها، قلت لها أنتِ لا تملكين حلاً سوى التوازن، عددي حسناته، هل تذكرينها؟ أخذت وقتاً وهي تسرح وتستجمع أفكارها، إذ يبدو أنها نسيتها، ثم بدأت تعدها وإذ بالقائمة المعاكسة طويلة خاصة حين عصرت ذاكرتها واجتهدت باستحضار المواقف الطيبة له، ضحكت وقالت لي يبدو أن هناك حسنات له نسيتها، توازنت نظرتها لها حين أجبرت نفسها على التوازن في الحكم عليه وتقييمه، قابلتها بعد فترة، وسألتها قالت، مازالت سلوكياته تعصبني ولكن انفعالي عليها خف كثيراً لأني استحضر القائمة المعاكسة فوراً، وما عدنا نتشاجر بالحدة السابقة بل أحياناً أتجاهل مسببات الغضب عندي، ويعدي الموقف دون شجار.
طبقوا هذه الآلية في جميع أحكامكم على من تتعاملون معه، مع ذكرياتكم، حتى مع تقييمكم لمستوى حياتكم ومعيشتكم وأجبروا أنفسكم جبراً على إيجاد القائمة البديلة إلى أن تتوازن القائمتان سترون أن أنفسكم قد هدأت وانفعالاتكم قد عادت لمستواها الطبيعي.
هكذا هي الحياة لا تسرفوا في التفكير السلبي وأجبروا أنفسكم جبراً على البحث عن بدائل الصور التي تسيطر على تفكيركم، اغصبوها عاندوها اعصروا ذاكرتكم ستجدون جمالاً لم تلحظوه ومررتم عليه مرور الكرام، ستعيدون تقدير العديد من الأشخاص والعديد من النعم في الحياة.
العملية ليست سهلة لمن لم يتعود عليها لذلك أحياناً قد تضطر إلى استخدام الكتابة مثلاً لتقارن بين القائمتين، وتستعيذ بالله من شيطانك الرجيم، إنما النتيجة هي توازن لصحتك النفسية ستنعكس عليك بشكل كبير جسدياً مثلما هي نفسياً.
0 تعليق